مكتبة الإسكندرية والسلطة وحرب الأماكن - على الرجال - بوابة الشروق
الإثنين 2 يونيو 2025 6:55 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

مكتبة الإسكندرية والسلطة وحرب الأماكن

نشر فى : الإثنين 9 يناير 2012 - 9:20 ص | آخر تحديث : الإثنين 9 يناير 2012 - 9:20 ص

تعكس ثورة مكتبة الإسكندرية المتعثرة فى الوقت الحالى الكثير من الإشكاليات التى تواجه الثورة المصرية بشكل عام. فما يحدث فى المكتبة إنما يعكس بشكل كبير تعثر الثورة المصرية فى شن حرب الأماكن؛ أى تطهير مؤسسات الدولة والمؤسسات الحاكمة والمهيمنة بشكل عام إما على حياتنا الثقافية أو السياسية أو الاقتصادية أو كلها معًا. هذا النمط من الثورة التى تغيب عنه كتلة تاريخية وقيادة محركة وتنظيم قوى قادر على اعتلاء السلطة والتحكم فى مقاليد الحكم والموارد المختلفة أثبت أنه يخلف وراءه الكثير من الفجوات التى تسمح للنظام القديم بالارتداد على الثورة وطعنها من الخلف. وبتحكم رموز ومؤسسات النظام القديم على جهاز الدولة يجعل النظام القديم قادرا على إعادة إنتاج نفسه فى هدوء وروية تسمح له بالتخطيط الفعال للانقضاض على الثورة بالأخص وهو يحمل معه قوة الدولة بأكملها. فحينما قامت الثورة ظن الكثيرون أن أعضاء النظام السابق ومؤسساته سيتساقطون الواحد تلو الآخر. وهو ما لم يحدث إلا على مستوى بعض القيادات فى هياكل السلطة العليا. وهكذا عم هذا الظن الكثيرين فى المكتبة بل إن السلطة الحاكمة نفسها داخل المكتبة كانت فى حالة ارتعاش وتذبذب وخوف شديد بعد نجاح الثورة فى قطع رأس الملك (مبارك). ولقد حاول مدير المكتبة سراج الدين الخروج من تلك الأزمة فى بدايتها عن طريق الحديث عن الثورة المصرية وعظمة شبابها وتوحش النظام السابق الذى كان هو جزءا منه! وفى البداية أعلن الرجل نيته عن إصلاح الكثير من الأمور وأن المكتبة وهو شخصيا دومًا ما اتسما بالديمقراطية. وبالفعل بدأت ما تسمى برابطة المكتبة فى التكوين وحاولت أن تلعب دور الممثل عن طلبات العاملين وآمالهم فى ظل الثورة المجيدة وما إلى ذلك.

 

وأخذت الرابطة على عاتقها محاولة جادة للإصلاح والتغيير وكان رد السلطة دومًا فى الشهور الأولى من الثورة أن الأمور قيد الدراسة وأن الطلبات مشروعة. إلا أن شيئًا لم يتحقق. ومع ارتداد رياح الثورة المضادة بقوة وإعلان المجلس العسكرى من خلال سلسلة من الفاعليات والوقائع عداءه السافر تجاه الثورة المصرية شعرت السلطة داخل المكتبة بتوازن شديد وأن الكفة بدأت تميل لصالحها مثل الأيام الخوالى. وبالفعل كان هناك الكثير من المديرين الذين لم يتورعوا عن إبداء نشوتهم الشديدة بكيفية تلاعب الثورة المضادة والمجلس العسكرى بالثورة المصرية وأنها كانت هوجة عيال صغيرة وبدأت عملية لملمتها. وهكذا أعلنت القوة والسلطة داخل المكتبة عن وجهها القبيح فى السادس والعشرين من أكتوبر الماضى حينما صرح سراج الدين للكثير من العاملين والرابطة بأنه هو الآمر الناهى وأنه لن يفعل شيئا فى قضايا المثبتين بل وأنه سيقوم أيضا بإنهاء تعاقد مجموعة كبيرة من موظفى الأمن. ومن هنا اندلعت شرارة الثورة فى المكتبة حيث اعتصم عدد كبير من الموظفين فى مدخل المكتبة وطالبوا صراحة بإسقاط سراج الدين.

 

●●●

 

ليس مصادفة أن يتولى سراج الدين قيادة مكتبة الإسكندرية فى 2001. فهذه هى الفترة التى شهدت حركة الخصخصة وسيطرة رجال الأعمال على الحياة فى مصر. فسراج الدين هو الابن البار للبنك الدولى حيث عمل نائبًا لمديريه لسنوات عدة. وفى نفس تلك الفترة كانت نصائح البنك الدولى تحث على فتح الأسواق وإعادة الهيكلة الاقتصادية وتحرير الاقتصاد من الدولة وتقليل الأعباء الاجتماعية عنها. بالإضافة للضغط الأمريكى المعروف من خلال فرض السياسات النيوليبرالية على دول مثل مصر. وهكذا تم تعيين أغلب المديرين على نفس الشاكلة مما سبب وجود نعرات طبقية حادة داخل المكتبة اتضحت معالمها منذ قيام الثورة فى الخامس والعشرين وقيام الثورة داخل المكتبة فى أكتوبر الماضى؛ حيث لم يستطع الكثير من المديرين عدم التفوه بنعت الثوار بأنهم من الواغش وأن القائمين على الحركة الثورية من العاملين والفنين فى المكتبة. ومن هنا نستطيع القيام بربط واضح بين النظام الداخلى فى مكتبة الإسكندرية والنظام فى مصر وعلاقته بالنظام الدولى. فمدير المكتبة والمكتبة ذاتها كمؤسسة تتبنى نفس النهج الاقتصادى المتمثل فى سياسات البنك الدولى ونفس النهج العام لتوجه النظام السياسى بقيادة مبارك وأعوانه.

