الهوية بين المثلية والتطبيع - عمرو هاشم ربيع - بوابة الشروق
الأربعاء 17 أبريل 2024 2:00 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الهوية بين المثلية والتطبيع

نشر فى : الخميس 8 يونيو 2023 - 7:05 م | آخر تحديث : الخميس 8 يونيو 2023 - 7:05 م

الهوية هى القضية المهمة التى ركز على وجودها الحوار الوطنى، وذلك ضمن 19 قضية مركزية يناقشها، وهى تدخل ضمن قضايا المحور المجتمعى، إلى جانب قضايا أخرى كالتعليم والصحة والسكان.
ولمن يدرك قيمة الهوية يعلم علم اليقين أنها ترتبط مباشرة بمجموعة القيم التى تربى عليها هذا المجتمع، وهى قيم متأثرة بعديد المناحى الإسلامية والعربية والمصرية القديمة (الفرعونية)، وهذه القيم تتعلق بالأساس بالانتماء، والنجدة، والكرم، واحترام الكبير، والإيثار، والمثابرة، والصدق، والنخوة، وتقدير مكانة الجار، والشجاعة، ونبذ العنف، واحترام الرأى، ومساعدة الضعيف والمحتاج. إضافة إلى التعامل بشكل محدد يتعلق بتقدير لغة البلاد الرسمية ولسانها (العربية)، وعلمها، وكذلك نوع الزى والمأكل، وقيادة المركبة، ومعرفة العدو الحقيقى للأمة... إلخ.
ولاشك أن أحد العوامل الرئيسة لغرس تلك القيم هى الأسرة باعتبارها النواة الأولى للمجتمع، وكذلك مؤسسات التعليم الرسمية، وأجهزة الإعلام المرئى والمسموع والمقروء، إضافة إلى الأحزاب والمجتمع المدنى فى البلاد.
قد يقول قائل إن الكثير من القيم السابقة هى قيم عالمية، هذا صحيح، باعتبار الإنسان كائن مرد على حب الخير، لكن الكثير من تفاصيل القيم السابقة وسبل تنفيذها، يختلف من بيئة لأخرى. من هنا تأتى الخصوصية، المتصلة فى حالتنا بالبيئة المصرية، وهى متعلقة بالتراث والعادات والتقاليد الذى يتمسك بها المجتمع، مع الأخذ فى الاعتبار قدر من المعاصرة والحداثة المعتبر والمحسوب إلى جانب قيم الأصالة، ودون أن يكون هناك بالضرورة تناقض بينهما.
واحد من أبرز عوامل تشويه تلك القيم المناخ العولمى الذى يرتبط بالأساس بالهواتف الخلوية، والإنترنت، والفضائيات. فتلك الوسائل الثلاث إذا لم يحسن استخدامها فإنها تجلب النواكب فى تأثيرها على نمط القيم والتقاليد. إضافة إلى ذلك فإن مناهج التعليم الرسمية قد تكون هى الأخرى سببا لكثير من مشكلات الهوية، إذا ما لم يحددها عقلاء الأمة وقادة رأيها.
وشريحة الشباب التى قد تصل نسبتهم فى مصر إلى الثلثين، ومن ثم فهم عماد المجتمع، والمستهدف الرئيس من أهله لرخائه، ومن عدوه لافقاره، هم فى مرمى الاتهام، فهم الأكثر اتصالا بهذا المناخ العولمى. فمن خلال تطبيقات الهواتف، ومن خلال الفضائيات التى تنقل صيحات الموضى ومحامد أو مساخر السلوك، والسينما وكليبات الطرب وسلوك الفنانين والممثلين التى تنقل الغث والسمين، وعبر أشكال ومضمون مناهج التعليم الرسمى... إلخ. كل ذلك يؤثر فى نمط القيم، والتحول والحراك الثقافى المجتمعى إلى أسفل أو وإلى أعلى، وإن كان أغلبه الآن هو إلى الأسفل. لأن ما هو ظاهر اليوم هو دعاوى الإنمالية، والانسحاب، والصمت عن الحق، ونشر الإباحية، وعدم الاكتراث بالقانون الوضعى كقيمة، وتبرير الكذب، ورمى البرىء، والتحرش والتنمر... إلخ.
خذ على سبيل المثال دعاوى المثلية الجنسية التى تلقى رواجا كبيرا فى عالم اليوم، ويشاهدها شبابنا اليوم جهارا، وتبث عبر وسائل التخريب الاجتماعى عبر هواتفهم، وهى دعاوى يروج لها المناخ المعولم فى جميع البلدان الغربية تقريبا، التى لا تستحى أن تدعو لها، وتعاقب كل من يتصدى أو حتى يمتنع عن المشاركة فيها، رغم كونها ضد الفطرة التى جبلت عليها ونشأت عليها الإنسانية منذ الخليقة، وهى تكوين الأسرة نواة المجتمع الأولى من الذكر والأنثى. أنظر مثلا إلى تأثر مصر والبلاد المشابهة لها فى القيم بهذه الحملة الضروس لطمس الأسرة وتخريب الجيل، تحت دعاوى قيم المدنية والحداثة ومحاربة التخلف. وكلها قيم سامية، بريئة من دعاوى الرزيلة، لأنها بالأساس هى التخلف والوضاعة والحقارة التى تعف الحيوانات عن فعلها.
خذ أيضا قيمة معرفة العدو الذى ما برحت مناهج التعليم المصرية والعربية أن تصونه وتحافظ عليه لعقود، دون تأثير ذلك بما حدث عام 1979من اتفاق سلام مع المحتل الإسرائيلى. لكن لوحظ خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة حدوث بعض التغير. فوفقا لدراسة فى موقع إمباكت الإسرائيلى نشرت فى 25 يوليو الماضى، فإن مناهج خليجية تغيرت لصالح التطبيع. وببحث حقيقة ذلك مصريا، لاحظ منذ أيام قليلة د. محمد سليم أستاذ المناهج وتلامذته بجامعة بورسعيد، وجود تغير فى بعض مناهج الصف الخامس الابتدائى.
وعلى أية حال، فإن ما يمكن قوله بشأن المثال الأخير، هو أنه أمر قد لا يتسم بالأهمية والتأثير الكبير على الهوية المصرية فى تضليل النشئ بشأن معرفة العدو. لأن بعض وسائل التنشئة الاجتماعية وعلى رأسها الأسرة، قد تأتى بقيم تغلب على قيم تأتى بها وسائل تنشئة أخرى كمؤسسات التعليم، وقد يدعم ذلك الأحداث الجارية التى تدعم مسألة غرس القيم، والمتصلة بممارسات الاحتلال الاسرائيلى لفلسطين والعنف الصهيونى اليوم وأمس ضد شعبها.

عمرو هاشم ربيع نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية
التعليقات