الديمقراطية الغائبة وحكومات الدول فى عهد الدعوة المحمدية - رجائي عطية - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 9:41 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الديمقراطية الغائبة وحكومات الدول فى عهد الدعوة المحمدية

نشر فى : الأربعاء 11 أغسطس 2021 - 8:00 م | آخر تحديث : الأربعاء 11 أغسطس 2021 - 8:00 م


يُقصد بتلك الحكومات، حكومات الأمم التى يصح أن تُسمى دولا فى عهد الدولة المحمدية، وهى: دولة الفرس، ودولة الروم، ودولة الحبشة.
ولم تكن أى دولة من هذه الدول تأسست بنظام ديمقراطى.
فالدولة الفارسية كان يحكمها ملك الملوك أو «شاهنشاه» يساعده القضاة وولاة الأحكام من الموابذة (من قضاة أو حكام المجوس) أو كبار الكهنة المجوس، ويتحرى الشاهنشاه فى اختيار رؤساء المناصب النسب والحسب وكانت الفواصل بين الطبقات على أشدها.
أما دولة الروم الشرقية، التى بلغت أوجها فى القرن السادس الميلادى، فكانت مضرب المثل فى الحكم المطلق، لدرجة أن مَن أرادوا تعييب معاوية بن أبى سفيان فيما فعله لتوريث الخلافة لابنه يزيد، عايروه بأنه يريد أن يجعلها «هرقلية». وكان قسطنطين قد ألغى مناصب وكلاء الشعب المعروفين باسم «التربيون»، وهم أناس ينوبون عن القبائل ويُنْسبون إليها من كلمة «ترايب» Tribe أى القبيلة. ولما جاء «جستنيان» جمع القوانين فى المجموعة المعروفة باسمه وأبطل سلطان مجلس الشيوخ، واستقرت أوضاع الطبقات على ما بينها من فروق، وأكثرها مزايا وإعفاءات الطبقة العليا، ثم طبقات الملاك أصحاب الأرض وطبقة القادة والجند، ثم طبقة العامة من الزراع.
وكانت الحبشة، وعلى ما هى عليه وقت تأليف كتاب العقاد عن الديمقراطية فى الإسلام ـ كانت عشائر يحكمها أمراؤها على رأسهم النجاشى ملك الملوك أو الإمبراطور (كما كان هيلاسلاسى) تشبها بالشاهنشاه الفارسى، وكان النجاشى ومَن حوله على اليهودية. متخذين من الشريعة الموسوية قانونا للجزاء والمعاملة، ثم دان الحاكمون بالمسيحية فى أوائل القرن الرابع الميلادى قبل قرنين من البعثة المحمدية، وبقى القضاء موسويا بينما جرت مراسم العبادة فى الهياكل وفقا للمسيحية مع بعض التحريف الذى تسرب من بقايا الوثنية، وتعددت من ثم المراجع فى شئون الحكم ما بين الحاكم والحكيم والكاهن والرئيس، وعلى بعض التفصيلات التى ذكرها الأستاذ العقاد.
وقد روى المسلمون الذين هاجروا إلى الحبشة على عهد النبى محمد عليه الصلاة والسلام، كثيرا من أعمال السحرة والعرافين بالحبشة، وذكر الأستاذ العقاد أن الحكم ظل معتمدا عليهم فى مراجع الحكومة إلى زمن قريب حتى عصرنا الحاضر، ومجمل القول فى نظام الحكم فى الحبشة أنه كان تابعا لصلاح أو طغيان أفراد الحاكمين، فإذا طغوا كانت الحكومة مستبدة، والعكس إذا عدلوا وأنصفوا.
وكانت مصر من أشهر البلاد فى أيام الدعوة المحمدية، ولم تكن حكومتها لأهلها فى تلك الفترة، وكان يقال عن حكومتها ما يقال عن الروم أو الفرس تبعا لتغير أحوالها.
الإسلام
والديمقراطية الإنسانية
يخلص الأستاذ العقاد من واقع ما تقدم، إلى أن شريعة الإسلام كانت أسبق الشرائع إلى تقرير الديمقراطية الإنسانية، ويعنى بها الديمقراطية التى يكسبها الإنسان لأنها حق له ـ يخوله أن يختار حكومته، وليست حيلة من حيل الحكم لاتقاء شر أو حسم فتنة.
وتقوم الديمقراطية الإسلامية بهذه الصفة ـ فيما يرى ـ على أربعة أسس لا تقوم أى ديمقراطية إلاَّ بها، وهى (1) المسئولية الفردية و(2) عموم الحقوق وتساويها بين الناس و(3) وجوب الشورى على ولاة الأمور و(4) التضامن بين الرعية على اختلاف الطوائف والطبقات.
وهذه الأسس كلها أظهر ما تكون فى القرآن الحكيم، وفى السنة النبوية، وفى المأثور عن عظماء الخلفاء.
المسئولية الفردية
فالمسئولية الفردية على نحو صريح وبآيات قرآنية متكررة، تحيط بأنواع هذه المسئولية الفردية من جميع الوجوه.
فلا يحاسب إنسان بذنب غيره، ولا بذنب آبائه وأجداده.
«وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى» (الأنعام 164)
ولا يحاسب الإنسان إلاَّ بعمله:
«وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى» (النجم 39)
«كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ» (المدثر 38)
ومن تفصيل هذه المسئولية فى السنة النبوية: «كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته: الإمام راعٍ ومسئول عن رعيته، والرجل راعٍ فى أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية فى بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راعٍ فى مال سيده ومسئول عن رعيته..» والخادم هنا تؤخذ بالمقصود العام لكل مستخدم فى عمل خاص أو عام، وفيما يكون تحت يده من أموال خاصة أو عامة، فهو فى كل ذلك راعٍ ومسئول عن رعيته المؤتمن عليها.
المساواة
أما عن المساواة بين الناس، فإن القرآن الحكيم صريح فى عموم الحقوق فى مساواة النسب ومساواة العمل:
«يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» (الحجرات 13)
وكلمة التقوى تشمل المسئوليات جميعا.
والأنساب لا تغنى عن الإنسان شيئا، لا فى الدنيا ولا فى الآخرة.
«فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءلُونَ» (المؤمنون 101)
وفى الأحاديث النبوية تفصيل لكل معنى من المعانى..
والنبى صلوات الله عليه هو القائل: إنه «لا فضل لعربى على أعجمى ولا لقرشى على حبشى إلاَّ بالتقوى».
وقد سمع عليه الصلاة والسلام أبا ذر الغفارى يقول: يا ابن السوداء. فغضب وقال: «طف الصاع. طف الصاع. ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلاَّ بالتقوى أو بعمل صالح...».
وقد وضحت التسوية بين الناس فى الدعوة من قوله تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّة لِّلنَّاسِ» (سبأ 28)... فليس الإسلام دعوة مقصورة على جنس من الأجناس ولا على عصبة السلالة، بل هذه العصبة كانت أبغض شىء إلى صاحب الدعوة كما قال فى كثير من الأحاديث.ِ
(3) الشورى
القرآن الحكيم صريح فى وجوب الحكم بالشورى، بل وأوجبه على النبى عليه الصلاة والسلام نفسه، وجوبا لا يدع لأحدٍ من بعده عذرا فـى الإعفـاء منه، فيقـول الحـكم العدل سبحانه وتعالى «وَأَمْرُهُمْ شُورَى» (الشورى 38)، ويقول آمرا نبيه عليه الصلاة والسلام: «وَشَاوِرْهُمْ فِى الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ» (آل عمران 159).
وفى السُّنة النبوية وقائع ثابتة شاور النبى عليه السلام فيها أصحابه، فى موضع النزول ببدر، وعلى الماء هناك، وفى تأبير النخيل، وفى تقرير الهجرة إلى الحبشة، والهجرة بعدها إلى يثرب.
(4) التضامن فى المسئولية
ومن تمام المسئولية الفردية ـ تكافل الأمة فى المسئولية العامة، فحق الفرد مرتبط بالمجموع، وللمجموع حقوق على الفرد، والمسئولية فى المسائل العامة مشتركة، تستطيع أن ترى ذلك بوضوح فى قوله تعالى: «وَاتَّقُواْ فِتْنَة لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّة» (الأنفال 25)، فالفتنة لن تقتصر آثارها الضارة على الذين ظلموا خاصة، وإنما سيعم ضررها على الجميع، ولذلك على كل فرد أن يدفع الشر جهد ما يستطيع، فلا تكليف خارج القدرة والاستطاعة، فلا يكلف الله نفسا إلاَّ وسعها، ولا يصاب المرؤ بضلال غيره ولا يحاسب عليه شرعا: «لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ» (المائدة 105).
* * *
وعلى هذه الأسس تقوم الديمقراطية فى أى بيئة، وهى واضحة أصيلة فى الإسلام قرآنا وسُنة.
وليس يهم ما تُعَرَّف به الحكومات من مصطلحات، إذ العبرة بالأسس والمقومات،
ومن ثم لا يغير من واقع الديمقراطية فى الإسلام أن هذا اللفظ لم يكن مصكوكا بحرفه عند المبعث، وأنه من مفرزات العصور الحديثة، فالثابت الذى لا مرية فيه أن كل مبادئ الديمقراطية حاضرة ثابتة بوضوح فى القرآن المجيد والسُّنة النبوية.
وفضل الديمقراطية الإنسانية على الديمقراطية عامة، أنها لم تُشرع إجابة لطلب أو خوفا أو اتقاء لغضب. بل إن هذه الديمقراطية شرعت وهى تغضب الأقوياء ولم يطلبها الضعفاء.
Email:rattia2@hotmail.com
www.ragai2009.com

التعليقات