ارحموا الأردن من مناهج التجهيل! - قضايا تعليمية - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 1:39 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ارحموا الأردن من مناهج التجهيل!

نشر فى : الثلاثاء 12 يناير 2016 - 10:40 م | آخر تحديث : السبت 16 يناير 2016 - 4:18 م
أناشد بتشكيل لجنة ملكية مستقلة لتشريح المناهج التى وضعتها وتضعها وزارة التربية والتعليم، بهدف تطهير منظومة التعليم من خراب الفكر الإقصائى والتطرف ورفض الآخر.

فهذه المفاهيم المرعبة المدسوسة فى المناهج تنغرس فى عقول صغارنا وتتغلغل فى أحشاء مجتمعنا، فى تناقض مع قيمه المبنية على الوسطية والاعتدال والانفتاح، قبل أن تتكشف مناسيب الغلو والتشدد بعد صعود نجم تنظيم «داعش» وأخواته.

لماذا نحتاج إلى هكذا لجنة؟
لأنه رغم سيل التصريحات الحكومية حول مراجعة المناهج خلال العام الماضى، ضمن استراتيجية أشمل بلورتها أجهزة الدولة لمواجهة مد الفكر الداعشى عسكريا وأيديولوجيا، فإن المناهج لا تزال محشوة بافتراءات وتوجهات خطيرة، تنذر بتدمير ما تبقى من الهوية الوطنية الجامعة والتنوع والتعددية، وتقوض أسس الدولة المدنية. وذلك لأن المراجعات الأخيرة ظلت شكلية ــ كسابقاتها على مدى ثلاثة عقود ــ ولم تفض إلى تعديلات جوهرية.
فمنهاج التربية الوطنية الجديد للصف الرابع، يؤسس لإقصاء مفهوم المساواة فى المواطنة المكفولة دستوريا بغض النظر عن الدين أو العرق أو اللون. ففى إحدى الفقرات (ص 25) ــ مثلا ــ تقرأ: «يدين سكان وطنى بالإسلام، وفيه يعيش المسلمون والمسيحيون متحابين». وفى منهاج التربية الدينية للصف العاشر شحنات مستمرة من العنف، وتربص يضمره مؤلفو الكتب تجاه شركاء فى الوطن، فقط لأنهم لا يؤدون شعائر الإسلام. والمنهاج ملىء بمفاهيم انتقائية من السنة، لا يجوز تلقينها للأطفال، مثل: القتال، المرتد، الجهاد، هدر الدماء.. إلخ. هذه المفاهيم ــ حسبما جادلت الأكاديمية زليخة أبو ريشة أخيرا ــ لا تؤدى إلى مجتمع متسامح أو إلى «إسلام سمح»، ما دام الطلبة يتعلمون أن عليهم رفع السيف على من لا يشاطرهم العقيدة.
***
أن تضم اللجنة متخصصين ومتخصصات فى علم تطوير المناهج، ووزراء عاملين وسابقين، ورجال دين مستنيرين وتقليديين، ومعلمين ومعلمات ومديرى مدارس حكومية وخاصة، وفنانين يمثلون مكونات المجتمع بتنوعه العرقى والدينى ومرجعياته السياسية. على أن تكلف بفحص المناهج ككل؛ وتحديدا مساقات اللغة العربية والتاريخ والتربية الوطنية والتربية الدينية من الصف الأول وحتى التوجيهى.
بهذا الفحص المعمق، ستنكشف للجميع كم المفاهيم المضللة والتجنى على الآخر، والتوجهات الخطيرة التى تفرض على 1.8 مليون طالب وطالبة، 451 ألفا منهم ينخرطون فى مدارس خاصة.
بعد تشخيص المرض، يتم رسم طريق العلاج، وتحديث المناهج يما يضمن أرضية شعبية تتقبل أسس بناء أردن المستقبل وفق الأطر التى حددها الملك عبدالله الثانى ضمن سلسلة أطروحات قبل عامين.
ترك مراجعة المناهج وتطويرها بيد الحكومة لم يعط نتيجة. فالحكومة هى الخصم والحكم فى الوقت ذاته. وستستمر فى «الطبطبة» وشراء الوقت. وستتصرف باندفاعية من خلال التشكيك بنوايا كل من ينتقد المناهج القديمة والمحدثة بالاتكاء على الأدلة والبراهين.
وزارة التربية والتعليم أيضا غير قادرة على تحديث المناهج لأسباب موضوعية، ولأن أول من سيعارض ذلك هو غالبية موظفى الوزارة ومن ورائهم جهاز البيروقراطية المحافظ والتقليدى.
خلال السنوات الماضية، نما فى الوزارة حلف غير معلن بين المحافظين الرسميين والمحافظين المدنيين، يتكاتف من أجل الإبقاء على المفاهيم التى زرعتها المناهج الحكومية قبل ان تتكشف أبعاد الفكر الداعشى وتأثيراته على قطاعات واسعة فى المجتمع. ويتجه مستنيرون لقرع جرس الإنذار، مستغلين موقف القصر المندد بهذا الفكر المتشدد.
خلال العقود الخمسة الماضية، ألغيت مناهج الأدب التى كانت تتحدث لغة الكون، وتحترم منطق التفاعل الإنسانى وحرية الفرد. وغيبت عنها أسس الفلسفة والفنون والمسرح والرسم والفكر النقدى. باتت صورة المرأة فى الكتب تركز على نمط واحد وزى واحد. وبذلك انقلبت رأسا على عقب جذور الانتماء والتفاعل مع الموروث الثقافى المعاصر، وتسيدت المشهد ثقافة جديدة تؤيد إقصاء الآخر المختلف نتيجة «الجندر» أو المعتقد أو الثقافة.
اليوم، يحصد الأردن ثمار ما زرعته وزارة التربية والتعليم فى مناهج تمجد الماضى ولا تنظر للمستقبل. تتجلى النظرة الماضوية فى استطلاعات الرأى والجدالات الرقمية عير الإنترنت، حيث تظهر أصوات انعزالية تحض على العنف واضطهاد الآخر.
***
تشكيل لجنة ملكية لتقصى المناهج الدراسية لا يقل أهمية عن الأسباب التى شجعت الملك على تشكيل لجان ملكية لتعديل الدستور ووضع منظومة النزاهة العامة. ولا توجد مصلحة لدى لجنة متعددة المشارب السياسية والفكرية والثقافية فى إخفاء الحقائق عن «غش» عقول النشء القائم فى مناهجنا التعليمية.
من دون الالتفات الجاد والسريع لما يحدث فى المناهج، سيستمر التحالف غير المعلن فى وزارة التربية والتعليم فى إصراره على منع تعليم أبنائنا وبناتنا قيما تنويرية قائمة على المواطنة واحترام التعددية والتنوع؛ الأسس التى ستنقلنا إلى دولة مدنية علمانية حداثية وديمقراطية. وستتعمق الفجوة الثقافية والقيمية بين أغلبية تخرجها مدارس الحكومة وأقلية محظوظة فى مدارس خاصة توفر خيار التعلم وفق مناهج وزارة التربية إلى جانب برامج وأنشطة تنمى الفكر النقدى والحس الفنى أو مساقات معتمدة فى الغرب ــ مثل البكالوريا الأميركى أو البريطانى ــ تستبدل كتب التربية بفرضيات المعرفة.
وتعمق الفجوة بين المحظوظين وغير المحظوظين يشجع الحقد الطبقى وكراهية الآخر المختلف.
فغالبية خريجى المدارس الخاصة تعرضوا لمناهج غربية تعتمد نظريات الانفتاح والفكر النقدى والعمل الفنى الإبداعى، مع أن ذلك لا يعنى بالضرورة أن جذور الانتماء والتفاعل مع الموروث الثقافى المعاصر قوية ومتينة. وبذلك تعيش بيننا أقلية بعيدة عن واقع حال غالبية المجتمع، تتمتع بحرية فردية أعلى وتتحول إلى شريحة مغتربة داخل الوطن تعمل فى مؤسسات القطاع الخاص التى قد تحمل فكرا مشابها، أو تهاجر إلى حيث تقدر على التعايش مع الواقع الاجتماعى وقيم العمل.
