العلم والتكنولوجيا - محمد زهران - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 9:03 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العلم والتكنولوجيا

نشر فى : السبت 12 نوفمبر 2022 - 8:50 م | آخر تحديث : السبت 12 نوفمبر 2022 - 8:50 م

فى هذه الأيام يشهد العالم كله مؤتمر المناخ (COP27) المقام فى شرم الشيخ، اجتماع رؤساء وقادة العالم فى مكان واحد وفى وقت واحد لا يحدث إلا فى بعض جلسات الأمم المتحدة وفى الأحداث الجسام، هذه الأحداث الجسام عادة ما تكون سيئة، مؤتمر المناخ يقول لنا إننا أسأنا إلى الطبيعة ويجب أن نتدارك الأمر وإلا ردت علينا الطبيعة بما لا نرضى أو نحب أو نطيق. هذا يقودنا إلى مثلث العلم والتكنولوجيا والطبيعة والعلاقة بينهم. عنوان المقال لا يتضمن كلمة الطبيعة لأنها ليست فى أيدينا لكن العلم والتكنولوجيا فى أيدينا نحن الجنس البشرى الذى يعيش على هذا الكوكب ويعيث فيه فسادا بحجج كثيرة، فما هى القصة؟
لنبدأ بالعلم والطبيعة: العلم بدأ لتفسير الظواهر الطبيعية لتحقيق هدفين: اتقاء شر الطبيعة مثل الزلازل والعواصف والبراكين وتطويع الطبيعة لرفاهية البشر مثل توفير المأكل والملبس والسكن والترفيه إلخ، الكثير من الاكتشافات العلمية حدثت إما بالمصادفة فى أثناء عمل الباحث فى مشكلة بحثية مختلفة مثلما كان ويليام رونتجن يعمل على تطوير تصميم التليفزيون ووصل إلى اكتشاف ما يعرف الآن بأشعة إكس التى تستخدم فى القطاع الطبى، وإما عندما كان بنسى سبنسر يعمل فى مشروع متعلق بالرادار وانتهى به الأمر إلى اكتشاف فكرة المايكروويف، هناك الكثير من الأمثلة لكن هذا لا يعنى أن أغلب الاكتشاف تأتى بالمصادفة، الكثير من الاكتشافات تتحقق بالعمل الدءوب من الباحث أو مجموعة من الباحثين. إذا العلاقة بين العلم والطبيعة هى محاولة استكشاف وتطويع.
أما العلاقة بين العلم والتكنولوجيا فهى تدور حول «البيزنس»، العلم يكتشف نظرية ما أو عاملا ما، دور التكنولوجيا هو تحويل هذا الاكتشاف لشىء يحسن من حياة الناس، مثال على ذلك قوانين الفيزياء مثل قوانين الحركة والروافع والكهرومغناطيسية أدت إلى تكنولوجيا متمثلة فى الموتور والمولد الكهربى والإرسال اللاسلكى، الأمثلة من العلم إلى التكنولوجيا لا تعد ولا تحصى، هذا عن العلم فى خدمة التكنولوجيا. التكنولوجيا أيضا تستخدم فى خدمة العلم، التلسكوبات والميكروسكوبات وأجهزة الكمبيوتر إلخ هى أدوات تستخدم فى البحث العلمى، والبحث العلمى يؤدى إلى إيجاد تكنولوجيا جديدة، وتدور الدائرة.
التكنولوجيا تستخدم أيضا فى خدمة التكنولوجيا، إذا نظرت مثلا إلى السيارات ستجد الموتور وأجهزة التوجيه ونقل الحركة وجسم السيارة المصمم لتقليل مقاومة الهواء مع الحفاظ على وزن مناسب للسيارة، كل قطعة فى السيارة هى تكنولوجيا فى حد ذاتها وتركيب تلك القطع مع بعضها البعض يؤدى إلى ظهور تكنولوجيا جديدة وهى السيارة، انظر إلى تليفونك المحمول وكم التكنولوجيات الذى يحتويه من جهاز كمبيوتر إلى جهاز إرسال واستقبال إلى كاميرات إلخ. يجب أن نعلم أن الطريق من النظرية العلمية إلى التكنولوجيا ليس طريقا مستقيما لكنه ملىء بمطبات اقتصادية ومصاعب تكنولوجية للوصول إلى منتج أو خدمة لعدد كبير من الناس بسعر مناسب، قليل من العلماء ينجحون فى تجاوز هذا الطريق بنجاح. وليم شوكلى الحاصل على جائزة نوبل فى الفيزياء لاختراعه الترانزستر فشل فشلا كبيرا فى تحويل هذا الاختراع لشركة مربحة وكان من أسوأ المديرين حتى جاء روربرت نويز وجوردون مور وأنشأوا شركة فيرشايلد ثم شركة انتل.
نأتى الآن إلى العلاقة بين التكنولوجيا والطبيعة، العلاقة هنا غير متكافئة لأنه إذا غضبت الطبيعة لن تقف أمامها التكنولوجيا، وللأسف الجشع والفساد والحروب بين الدول أدت إلى ظهور تكنولوجيات همها جمع المال دون الاهتمام بالتأثيرات المدمرة لتلك التكنولوجيات على البيئة وعلى الصحة النفسية والبدنية للناس، مثلا هل شركات الأدوية الكبرى ستعطى الأولوية للأدوية التى يحتاجها عدد قليل من الأغنياء؟ أم تلك التى يحتاجها عدد كبير من الفقراء؟ هل شركات البترول ستكون مسرورة بتعميم استخدام العالم كله للطاقة النظيفة بدلا من الوقود الأحفورى؟ هل ترى المقاومة الشرسة لشركات الأسلحة فى أمريكا ضد قانون منع الأسلحة؟ الأسئلة تمتد إلى ما لا نهاية لأن استحداث تكنولوجيات جديدة فى يد رجال الأعمال الذين همهم سعر سهم شركاتهم والا فقدوا وظيفتهم.
ماذا نفعل بما تحدثنا عنه فى هذا المقال، الخطوة الأولى هو وضع التأثير على الطبيعة فى خطة تحويل العلم إلى تكنولوجيا أى معرفة ما إذا كانت تلك التكنولوجيا صديقة للبيئة أم لا، إذا لم نضع ذلك فى الاعتبار من البداية فسنصل إلى ما نحن فيه الآن من الاعتماد على الوقود الأحفورى العدو اللدود للبيئة لكن لا يمكننا الاستغناء عنه فى الوقت الحالى. ثانيا يجب على علماء الاجتماع والنفس مراقبة تأثير التكنولوجيات الجديدة على نفسية الأشخاص والمجتمعات.
لو ظل الربح هو الهدف الوحيد لن تظل الطبيعة مكتوفة الأيدى.

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات