أزمة الحكومات العربية مع الانتخابات الأمريكية - مصطفى كامل السيد - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 8:35 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أزمة الحكومات العربية مع الانتخابات الأمريكية

نشر فى : الأحد 8 نوفمبر 2020 - 9:50 م | آخر تحديث : الأحد 8 نوفمبر 2020 - 9:50 م

تواجه حكومات عربية عديدة، خصوصا فى الخليج والمشرق العربيين، حرجا شديدا فى التعامل مع نتيجة الانتخابات الرئاسية فى الولايات المتحدة الأمريكية التى ينتظر (حتى كتابة هذه السطور) أن تدفع بمرشحهم المفضل دونالد ترامب خارج البيت الأبيض، ليحل محله جو بايدن، النائب السابق للرئيس أوباما، والذى يكنون له ولسياساته أشد العداء.
بايدن أعلن فوزه بالفعل مساء أمس الأول السبت، وهنأه معظم قادة العالم وهو ما يرفض ترامب الاعتراف به حتى الآن.
والواقع أن هذا الحرج، بل هذه الأزمة، هو من صنعهم، وليس لهم إلا أن يلوموا أنفسهم عليه، فقد استثمروا فى رئاسة ترامب الكثير، وتفاءلوا بمقدمه إلى البيت الأبيض، حتى قبل فوزه فى الانتخابات الرئاسية ضد هيلارى كلينتون، التى كانت وزيرة خارجية باراك أوباما، ويلومونها بدورها، وعن غير علم، بمؤازرتها لثورات الكرامة العربية فى سنة ٢٠١١، والتى يعتبرونها أكبر كارثة حلت بالعرب فى عصرهم الحديث. فما هى جذور هذه الأزمة؟ وما هى نتائجها؟ وهل يمكن للحكام العرب أن يخففوا من بعض أضرارها؟
جذور الأزمة
يمكن القول أن جذور الأزمة تعود إلى تحليل خاطئ لأوضاع الشرق الأوسط وموقف إدارة ترامب منها. فعلى سبيل المثال ذهبت معظم حكومات دول الخليج، وبالتحديد حكومات المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات والبحرين إلى أن التحدى الأساسى الذى يواجهها هو امتداد النفوذ الإيرانى فى المنطقة، والذى من شأنه أن يتصاعد عندما تمتلك إيران سلاحا نوويا، وأن إدارة أوباما متساهلة مع امتداد النفوذ الإيرانى فى الشرق الأوسط، وأن الطريق لمواجهة امتداد النفوذ الإيرانى هو بالتحالف الضمنى والصريح مع أشد أعداء إيران فى الشرق الأوسط وعلى الصعيد العالمى، ومن ثم كانت علاقاتهم السرية مع إسرائيل والتى انتهت كما هو معروف بقبول التطبيع الكامل معها من جانب كل من الإمارات والبحرين، وبالمساندة الرمزية من المملكة العربية السعودية التى سمحت للطيران الإسرائيلى بعبور أجوائها من وإلى دول الخليج الأخرى أو إلى حيثما شاءت الحكومة الإسرائيلية إلى دول أخرى فى آسيا، ولما كان دونالد ترامب قد أعلن فى حملته الانتخابية أنه يقف ضد المعاهدة النووية مع إيران وأنه سيخرج الولايات المتحدة منها عندما يصل إلى البيت الأبيض، فقد ساندته كل دول الخليج تقريبا، وكافأته عندما وصل إلى منصب الرئاسة الأمريكية بإغداق مئات مليارات الدولارات على الولايات المتحدة سواء فى صورة استثمارات أو مشتروات أسلحة، واستجابت لكل ما طلبه منها وخصوصا قبيل الانتخابات الأخيرة بأن تسرع من خطوات التطبيع مع إسرائيل، وأن تمارس نفوذها لاجتذاب دول عربية أخرى لتسير على نفس الطريق، وهو ما فعلته دولة الإمارات تحديدا بجهودها لإغراء الحكومة السودانية بقبول إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
حكومات عربية أخرى لا تتخوف من امتداد النفوذ الإيرانى بنفس درجة فزع حكومات الخليج، ولكنها نسبت إلى باراك أوباما ومعه إدارته الديمقراطية أنهم وراء مجىء الإخوان المسلمين لحكم مصر، وأنهم كانوا يتحرقون شوقا لإعادتهم إلى صدارة المشهد السياسى فيها، واستبشرت هذه الحكومات بعداء ترامب للإسلام عموما.
قصور على الرمال
هل هناك خطأ فى هذه التصورات لدى الحكام العرب عما كانوا يتوقعونه من إدارة ترامب؟ هل كانت اعتراضات دول الخليج على المعاهدة النووية مع إيران تقوم على أسس صحيحة؟ ألم تكن هذه المعاهدة هى الطريق الفعال لوقف طموحات إيران النووية؟ ألم يكن ذلك هو موقف الولايات المتحدة فى ظل رئاسة أوباما ومعها كل الدول الخمس الأخرى دائمة العضوية فى مجلس الأمن فضلا عن ألمانيا والاتحاد الأوروبى؟ وهل رفعت إدارة ترامب كل العقوبات التى فرضتها إدارات أمريكية سابقة على الحكومة الإيرانية؟ أو ليس هناك طريق آخر لوقف امتداد النفوذ الإيرانى فى المنطقة سوى مناصبة إيران العداء والانضمام إلى جميع أعدائها دون حساب لرد فعل إيرانى تجاه هذا العداء بتكثيف محاولات هز الاستقرار فى هذه الدول وضرب مصالحها الأساسية؟ وهل نجح التحالف مع إسرائيل وإدارة ترامب فى الحد من النفوذ الإيرانى فى اليمن ولبنان وسوريا ومع منظمة حماس فى غزة؟ أو لن يقوى هذا الموقف المشترك لحكومات الخليج وإسرائيل والولايات المتحدة من كفة المتشددين فى طهران، مما يزيد من التوتر فى إقليم الخليج وكل الشرق الأوسط؟
أما قصة تواطؤ إدارة أوباما مع الإخوان المسلمين فى مصر، وأنها وراء ثورات الكرامة العربية، فهى تحديدا تستحق نقاشا صريحا قد لا تسمح به الأوضاع فى الوقت الحاضر، ولكن خطأ هذا التحليل هو أنه يتغاضى عن مسئولية من كانوا يحكمون مصر فى أعقاب تخلى الرئيس الأسبق حسنى مبارك عن منصبه وحتى ٣٠ يونيو ٢٠١٢، فقد تم خلال تلك السنة استدعاء الإخوان المسلمين والمتعاطفين معهم ليشاركوا فى لجنة اقتراح تعديلات دستورية على دستور ١٩٧١ الذى ساد طوال فترة حكم مبارك، وذلك بدلا من اللجنة التى تشكلت فى آخر عهد مبارك من خبراء محايدين، كما جرى السماح للإخوان المسلمين ولكل الإسلاميين بتشكيل أحزابهم، وخوض استفتاء وأربعة انتخابات ما بين نيابية ورئاسية فازوا فيها جميعا. هل كانت إدارة أوباما هى التى تقرر ما يجرى فى مصر خلال تلك الفترة؟ وبصرف النظر عن حكمة من كانوا فى السلطة خلال تلك السنة، فهم الذين يتحملون المسئولية عما أدت إليه إدارتهم لشئون البلاد من نتائج.
ماذا كسبت الحكومات العربية من صداقة ترامب؟
هل حققت صداقة ترامب لهذه الحكومات ما كانت تبتغيه، طبعا ألغى ترامب انضمام الولايات المتحدة للاتفاق النووى مع إيران، وفرض عليها عقوبات متشددة، ولكنه فعل ذلك لأسباب تخصه، وتحديدا عداءه للرئيس أوباما الذى أبرم هذا الاتفاق مع الشركاء الدوليين الآخرين، وتحيزه الكامل لمواقف رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، كما لم يحقق التطبيع السرى والعلنى مع إسرائيل ما كانت تتطلع له هذه الحكومات من هجوم عسكرى إسرائيلى على المنشآت النووية الإيرانية. بل إن الحديث عن مثل هذا الهجوم والذى تردد كثيرا فى ظل إدارة أوباما لم يعد يذكر طوال فترة ترامب، وإن كان قد ظهر منسوبا لأحد الوزراء الإسرائيليين كرد فعل محتمل لإسرائيل بعد فوز جو بايدن. ورد ترامب على هذه الحكومات بما لم تتوقعه ولم تعلق عليه. فقد أهان حكامها وشعوبها علنا، وبدأت إدارته بحظر سفر مواطنين مسلمين إليها، وأقدم على ما لم يفعله أى رئيس أمريكى سابق بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس معترفا بها عاصمة لإسرائيل، كما أقر بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية، وقاطع السلطة الفلسطينية وفرض عليها عقوبات يدفع ثمنها الشعب الفلسطينى. أما الحكومة الإسرائيلية فقد نفت تماما أن يكون هناك أى مقابل لقبول حكومات عربية التطبيع معها، فهو بحسب رئيس الحكومة الإسرائيلية «سلام مقابل سلام»، أى فلينسَ العرب قصة انسحاب إسرائيل من أراض عربية مقابل تطبيع العلاقات مع حكومات عربية، وأكدت مندوبة الولايات المتحدة فى الأمم المتحدة أن الخطة السعودية للسلام فى المنطقة والتى كان الملك عبدالله قد اقترحها فى سنة١٩٨٢، وكان أميرا ووليا للعهد حينئذ. ثم وافقت عليها الدول العربية فى قمة بيروت فى سنة ٢٠٠٢ هذه الخطة، كما قالت ذهبت أدراج الرياح ٢٠٠٣.