أما القادمون من المدارس الحكومية، فيرضون عموما بالوظائف التقليدية، وينخرطون فى المؤسسات التربوية الحكومية والخاصة التى تخدم المجتمع الأكبر، ولديهم لحمة مجتمعية أوثق بسبب ارتباطهم بالأسرة والحى. لكنهم لم يتعلموا فى مدارس تؤسس للشخصية المدنية، من خلال الفلسفة والفنون والفكر النقدى والتنويرى المستقى من الموروث العربى، سواء أكان مسيحيا أو مسلما، ما يحرمهم من ديناميكية الحركة فى بيئات مجتمعية وعمل مختلفة.
إشكالية هذه الفئة أنها تعيش فى أحياء تدار بثلاثية: القطب الأمنى البيروقراطى بعقلية شوفينية؛ وقطب الأسرة الممتدة؛ ونشطاء العمل الخيرى الاقتصادى الذى يديره أشخاص يحملون اتجاهات تخلط السياسة بالدين. فى هذه الأحياء، لا توجد فضاءات مدنية تؤسس لمسارح أو ورش فنية، باستثناء إمكانية الانفتاح على الآخر من خلال الهواتف الذكية وشبكات التواصل الاجتماعى. وهنا الصدمة؛ فإما الانكفاء أكثر بسبب عدم القدرة على التعامل مع من لا يشبههم، أو الانغماس فى التشدد رغبة فى الانتقام أو الشعور بالأمان.
***
وبذلك يستمر الصراع الحقيقى بين الخطاب المدنى العلمانى القائم على فصل الدين عن السياسة وتوفير الحد الأدنى من حقوق الإنسان، وبين خطاب يحمله تيار يتحدث باسم الأصالة والموروث الشعبى، مدعيا أنه يمتلك الإجابات عن جميع الأسئلة، ما يؤدى إلى مزيد من التطرف والتجهيل.
تلك الإشكالية قد تعالج أيضا من خلال مداولات لجنة ملكية لتحديث المنظومة التعليمية، بحيث تؤسس تدريجيا لأشكال متنوعة من التجارب التعليمية الغربية والعربية، بما يفرز جيلا بهوية أكثر أصالة، قادرا على التعاطى مع متطلبات العيش فى عالم القرن الواحد والعشرين.
والأمل أن تضعنا هذه اللجنة على مسار مستقبلى يعزز هويتنا الجامعة التى كانت بارزة حتى مطلع ثمانينيات القرن الماضى، بحيث تجمع بين أصول الدين الإسلامى والأصالة العربية والتنوير، كما تصون كرامة الناس، وتعزز التجانس وتقوى الإرادة المجتمعية وحب الوطن والانتماء. فالمثل الشعبى يقول: «اللى ما إله قديم ما إله جديد».
ولنتذكر بأن الأردن الحديث بنى على مفاهيم جلبها أجدادنا وآباؤنا المؤسسون، مسلمين ومسيحيين من عشائر الوطن، فلاحى الأرياف، فلسطينيين، شيشان وشركس وأرمن وشوام (من سوريا ولبنان) وحجازيين، ومصريين وعراقيين لجأوا للمملكة من العنف والبطش فى بلادهم على مدى عقود. وقتها كان الدين لله والوطن للجميع. وكانت قوتنا فى تعدديتنا واحترامنا للآخر ولحرية الرأى والمعتقد والموروث. أعيدونا إلى تلك الأيام عندما كانت الأخلاق سيدة المشهد، ولم يكن الدين أو العرق عامل تفرقة بسبب قوة البوتقة الثقافية والاجتماعية التى صهرت الجميع؛ متدينين أو غير متدينين، سافرات أو مرتديات الحجاب من دون أن يكفرهم أحد أو يجبرهم على اتباع أحد الاديان أو ارتداء ملابس معينة.
لنحدث منظومتنا التعليمية قبل فوات الأوان. فالتربية والتعليم أساس بناء الدولة والمجتمع بعد أن نحدد مسار الدولة التى نريد؛ هل نصر على العيش فى التاريخ ونمجد الماضى، أم نعمل صوب مشروع نهضوى تدريجى يسير بنا صوب دولة مدنية تقبل بالتعددية والتنوع وتحترم حقوق المرأة والطفل؟
التعليقات