وحيد حامد و(تزوير) علاقة الدين بالسياسة - ابراهيم البيومى غانم - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 2:03 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وحيد حامد و(تزوير) علاقة الدين بالسياسة

نشر فى : الأحد 10 أكتوبر 2010 - 4:07 م | آخر تحديث : الأحد 10 أكتوبر 2010 - 4:07 م

 ليس من حق منتقدى الأستاذ وحيد حامد أن ينكروا عليه إدراكه الخاص لانفصال الدين عموما والإسلام خصوصا عن السياسة. ولكن أعتقد أن من واجبه هو أن يستمع ويحترم الآخرين الذين لهم وجهة نظر مختلفة تؤكد ارتباط السياسة بالإسلام تحديدا، وتشدد على أنه نظام شامل ومنهج حياة، وهى صلب دعوى الإخوان ومؤسس جماعتهم. ومن واجبه أيضا ألا يترك لأيديولوجيته الخاصة أن تتحكم فى وقائع التاريخ، ولا أن يعطى لنفسه الحق فى تغييرها أو اختلاق شىء منها.

ولكن ما حدث هو أن الأستاذ وحيد من أول المسلسل إلى حلقته الأخيرة ترك العنان لقناعته الخاصة بانفصال علاقة الإسلام عن السياسة، كى تهيمن على مجريات حياة الشيخ، وتحكم بالإدانة والتبشيع على الشيخ والإخوان لأنهم يخلطون ــ من وجهة نظره ــ الدين بالسياسة، ولهذا أظهرهم فى المسلسل وكأنهم فى أغلب الأحوال يرتكبون عملا مؤثما كونهم يهتمون بشئون السياسة والحكم ويدلون برأيهم فيها، ويعلنون مواقفهم منها. ولسنا نجادل الأستاذ هنا فى خطأ أو صواب اعتقاده بانفصال الإسلام عن السياسة والحكم. فهذا اختيار فكرى وموقف معرفى/ نظرى، وليس هنا مجال مناقشته أو تفنيده.

ما نناقشه هو اتهام الأستاذ وحيد للشيخ وجماعته بأنهم يسعون لإقامة دولة دينية، ثيوقراطية، أو استبدادية، وأنهم ضد الدولة المدنية بل ومعادون لها، والإتيان بهذه التهمة على لسان النحاس باشا صراحة (أحمد راتب فى الحلقة رقم 18 من المسلسل). وهذه التهمة لا أساس لها من أفكار الشيخ، ولا من أفعال الجماعة. بل إن كل الوثائق الفكرية للرجل، والممارسات العملية للجماعة كانت ضد مثل هذا التوجه على طول الخط.

البنا فى وثائقه الفكرية هو الذى قال: «إن الإسلام قرر سلطة الأمة، وأكدها»، وأن من واجب الشعب مراقبة تصرفات الحكومة ومناقشتها الحساب، وأن على الحكومة أن تعمل لمصلحة الشعب، وتحترم الرأى العام، وأن «الأمة مصدر السيادة، وصاحبة السلطة» (مقالات ورسائل عديدة للبنا، منها مثلا: مقاله بالجريدة الأسبوعية سنة 1936، وأعيد نشره بنصه فى عدد 2 أبريل سنة 1946، ورسالة «إلى الطلاب» سنة 1939، مجموعة الرسائل ص313 ــ 315). وهو الذى قال وكرر القول: «إن رجال الإسلام فى كل عصر من عصوره إلى الآن لم يدعوا لأنفسهم سلطة أكثر مما يؤهلهم علمهم، ولم ينازعوا الأمر أهله بعضا من الأيام.. فأين هذا من سلطان الإكليروس فى أوروبا، وما أدعوه لأنفسهم من سلطان على قلوب الناس وحياة الناس الدنيوية والأخروية» (مجلة التعارف العدد 4 ــ9/3/1940).

وهو الذى قال: «إن رجال الدين غير الدين نفسه» (رسالة نحو النور، ص86). وأن قواعد نظام الحكم الإسلامى ثلاثة هى: مسئولية الحاكم، واحترام إرادة الأمة لأنها مصدر السلطة، ووحدة الأمة. وأعلن موقفه وموقف جماعته من النظام النيابى الدستورى بعبارات واضحة، ومنها «إن نظام الحكم النيابى الدستورى أقرب نظم الحكم القائمة فى العالم كله إلى الإسلام، ونحن نسلم بالمبادئ الأساسية للحكم النيابى الدستورى باعتبارها متفقة بل مستمدة من نظام الإسلام» (رسالة المؤتمر الخامس، ص192، 193). وهو الذى أدان الخلافة العثمانية لأنها لم تكن شرعية بالمعنى الكامل «فكثير من الشروط كان مفقودا فيها..» (مجلة النذير عدد 4 السنة الثانية 22 محرم 1358هـ).


وبناء على هذه الرؤية أعلن «قبول الإخوان لدستور 1923، وأن القواعد الأساسية له لا تتنافى مع الإسلام»، ولكن فيه بعض الغموض، وركز نقده على المفارقة بين نصوصه والممارسات الحزبية المتهرئة فى ذلك الحين. (مقاله بمجلة النذير، بعنوان «القرآن والدستور»، عدد 31 السنة الأولى 11 من ذى الحجة 1357).

لم يلتفت مبدعنا وحيد حامد إلى شىء مما ذكرناه، وأصر إصرارا غريبا على اتهام الشيخ بأنه داعية دولة دينية «ثيوقراطية». وراح يبحث عن أدلة على صحة اختياره الأيديولوجى هو أى وحيد حامد الذى يفصل الإسلام عن السياسة وشئون الحكم، وهنا خرج مرة أخرى على منطق الدراما ووظيفتها التنويرية. فهو قد راح يؤكد عبر كثير من تفاصيل المسلسل أن الإخوان تحولوا فى أواخر الثلاثينيات من «جماعة دينية إلى جماعة سياسية واقتصادية لها طموح فى الحكم». ولكن هذه الدعوى غير صحيحة، ليس فقط لأنها مخالفة لوقائع التاريخ كما سنوضح، وإنما أيضا لأنها مخالفة لأصل الرؤية التى انطلق منها الشيخ البنا عن «الإسلام الشامل» الذى لا فصل فيه بين دين وساسة، أو مصحف وسيف، أو اقتصاد ومجتمع.

وعندما يقوم وحيد حامد بإدانة اقتناع الجماعة ومؤسسها بشمولية الإسلام وارتباط السياسة به، فإنما هو يقيم من نفسه ليس معارضا لأفعالهم فقط، وإنما وصيا فكرى عليهم، وحارسا لرؤية العلمانية لعلاقة الإسلام بالسياسة مثل حراس الكهنوت الكنسى القديم. وهو قد فعل هذا وذاك، واضطرته هذه المهمة التى ليست له إلى أن يغير بعض حقائق التاريخ، أو يصورها فى غير صورتها. وكان أهم أخطائه فى هذه النقطة أنه تصور وجود مرحلتين فى تاريخ الشيخ وجماعته:

مرحلة الجماعة الدينية، ومرحلة الجماعة السياسية. بينما وقائع التاريخ، وأصول الوثائق الفكرية للشيخ وجماعته تؤكد أن رؤية الإسلام الشاملة للدولة والمجتمع كانت واضحة منذ البداية الأولى لتأسيسه الجماعة، بل إنه ما فكر فى تأسيسها إلا لأن الفهم الجزئى للإسلام لم يعجبه ولم يقتنع به!، وظلت معه إلى آخر نفس. ولم يراجع نفسه فى أواخر حياته إلا فى جدوى الجمع بين ممارسة الدعوة وممارسة السياسة فى كيان تنظيمى واحد. وحتى هذه المراجعة أظهرها المسلسل بصورة خاطئة، عندما صور الشيخ وكأنه يندم على فهمه الشامل للإسلام، مرددا فى الحلقة الأخيرة «ولذلك خلق الله الندم».

ونحن مع المؤلف فى أن الشيخ قام بالمراجعة، وهذه حقيقة تاريخية لا يمكن إنكارها، ولكنها كانت فى جوهرها مراجعة وظيفية وليست معرفية. كانت حركية تنظيمية وليست أصولية عقائدية، وقد توقفت بموت البنا، وفشلت جماعة الإخوان المصرية فى القيام بها منذ ذلك الحين إلى اليوم كى تميز مهمة القيام بالمشاركة السياسية، عن أداء مهمة الدعوة الإسلامية.

لم تبدأ جماعة الإخوان دينية ثم تحولت سياسية طامحة للحكم كما يصورها المسلسل، بل كانت من يومها الأول جماعة شاملة، تعمل فى السياسة بمعناها الواسع الذى يتجاوز مجرد التنافس الحزبى على السلطة، مثلما كانت تعمل فى الدعوة والإصلاح الاجتماعى، وكان التدرج سمة أساسية من سمات منهجها الحركى، فانتقلت من الدعوة والتعريف بفهمها للإسلام، إلى جمع الأنصار وتكوين الكوادر، إلى خوض معارك الإصلاح والتغيير، بما فيها المعارك الحزبية والانتخابية. والقول بغير ذلك يساوى القول بأن الطفل حديث الولادة يجب أن يعدو فور ولادته، أو ما يساوى القول إن الجماعة فى سنة 1928، أو 1930 مثلا كان عليها أن تنظم المظاهرات، وتخوض الانتخابات، وتواجه قوات الاحتلال الإنجليزى، وتعارض الملك، مثلما فعلت هذا وأكثر منه بعد ذلك بدءا من أواخر الثلاثينيات وهذا ما لا يقول به أحد.

وفى نظرنا أن الجماعة ارتكبت خطأ تاريخيا بإصرارها منذ بداية تكوينها على أنها لا تسعى إلى السلطة، ولا تتطلع للمشاركة فى الحكم، وكأن مثل هذا المسعى سبة أو تهمة، ولا تزال سادرة فى هذا الخطأ إلى اليوم، بينما هى منشغلة بقضايا الإصلاح السياسى والتغيير، تدفعه للأمام حينا وللخلف أحيانا، الأمر الذى سهل على خصومها اتهامها باستمرار بأنها تظهر غير ما تبطن، وتستغل الدعوة الدينية لتحقيق مآرب سياسية.

لو رجع الأستاذ وحيد حامد إلى سجلات التاريخ سيجد أن للجماعة نظاما أساسيا/ قانونا صدر سنة 1931، وفيه رؤية واضحة لشمول الإسلام للسياسة والحكم وجميع شئون الحياة، وأنها عقدت أربعة مؤتمرات عامة من سنة 1933إلى سنة 1936، بمعدل مؤتمر كل سنة، وكانت منتظمة بينما كان الوفد أكبر الأحزاب عاجزا عن عقد مؤتمره العام بشكل دورى. وسيجد فى محاضر تلك الاجتماعات قرارات إنشاء شركات اقتصادية وإعلامية، ومشروعات للخدمة الاجتماعية، ومناقشات مستفيضة لقضايا السياسة والحكم فى مصر، وقضايا العالم الإسلامى، وتحديد موقف واضح من الأحزاب السياسية، وتحديد وإعلان رؤية الجماعة من الأفكار القومية، والوطنية، والأخوة الإسلامية، وإعلان صريح برفض معاهدة سنة 1936 وإدانتها، والدعوة لإلغائها فى الوقت الذى كان حزب الوفد يسميها «معاهدة الشرف والاستقلال».

وسيجد مادة غزيرة تثبت أن الشيخ وجماعته أيدوا الثورة الفلسطينية الكبرى ابتداء من سنة 1936، وتقارير المخابرات البريطانية عن تلك الفترة تؤكد ذلك.

وسيجد الباحث الجاد أيضا سلسلة من المقالات كتبها الشيخ البنا آنذاك فى إصلاح السياسة التعليمية فى المدارس المدنية وفى الأزهر الشريف ومعاهده (جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية أعداد سنة 1935)، وسيجد مقالات أخرى طالب فيها بتوحيد نظام القضاء، وإلغاء المحاكم المختلطة والامتيازات الأجنبية.

وسيجد كل ذلك مسجلا ومنشورا فى أعداد جريدة «الإخوان المسلمون» الأسبوعية من عددها الأول بتاريخ 21 صفر1352هـ / 15 يونيو 1933م إلى عددها الأخير بتاريخ 12 رمضان 1357هـ/ 4 نوفمبر 1938م. وهى بالمناسبة محفوظة فى دار الكتب المصرية بكورنيش النيل).

ليس وحيد حامد هو أول من اخترع دعوى تحول الإخوان من جماعة دينية إلى جماعة سياسية جديدة، ولا حتى رفعت السعيد، ولا عبدالعظيم رمضان، ولا غيرهم من المؤرخين اليساريين، أو العلمانيين خصوم الشيخ وجماعته. فأول ورود صريح لهذه الدعوى جاء فى حوار نشرته مجلة المصور بتاريخ 2 مايو 1947 مع الشيخ حسن البنا، وقد فند الشيخ الدعوى بقوله إن الإخوان يرون العمل بالسياسة «أداء للواجب الوطنى الذى يفرضه الدين».

ثم ظهرت الدعوى نفسها بعد أقل من عامين من حوار المصور معه، وذلك فى نص المذكرة التى كتبها عبدالرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية ليبرر قرار الحاكم العسكرى بحل الجماعة فى ديسمبر 1984(المذكرة منشورة فى ملاحق الجزء الأول من كتاب: «محكمة الشعب»، (1954) إعداد كمال كيرة، طبعة شركة النيل، ب. ت. ص218). وتناقلتها أقلام المؤرخين والكتاب منذ ذلك الحين إلى اليوم.

اللافت للنظر أن تهمة التحول من جماعة دينية إلى جماعة سياسية ترددت بكثرة أيام البنا نفسه، ورد عليها الشيخ البنا بنفس القدر فى حينه، ولايزال كل فريق متمسكا برؤيته، ولم يتقدم الحوار حول هذه القضية خطوة واحدة إلى الأمام منذ ما قبل ثورة يوليو إلى اليوم. ومسلسل الجماعة أعاد إنتاج القضية من جديد دون أن يقدم حلا.

إن إصرار وحيد حامد فى مسلسله على مقولة تحول الإخوان من جماعة دينية إلى جماعة سياسية، هو عمل أيديولوجى بحت، ولا صلة له بالدراما ولا بحقائق التاريخ ووثائقه المنشورة، ولا بالرؤية الفكرية للجماعة ومؤسسها. وبذلك أعطى الأستاذ وحيد لخصومه من الإخوان والرعونة تغلب على بعضهم الفرصة لاتهامه بأن هدف المسلسل هو صناعة صورة انتهازية بشعة للشيخ وجماعته كى ينفر الجمهور منها (راجع مثلا حوار سراج الدين باشا مع الشيخ حسن البنا فى الحلقة رقم 23 من المسلسل، حيث يورد السيناريو على لسان البنا كلاما مختلقا يؤكد أن جماعته دينية وهم رجال دين وبس، وأن جماعته هى جماعة المسلمين، والخروج عليها هو خروج على الإسلام،..إلخ)، ومثل هذه الدعاوى ليس لها سند فكرى ولا تاريخى صحيح، وخطورتها على الأجيال الجديدة أنها دعاوى تؤدى لتشويه التاريخ، وتشتيت الفكر، ولا تسهم فى ترسيخ تقاليد قوية ومنطقية للحوار ومبادلة الحجة بالحجة.

وقع وحيد حامد أسيرا لإغواء «الدولة المدنية» بمعنى محدد يجعلها مرادفا للدولة «العلمانية» التى تفصل الدين عن السياسة. وراح يردد حجة من أوهى الحجج التى يرددها علمانيو أيامنا هذه تقول إن «السياسة تفسد الدين، والدين يفسد السياسة».

وهذا القول يثير أكثر من تساؤل فى أذهان كثير من الشباب مفاده: إذا كنا نتحدث تحديدا عن الإسلام، وإن صح أن السياسة تفسده، فكيف يصح فى الأذهان أنه يفسدها هو؟ وإذا كان الفساد كامنا فى سوء استخدام السياسيين للإسلام، فأين بالضبط يكمن الفساد القادم من جهة الإسلام؟! وبعيدا عن هذه المعضلة التى تكشف تهاوى هذه الحجة وتناقضها المنطقى، فقد اعتدى وحيد حامد على أصول الدراما التاريخية بهذه المناسبة وفى مناسبات أخرى سنذكرها عندما وضع هذه الحجة على لسان أناس لم ينطقوها، ولم تكن من مفردات ثقافتهم، ولا من قضايا أيامهم.

وضعها تارة على لسان النحاس باشا والوفديين عموما، باعتبار أنهم كانوا يتهمون البنا بأنه «ضد الدولة المدنية» (فى الحلقتين 17 و18 مثلا)، وتارة على لسان الشيخ طنطاوى جوهرى (الحلقة 18).

الصورة التى ظهر بها النحاس باشا وسراج الدين باشا فى المسلسل تبرهن على أن وحيد حامد قد خرج من ساحة الدراما التاريخية، إلى الدراما غير التاريخية، أو الاصطناعية التى يكون فيها للمؤلف الحق فى السير وراء خياله الفنى والإبداعى لتوصيل رسالته التى يدافع عنها، وليس لتقديم وقائع تاريخية تبدأ بقراءة الوثائق ولا تستبيح تجاوزها إلا لضرورات فنية بحتة.

فليس فى سيرة النحاس أو سراج الدين ما يشير إلى أنهما كانا أرعنين، فاقدى الأعصاب، أو مزدريين للآخرين كما صورهما وحيد فى الحلقة رقم 18 مثلا. وأغفل وحيد حامد أو إنه لم يعلم أن النحاس باشا كان يحترم البنا، قبل أن يراه، وأنه عندما زاره فى منزله بالإسكندرية فى صيف سنة 1936 بمناسبة مطالبة حكومة محمد توفيق نسيم باشا بأن تعنى بالتعليم الدينى فى المدارس المصرية، ظنه النحاس «أحد العمد» الذين يتألف منهم الوفد الذى زاره!. ثم كانت الزيارة الثانية فى فندق مينا هاوس بناء على طلب النحاس بمناسبة ترشح الشيخ للانتخابات فى الإسماعيلية سنة 1942، وقابله بكل احترام وتقدير كما تقول الصحف آنذاك.



وعندما أمر النحاس بإغلاق شعب الإخوان فى كل أنحاء البلاد ما عدا المركز العام تحت ضغط السفارة البريطانية، تذرع الإخوان بالصبر، ولم يمض أكثر من ثلاثة أشهر حتى راجع النحاس نفسه، وأرسل وفدا وزاريا من حكومته لزيارة المركز العام للإخوان، وحضر إلى دار الإخوان كل من: معالى فؤاد سراج الدين باشا وزير الزراعة، ومعالى عبدالحميد عبدالحق وزير الشئون الاجتماعية، ومعالى محمود سليمان غنام وزير التجارة، ومعالى أحمد حمزة وزير التموين، والأستاذ محمد صلاح الدين، سكرتير مجلس الوزراء، وتحدثوا بكلام طيب، وأعلنوا تأييدهم لفكرة الإخوان الإصلاحية، وبادلهم المرشد العام التحية، وعادت المياه لمجاريها، كما نقلت صحف ذلك الوقت ومنها (صحيفة الإخوان النصف شهرية بتاريخ 12 يونيو 1943م، وفيها أيضا نص كلمة الشيخ حسن البنا بمناسبة زيارة وزراء الوفد لدار الإخوان، ومما ورد فى كلمته تأكيده على شمول الإسلام للسياسة وغيرها، وخصائص منهج الجماعة التدريجى فى الإصلاح، وعدم تحزبهم لا للوفد ولا ضده، وترحيبه بتصفية الأجواء والخلافات مع الوفد...إلخ).

هل ثمة ضرورة فنية/ درامية لحذف مشهد زيارة رجال الوفد ووزرائه فى المسلسل للمركز العام للإخوان؟ أليس هذا مشهدا رائعا فى دلالته على انفتاح الوفد، وليبراليته، مثل دلالاته على احترامه لخصومه السياسيين؟. أليس فى إحياء مشهد كهذا عبر دراما الجماعة ما يسهم فى رأب الصدع الحاصل بين حزب حاكم وجماعة شعبية، أم أن هذا ليس من أهداف الدراما التاريخية؟!. وما هدفها إذن؟.

وحيد حامد وهو يدافع عن مفهومه للدولة المدنية استباح أيضا فى مسلسله تاريخ الشيخ طنطاوى الجوهرى وشوهه عندما وضع على لسانه مقولة أن «السياسة تفسد الدين والدين يفسد السياسة». وهو ما لا أثر له فى مؤلفات الشيخ طنطاوى، ولا فى سيرته، ولا فى أى بحث كتب عنه إلى اليوم.

اهتم المسلسل بإلصاق تلك المقولة للشيخ طنطاوى، بينما أهمل الأهم وهو أن الشيخ رحمه الله كان عضوا بالجماعة، وكان أكبر من الشيخ حسن البنا سنا وأكثر علما ومقاما لكنه بايعه، ورفض أن يتولى منصب المرشد العام عندما عرضه عليه البنا فى بدايات تأسيس الجماعة. وتولى رئاسة تحرير أول جريدة للإخوان هى «الجريدة الأسبوعية» مدة خمس سنوات، منذ عددها الأول فى 21 صفر 1352هـ إلى عددها رقم 21 من السنة الخامسة، وأغلقت بعد أن صدر العدد رقم 31 من السنة نفسها 1937. وكان الشيخ طنطاوى يلقب بـ«حكيم الإسلام»، وظل على رأيه إلى أن لقى وجه ربه وهو يدعو إلى إقامة الحكم الإسلامى على أساس الشورى، ويدعم أطروحات الشيخ البنا فى أن الإسلام دين وسياسة (انظر مقالات الشيخ طنطاوى الافتتاحية بجريدة الإخوان الأسبوعية ومقالاته فى صحف ومجلات أخرى منها مجلة المعرفة الجزء التاسع السنة الأولى/ 1932 بعنوان «الخلافة الإسلامية»، وفيها أكد أن الشورى أساس نشأة الخلافة، ويجب أن تظل الخلافة محكومة بها لا حاكمة عليها، وأن ما وقع من انحرافات فى تاريخ الخلافة إنما كان عقابا على ترك الشورى المنصوص عليها فى القرآن».

التعليقات