ماذا تفعل الحكومات العربية؟
لقد عقدت الحكومات العربية التى علقت آمالا كبيرة على فوز ترامب بفترة رئاسية ثانية الأمور على نفسها كثيرا. لا أعرف ما إذا كانت قد أجرت من خلال ممثليها فى الولايات المتحدة اتصالات بفريق الحملة الانتخابية لجو بايدن، لاستطلاع موقفه من القضايا التى تهمها، وشرح وجهة نظرها، بل وحتى بتوجيه الدعوة له لزيارتها فى الفترة التى سبقت بدء الحملات الانتخابية، وهو أمر مشروع تماما ولا يتناقض مع قوانين الولايات المتحدة طالما لا يتعلق الأمر بتقديم أموال لأى حملة انتخابية، ولا يتعارض ذلك مع القيام بنفس الاتصالات مع فريق حملة الرئيس ترامب. ولكن كان موقف هذه الحكومات من المرشحين الرئيسيين واضحا من خلال أجهزة تواصلها العام من صحافة وتلفزيون، والتى لم تخف تأييدها لترامب وانتقادها لجو بايدن، بل وصل الأمر إلى توجيه الشتائم والإهانات اللفظية لجو بايدن شخصيا، وهو أمر يعاقب عليه القانون فى أى دولة تخضع لحكم القانون، وجاءت التغطية الإعلامية للانتخابات فاقعة فى تحيزها لترامب. بعض أصحاب الاعمدة اليومية هنأوا أنفسهم باكتساح ترامب الانتخابات بعد إجرائها بيوم واحد، وطبعا قبل ظهور النتائج التى لم تعلن رسميا بفوز بايدن. ولم تتعظ هذه الحكومات بموقف رئيس الوزراء الإسرائيلى الذى خسر كثيرا بسقوط ترامب، ولكنه عزف عن إعلان التأييد العلنى له عندما توقعه منه ترامب فى المحادثة التى أجراها معه بمناسبة موافقة الحكومة السودانية على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وإن كانت الصحف الإسرائيلية لم تخف انزعاجها من مجرد احتمال فوز بايدن. ومع ذلك صوّت ثلاثة أرباع اليهود الأمريكيين لصالح بايدن. لم يفت الوقت بعد على هذه الحكومات العربية، ويمكن لها أن تعرب عن تمنياتها بالتوفيق للمرشح الديمقراطى بعد الإعلان الرسمى عن نتيجة الانتخابات.
ولكن الأمر الأهم هو أن تعيد الحكومات العربية التفكير فى حساباتها الخاطئة سواء بالنسبة لقضية البرنامج النووى الإيرانى أو التطبيع مع إسرائيل أو قضايا حقوق الإنسان. المجتمع الدولى بأسره وقسم كبير من الرأى المستنير فى الولايات المتحدة يرى فى الاتفاق النووى مع إيران خير سبيل لكبح طموحات إيران النووية، وربما يستفيد الجانب العربى من إبقاء الباب مفتوحا لاتصالات رسمية مع إيران تشجع الفريق المعتدل فى الجماعة الحاكمة فيها وتفتح باب الحوار لعلاقات ودية بين الطرفين، وهذا دور تكون مصر هى أفضل من يقوم به، وقد بدأت دبلوماسيتها بالفعل فى طرق أبواب كانت مغلقة مع أطراف فى نزاعات إقليمية كانت تعتبرهم فى صف أعدائها، كما هو الحال فى نشاط الدبلوماسية المصرية على الساحة الليبية، كما يمكن للحكومات العربية أن ترى فى سقوط صفقة القرن التى كان يدعو لها ترامب وانفتاح فريق بايدن على حل الدولتين بالنسبة للقضية الفلسطينية انتصارا للتطلعات العربية بتسوية فلسطينية إسرائيلية تستجيب لتطلعات مشروعة للشعب الفلسطينى، كما يمكن لها أن تتفادى ضغوطا مؤكدة من جانب الإدارة الديمقراطية على هذه الحكومات دفعا لها لاحترام معايير حقوق الإنسان بأن تصفى هذا الملف بألا تبقى فى سجونها من حبستهم دون أن يحملوا السلاح أو يهددوا به فى مواجهتها أو تجاه مواطنين آخرين، بل وقد ترى مكسبا فى تبنى هذه الإدارة لقضايا حقوق الإنسان واستعدادها لحل القضايا الدولية على أساس قواعد القانون، مما قد يؤدى إلى ضغوط على حكومة أردوغان فى تركيا التى تستهين بقواعد القانون سواء فى تعاملها مع مواطنيها أو مع جيرانها. ولاشك أن إدارة بايدن لن تعاقب الحكومات العربية على تحيزها لخصمه فى هذه الانتخابات، فهو بحكم خبرته السياسية الواسعة والتى امتدت لمدة أربعة عقود قادر على تجاوز هذه المشاعر الشخصية سواء فى تعامله مع من صوتوا لخصمه فى الانتخابات، أو من كانت تعلقت عواطفه به.

مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات