ثلاث مغالطات لدعم جمال مبارك - علاء الأسواني - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 10:19 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ثلاث مغالطات لدعم جمال مبارك

نشر فى : الثلاثاء 10 نوفمبر 2009 - 9:40 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 10 نوفمبر 2009 - 9:40 ص

 فى الأسبوع الماضى كتبت عن تأسيس الحملة المصرية ضد التوريث، التى تستهدف منع توريث بلادنا من الرئيس مبارك إلى ابنه جمال، لأن مصر ليست عزبة أو مزرعة دواجن مملوكة لأى شخص مهما يكن منصبه.

اشترك فى تأسيس هذه الحملة مثقفون وطنيون وأحزاب وهيئات من مختلف الاتجاهات السياسية والفكرية، قرروا جميعا أن يبذلوا كل جهدهم حتى ينتزع المصريون حقهم الطبيعى فى انتخاب الرئيس القادم للجمهورية عن طريق انتخابات محترمة.. وما أن ظهر المقال حتى انهمرت علىّ عشرات الخطابات من القراء، من داخل مصر وخارجها، كلهم يعلنون تأييدهم للحملة ضد التوريث ويسألون عن كيفية الاشتراك فيها.. وأنا أشكر القراء الأعزاء وأقدر حماسهم النبيل، وأطمئنهم أنه خلال أيام قليلة، سوف يصدر البيان التأسيسى للحملة وسيتم الإعلان عن كيفية الانضمام إليها.. نحن نتوقع النجاح الكامل لهذه الحملة بإذن الله، لكننا أيضا ندرك أن الطريق ليس سهلا.. فقد قام النظام المصرى بتشكيل تنظيم خاص من أجل التوريث، يضم صحفيين وسياسيين وإعلاميين وأساتذة قانون.. مهمتهم الوحيدة إعداد الشعب المصرى لتقبل فكرة التوريث.. هؤلاء الداعون إلى التوريث لا يحترمهم أحد لأنهم منافقون، خانوا أمانتهم المهنية والوطنية وفضلوا تحقيق مصالحهم الشخصية على مصلحة الوطن.. المروجون لجمال مبارك لا يملكون إلا مغالطات ثلاث، يعيدون فيها ويزيدون، تتلخص فيما يلى:

أولا: يقولون إن السيد جمال مبارك شاب مهذب متعلم جيدا ولا يوجد له بديل كمرشح للرئاسة فى الوقت الحالى.. كما أنه سيكون أول رئيس مدنى لمصر بعد الثورة وهذه خطوة نحو الديمقراطية. لماذا لا نوافق عليه إذن بشرط أن يتعهد بأن يحكم لفترتين رئاسيتين فقط؟!.

ونحن نقول معهم إن جمال مبارك شخص مهذب فعلا وقد نال قسطا جيدا من التعليم كما أنه يتحدث اللغة الإنجليزية بطلاقة.. لكننا لا نفهم ما علاقة ذلك برئاسة الجمهورية.؟.. هل يكفى أن يكون الإنسان مهذبا ومتعلما ليصبح رئيس الجمهورية.؟..