 

بل إننا يمكننا ربط نظام وسياسات المكتبة بما هو أكثر من ذلك حتى نستطيع الكشف عن شبكة المصالح الاقتصادية والمعرفية والسياسية التى جمعت أعضاء نظام مبارك ببعضهم البعض. ففى 2004 بدأ العمل على تدشين مؤتمر الإصلاح العربى. وهى نفس الفترة التى كان النظام يعمل فيها على تمكين الوريث جمال مبارك، بل لم يكن النظام المصرى فقط بل أغلب النظم العربية التى كانت ماضية قدما فى مثل نفس المشروع أو النظم التى نجحت بالفعل وهى تريد الآن ترسيخ وضعها. وكان الغرض الرئيسى هو إعداد كوادر شابة من كثير من بلدان المنطقة حتى تكون طليعة هذه النظم وتتبنى وتدافع عن سياساتها. ولم يكن مصادفة أن أغلب ــ إن لم يكن 99% ــ من الشباب المصرى المدعو لهذا المؤتمر هم طليعة الحزب الوطنى. وليس مصادفة أن يكون أبرز وأهم الوجوه القائمة على هذا المؤتمر هو د. على الدين هلال الذى كان يقوم بالتنظير للنظام السابق ووريثه وإعداد كوادره بالإضافة إلى الوجه الأكثر أناقة فى الحزب الوطنى د. حسام بدراوى. ومن هنا يتضح لنا كيف كانت المكتبة أحد أهم أركان النظام فى ممارسة ما يسمى بقوته الناعمة بل وأيضا الصلبة من حيث علاقات الاقتصاد والمصالح وذلك حتى يكتمل للنظام مقومات الهيمنة والإخضاع بوسائل مختلفة. وليس مصادفة أيضًا أن تقوم شركة ميدى كير للخدمات والتأمين الصحى على التأمين الصحى للموظفين وهى الشركة المملوكة لحسام بدراوى! وهكذا تدريجيًا يتضح لنا شبكة من علاقات القوة تعمل من خلال تلك المؤسسة التى كان من المفترض أن تكون مركزًا للتطور الحضارى والاستقلالية ليست فقط الداخلية بل والعالمية أيضًا.

 

●●●

 

وبالتالى فإن التعامل مع ثورة المكتبة على أنها قضية فئوية وداخلية خاصة بموظفيها إنما يعكس خللا كبيرا فى التناول الاستراتيجى لها. فالثورة داخل المكتبة إنما هى ثورة ضد بنى القمع والقهر التى سادت وهيمنت على الحياة المصرية فى العقود الأخيرة. وهى أيضا ثورة على نمط متعسف من ممارسة السلطة لا يقل بشاعة عما مارسته الشرطة المصرية والذى دفع بجانب كبير من الجماهير للتمرد والانضمام للثورة المصرية. بل إن تركيبة السلطة ونمطها واحد على مستوى المنظومة ككل.

 

إن النظم السياسية فى عالمنا المعاصر صارت أكثر تعقيدا وشبكية. فالنظام إنما يقوم على مجموعة معينة مما يسمى بالنظم التابعة (sub-systems) التى تكون ملامحه النهائية وتتفاعل مع شبكات وعلاقات السلطة فى النظام العام لترسخ مجموعة معينة من القيم والمصالح الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. والنظر للنظم من خلال هياكل السلطة العليا المتجسدة فى منظومة مثل الرئاسة والدستور لا يمكننا من فهم منطق القوة والقدرة على قلب وتفكيك علاقاته، بل ويقود إلى فخ الاختزال الذى وقعت فيه الثورة المصرية فى بدايتها حينما قامت باختزال قضيتها فى جسد الملك (مبارك). ولذلك فالقضية فى المكتبة ليست ضد سراج الدين فقط وإنما ضد منظومة كاملة وشبكة قوية وراسخة من المصالح وعلاقات السلطة. وبالتالى على الثورة المصرية أن تعى أنها إذا أرادت تفكيك النظام السابق عليها العمل على تفكيك مؤسساته التابعة وعدم الاكتفاء بالعمل على المستويات العليا من هياكل السلطة. بل عليها إعطاء أولوية كبيرة لشن حرب الأماكن. فموقع استراتيجى مثل المكتبة لا يمكن أن يترك لقمة سائغة لفلول النظام السابق أو حتى لشخصيات تنتهج نفس النهج. فالمكتبة ليست فضاء ثقافيا منعزل على ذاته مثلما يظن البعض، بل تؤثر بشكل كبير فى دور مصر الدولى كما أن أحد أهم أدوارها هو إعادة إنتاج الأفراد وتشكيل وجدانهم وخريطتهم المعرفية وتطلعاتهم السياسية.

 

 إن تفوق الثوار فى هذه المعركة سيعكس تفوق الثورة المصرية بشكل عام فى حرب الأماكن، وخسارتها تعنى إمكانية واسعة للنظام لإعادة إنتاج نفسه بل وبنفس الوجوه.

على الرجال باحث سياسى
التعليقات