بين خطوط الثورة والإصلاح والانقلاب عن تداخل المقاربات والقوى - على الرجال - بوابة الشروق
الإثنين 2 يونيو 2025 6:28 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

بين خطوط الثورة والإصلاح والانقلاب عن تداخل المقاربات والقوى

نشر فى : الخميس 10 مايو 2012 - 11:20 ص | آخر تحديث : الخميس 10 مايو 2012 - 11:20 ص

إننا أمام عملية ثورية تتداخل معها عملية اصلاحية يحيط بهما انقلاب عسكرى. وتداخل هذه المقاربات هو السبب الرئيسى وراء تعقيد الوضع الراهن وتعثره. ويبدو أن كل جهة من الجهات الثلاث (الثوريون والاصلاحيون والعسكر) له منظوره الخاص للثورة كعملية كلية مستمرة أو مرفوضة بالكلية. ولم يصل أى منهم إلى مبتغاه ليحدد ويرسم شكل واستراتيجية الصراع السياسى، لذلك المشهد ضبابى.

 

فالعسكر أرادوا فقط قطع رأس الملك ــ أو الايهام بذلك ــ لتهدئة غضب الثورة أو اخمادها بما يسمح الحفاظ على النظام العام وتركيبة ونمط السلطة به، مما يتيح لهم السيطرة على مقاليد الحكم سواء بشكل مباشر أو غير مباشر وإعادة انتاج النظام القديم للحفاظ على مكتسباتهم الاقتصادية والاجتماعية. وربما ساندوا الثورة فى بدايتها لمضادة مشروع التوريث والحفاظ على الجمهورية. إلا أننا علينا أن نتساءل ماذا تعنى الجمهورية للعسكر؟

 

الإجابة ببساطة هى ديكتاتورية عسكرية. إن هذه الأجابة السريعة والبسيطة مستمدة من عمق التجربة التاريخية المصرية الحديثة. فبداية نشوب تلك الفكرة كانت مع أحمد عرابى. والقراءات الجديدة للتاريخ توضح أن العسكريين المحيطين بعرابى وعرابى شخصيا كانوا يطمحون لإنشاء تلك الديكتاتورية، بل وأحيانا كان يصل الأمر لاحتقار المدنين. وهذا الشكل أو التصور للنظام كان هو الوحيد القادر على إعطاء غطاء شرعى لوجودهم كأشخاص يمكن أن يستمروا فى الحديث باسم الجماهير ويوضع الجيش فوق كل الكيانات السياسية والاجتماعية الاخرى التى من ممكن أن تعبر عن الدولة والمجتمع. وكان ذلك السبب الرئيسى فى تراجع الكثير من النخب المدنية والدينية عن عرابى الذى لم يتورع فى إشهار سيفه فى اختلاف وجهات النظر.

 

وتكرر نفس الطموح والتصور عند الضباط الأحرار الذين كان أغلبهم ينتمون أو متأثرون بتنظيمات فاشية وسلطوية. ومن الأيام الأوائل للحركة المباركة ــ انقلاب 1952 الذى تحول لاحقا إلى ثورة ــ دار نقاش طويل بين الضباط الأحرار حول اتجهاين؛ الأول تحقيق ديكتاتورية عسكرية والثانى إنشاء ديمقراطية. إلا أن الجمهورية كانت تعنى لهم الخيار الأول. ومن هنا نستطيع فهم هذا القدر من عدم التجانس واختلاف الرؤى بين المجلس العسكرى والحركة الثورية فى الشارع المصرى. فالثورة كانت تريد استعادة الجمهورية على حد وصف د.هبة رءوف. ولكى نكون أكثر دقة يمكننا القول إن الثورة تهدف لبناء جمهورية جديدة على قواعد وأسس تواكب طموح الثورة وشبابها وليس فقط استعادتها. ويدور الصراع الحقيقى حول نمط السلطة وتجلياتها فى شكل الممارسات المختلفة. فالثوار مجمعين على رفض شديد للدولة البوليسية. وهم لم يقوموا بالثورة لإحلال تسلط الداخلية بتسلط العسكر. بل وهناك عداء شديد لنمط السلطة المعسكرة فى العموم. فالثورة قامت ضد بنى القمع والقهر المختلفة من السلطة الأبوية إلى هيمنة الأمن على السياسة والنواحى الاجتماعية المختلفة. وهما خاصيتان أصيلتان فى تركيبة السلطة المعسكرة. والمشروع الثورى يتجه نحو تفكيك تلك السلطة ــ فى المساحات المدنية ــ بخطوات متسارعة أحيانا ومرتبكة ومتعثرة أحيانا أخرى. والعسكر يعتقدون أنهم من خلال ذلك الانقلاب المتداخل مع الثورة يمكنهم إخضاع الجماهير مرة أخرى، وبهذا يتفوق الانقلاب على الحالة الثورية.

 

ويجب الأخذ فى الاعتبار أن الانقلاب هنا لا يعنى بالضرورة استمرارية العسكر فى الحكم المباشر على رأس الدولة. فهناك تغيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية على المستوى المصرى والعالمى يجعل هذا أمرا عسيرا للغاية. فتطور نظم الحكم وانماط الاقتصاد والانتاج جعلت السلطة لا ترتكز فقط فى جهاز الدولة ولكن داخل شبكات مصالح على مستوى داخلى وعالمى متجاوز للدول أحيانا. وارتبطت الانقلابات العسكرية فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى باحتلال نخبة عسكرية ما للدولة والالتصاق بها وبناء ما سمى برأسمالية الدولة. أما الآن فالأمر أكثر تركيبا. فجهاز الدولة مازال مهما وفعالا لأقصى درجة، إلا أنه أصبح عقدة فى شبكة معقدة ولم يصبح كل فى ذاته ولذاته. وبهذا نستطيع فهم حرص المجلس العسكرى على حكومة مثل الجنزورى التى ترسخ الدولة القديمة العميقة وتحافظ على نفس نخب وقيادات النظام السابق بالأخص فى الصف الثانى والثالث. وفى نفس الوقت نستيطع فهم عدم قفز المجلس العسكرى بالكلية على السلطة فى اشكل انقلاب خمسينى أو ستينى. فمصالح المجلس العسكرى مرتبطة بالدولة ومتجاوزة لها فى نفس الوقت ولا يوجد لدى المجلس مشروع سياسى يتطلب ترأسه للدولة مباشرة، ولكن توجد مصالح اقتصادية واجتماعية تتطلب توغله فى الدولة وجوده فوقها وخارجها لا على رأسها. فمثلما تطورت النظم وأنماط الحكم وحتى أنماط الثورات يجب أن نأخذ فى الاعتبار تطور الانقلابات.

 

***


أما الجانب الثورى المتمثل فى قطاعات واسعة من المجتمع كانت ومازالت تعنى شعار اسقاط النظام بالكلية وتهدف إلى إحداث تغيير جذرى فى منظومة السلطة بشكل موسع على جميع المستويات؛ فهى تطمح لتغيير نمط وتركيبة السلطة فى هياكلها العليا مثل الدولة إلى تفكيك السلطة الذكورية والأبوية فى المجتمع. فالثورة تحاول تغير العلاقة بين المؤسسات المختلفة فى المجتمع والدولة والأفراد وإعادة هيكلة البنى المختلفة المتحكمة فى العملية السياسية والثقافية والاجتماعية. وهى أيضا تسعى منذ اللحظة الأولى لتغيير ممارسات السلطة التى اتسمت بقدر كبير من الاخضاع والسيطرة من خلال العنف والقمع. وهذه القطاعات الثائرة لا تعترف بآليات الاصلاح القائمة على التدرج. والثورة تعنى لها عملية ممتدة وضخمة من التحول لا تنحصر فى 18 يوما وجسد الرئيس.

 

أما بالنسبة للإصلاحيين، فهم لم ينادوا بالثورة على أى حال من الأحوال، بل إن فكرة الثورة فى أدبياتهم المختلفة تعد شرا أحيانا. وهم لا يسعون لإحداث تغيير جذرى فى صلب البنية الاجتماعية والاقتصادية وأنماط السياسة والسلطة، لأنهم فى حقيقية الأمر ليس لديهم مشكلة كبرى معها. وإنما تدور رؤيتهم حول أهمية إحداث بعض الاصلاحات وتقليل حدة العنف والقهر وتحسين نسبى فى الاوضاع الاقتصادية لا فى علاقات الانتاج ونمطه. وهم شاركوا فى الثورة لأنها مثلت لهم فرصة للتخلص من أفراد النظام السياسى الذين يمثلون عقبة رئيسية فى وصولهم للحكم من خلال آليات ديمقراطية. فالثورة عندهم انتهت بنهاية الرئيس السابق. والعمليات الاصلاحية ليست متعارضة على طول الخط مع العملية الانقلابية والثورية. فالانقلاب يريد الحفاظ على مؤسسات الدولة كما هى لحفظ توغلاتهم ومصالحهم، والعملية الاصلاحية تريد الحفاظ على المؤسسات لتورثها ولكن مع تعديلات طفيفية. والثورة تقوم بإزاحة بعض العقبات فى طريق العملية الاصلاحية بقوة وبسرعة لا تتثنى للنمط الاصلاحى.

 

أما الثورة فهى تهدف إلى التحول فى بنية المؤسسات والسلطة بشكل موسع ولذلك هى لا تتواصل مع الانقلاب وتقف مع الاصلاح فقط فى مواجهة الخوف من الانقلاب الكلى المعسكر.

 

***

 

ولاشك أن مصير مصر فى الوقت الراهن وتحسن الاوضاع مرهون بتفوق إحدى هذه المقاربات على الأخرى أو مجموعة من التسويات السياسية والاجتماعية. فمن الممكن أن ينجح الاصلاح والثورة فى إيقاف توغل العسكر وإعادتهم للحدود جدران المؤسسة العسكرية. ومن الممكن أيضا ان ينجح الانقلاب والاصلاح فى خلق مساحات أكثر حرية فى المجال السياسى وتقليل توحش النظام العام نسبيا فى مواجهة التغيير الجذرى ومن ثم الحفاظ على نفس شبكة المصالح الاقتصادية والترتيب الاجتماعى.  

على الرجال باحث سياسى
التعليقات