فى مصر مئات الآلاف من الأشخاص المهذبين الحاصلين على شهادات عليا الذين يجيدون الإنجليزية والفرنسية، فهل يصلحون جميعا للرئاسة.؟!.. أما كون جمال مبارك البديل الوحيد المتاح فهذا غير صحيح.. مصر لديها من الكفاءات والعقول ما يكفى عشر دول مجتمعة.. مع تسارع إيقاع التوريث بدأ المصريون يفكرون فى شخصيات كبيرة تصلح للرئاسة: أحمد زويل ومحمد البرادعى وعمرو موسى وهشام البسطويسى وزكريا عبدالعزيز وغيرهم كثيرون، كل هؤلاء أفضل بكثير من جمال مبارك لتولى الرئاسة: أما القول بأن جمال مبارك سيكون رئيسا مدنيا لمصر فيحمل مغالطة أخرى.. لأن الذى يحدد طبيعة النظام ليس مهنة الرئيس وإنما طريقة توليه للحكم.. هناك أنظمة عسكرية استبدادية تضع فى منصب الرئاسة شخصا مدنيا، كما حدث فى سوريا مع بشار الأسد.. وبالمقابل هناك أنظمة ديمقراطية ترك فيها العسكريون الخدمة ثم رشحوا أنفسهم فى انتخابات حرة وفازوا بمناصب الوزارة والرئاسة، مثل كولن باول فى الولايات المتحدة وشارل ديجول فى فرنسا.. إذا استولى جمال مبارك على رئاسة مصر فإن ذلك لن ينهى الحكم العسكرى القائم وإنما سيضيف إلينا مصيبة جديدة: سوف يقترن الاستبداد بالتوريث، ما الذى سيمنع جمال مبارك بعد ذلك من أن يمنح رئاسة مصر لابنه أو ابن أخيه.؟!. الذين يقولون إن جمال مبارك سيكتفى بفترتين رئاسيتين إنما يخدعون الرأى العام ولا يحترمون عقول الناس.. ما الذى سيلزم جمال مبارك بترك السلطة طائعا..؟. لقد تعهد الرئيس حسنى مبارك فى بداية توليه الحكم، بأن يكتفى بفترتين رئاسيتين ثم تراجع عن هذا التعهد وظل فى السلطة لمدة ثلاثين عاما متصلة.

ثانيا: يقولون إن المصريين لا تشغلهم قضية الديمقراطية كما أنهم غير مؤهلين لممارسة الديمقراطية بسبب وجود الأمية. ويؤكدون أنه إذا حدثت انتخابات حرة فان الإخوان المسلمين سيفوزون بالأغلبية ويتولون الحكم..

والحق أن مصر الآن تجتاحها الإضرابات والاحتجاجات بشكل لم يحدث منذ قيام الثورة عام 1952.. هذا التذمر الاجتماعى الشامل ينبئ بتغيير قادم لا محالة كما أنه ليس بعيدا أبدا عن الديمقراطية.. إن حركات الاحتجاج المتواصلة تعبر عن مطالبة المصريين بالعدالة التى لا يمكن أن تتحقق إلا بالإصلاح الديمقراطى.. أما القول بأن المصريين غير مؤهلين للديمقراطية فهو، بالإضافة إلى وقاحته، يكشف عن جهل معيب بتاريخ مصر.. فقد بدأت التجربة الديمقراطية فى مصر قبل دول أوروبية عديدة، حدث ذلك فى عام 1866 عندما أنشأ الخديو إسماعيل أول مجلس لشورى النواب كان فى البداية استشاريا وسرعان ما ناضل أعضاؤه حتى انتزعوا صلاحيات حقيقية.. ومنذ عام 1882 وحتى عام 1952 ناضل المصريون وقدموا آلاف الشهداء من أجل هدفين: الاستقلال والدستور.. أى أن تحرير مصر من الاحتلال البريطانى ارتبط دائما فى وجدان المصريين بإقامة الديمقراطية.. إن الديمقراطية معناها المساواة والعدل والحرية.. وكل هذه حقوق إنسانية أساسية لا يمكن أن يستحقها شعب دون آخر. أما التذرع بوجود الأمية لمنع الديمقراطية فمردود عليه بأن نسبة الأمية فى الهند لم تمنع قيام ديمقراطية عظيمة صنعت دولة كبرى فى سنوات قليلة. ونسبة الأمية قبل الثورة لم تمنع حزب الوفد من الفوز الساحق فى أية انتخابات نزيهة.. وقد كان الفلاحون المصريون الأميون يصوتون دائما لصالح الوفد ضد ملاك الأراضى من أعضاء حزب الأحرار الدستوريين.. إن الإنسان لا يحتاج إلى دكتوراه فى القانون ليعرف أن الحكم فى بلاده ظالم وفاسد، بل إن إحساس بسطاء الناس كثيرا ما يكون أقرب إلى الحقيقة من نظريات المثقفين ومناقشاتهم المطولة. على كل حال ففى مصر أكثر من أربعين مليون متعلم وهذا عدد كاف جدا لإنجاح التجربة الديمقراطية. أما الإخوان المسلمين فقد قام النظام المصرى بتضخيم دورهم وتأثيرهم حتى يستعملهم كفزاعة يخيف بها الدول الغربية حتى توافق على الاستبداد والتوريث.. الإخوان المسلمين، بحساب العدد والتأثير، لايمكن أن يفوزوا بالأغلبية فى أية انتخابات نزيهة يقبل الناخبون عليها.. وحتى لو افترضنا فوزهم..؟ أليس هذا اختيار المصريين الحر ويجب علينا أن نحترمه إذا كنا ديمقراطيين حقا..؟ مهما تكن درجة اختلافنا مع الإخوان المسلمين، أليسوا فى النهاية مواطنين مصريين من حقهم أن يفوزوا بالانتخابات ويشاركوا فى الحكم ماداموا يحترمون قواعد الديمقراطية..؟ إن الإصلاح الديمقراطى، وحده، هو الكفيل بالقضاء على التطرف الدينى.. أما فى دولة الاستبداد، حتى لو تم قمع الحركات المتطرفة وسحقها فإن بواعث التطرف تظل كامنة تحت السطح تنتظر أول فرصة لتنطلق من جديد.

أخيرا يتساءلون.. لماذا كل هذا الهجوم على جمال مبارك.؟. أليس مواطنا مصريا من حقه أن يتقدم بالترشيح لرئاسة الجمهورية.؟. والإجابة من حق جمال مبارك أن يترشح للرئاسة فقط عندما يكون هناك نظام ديمقراطى يساوى بين جميع المرشحين فى الفرص.. عندما يتم إلغاء قانون الطوارئ وإطلاق الحريات العامة وتعديل الدستور بحيث يسمح بتنافس شريف على الرئاسة، عندما تتم انتخابات نزيهة تحت إشراف قضائى كامل ومستقل ورقابة دولية محايدة، بدون تدخل من الشرطة ولا بلطجة ولا تزوير.. عندئذ فقط يكون من حق جمال مبارك أن يترشح للرئاسة.. أما ترشيحه فى ظل آلة القمع والتزوير القائمة الآن، فسوف يكرر نفس المسرحية البائسة السخيفة.. سيرشح جمال مبارك نفسه عن الحزب الوطنى وتقوم السلطة بتحريك بعض الكومبارس من الأحزاب الوهمية المصنوعة فى أمن الدولة ثم يتم تزوير الانتخابات.. إن فوز جمال مبارك بهذه الطريقة سيكون اغتصابا لرئاسة الجمهورية بطريقة غير شرعية أو قانونية.

إن مصر الآن فى مفترق الطرق، بكل معنى الكلمة، ولسوف ينتزع المصريون بإذن الله حقهم فى العدل والحرية.. حتى يعيشوا فى بلدهم كمواطنين محترمين. يختارون، بإرادتهم الحرة المستقلة، الشخص الذى يصلح لرئاسة مصر.

الديمقراطية هى الحل.

العنوان الإلكترونى
Dralaa57@yahoo.com

علاء الأسواني طبيب أسنان وأديب مصري ، من أشهر أعماله رواية عمارة يعقوبيان التي حققت نجاحا مذهلا وترجمت إلى العديد من اللغات وتحولت إلى فيلم سينمائي ومسلسل تليفزيوني ، إضافة إلى شيكاجو ونيران صديقة ، وهو أول مصري يحصل على جائزة برونو كرايسكي التي فاز بها من قبله الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا ، كما أنه صاحب العديد من المساهمات الصحفية.
التعليقات