«مصر المستقبل» والبحث عن «هوية اقتصادية» ترسم خريطة الأجيال المقبلة - محمد مكى - بوابة الشروق
الأحد 5 مايو 2024 4:57 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«مصر المستقبل» والبحث عن «هوية اقتصادية» ترسم خريطة الأجيال المقبلة

نشر فى : الجمعة 13 مارس 2015 - 9:55 ص | آخر تحديث : الجمعة 13 مارس 2015 - 10:17 ص

السماء لن تمطر ذهبا ولا فضة بعد قمة شرم الشيخ.. وزمن المسكنات لابد أن ينتهى آمال المصريين منعقدة بشكل كبير على نجاح مؤتمر شرم الشيخ اليوم، فبعد إحباطات كبيرة على المستوى الاقتصادى طوال السنوات الاربعة الماضية،يجدد المصريون أحلامهم فى تحسن اقتصادى أسبابه موجودة، ولكنه يحتاج إلى إدارة تستطيع أن تترجم معطيات السوق إلى أرقام ونمو تصل ثماره إلى عموم أفراد هذا الوطن بعد إحباطات بالجملة اعتقدوا أنها بعد ثورة يناير لن تكرر فى حياتهم.

لكن يجب المصارحة بأن السماء لن تمطر ذهبا ولا فضة بعد القمة الاقتصادية فى شرم الشيخ، ولن تفتح خزائن أموال مستثمرى العالم بمجرد عرض المشروعات، دون إنكار أن الحكومة قامت فى الشهور الأخيرة بمجهود كبير، جعل الكثيرين يتفاءلون بقمة المستقبل، ويعتبرها أول خطوة تصحيحية لسوق قابل للنمو.

ولكن لو اعتبرنا أن هذا التفاؤل مشوب بالحذر والحيطة، لابد أن يكون هو الدافع لتحديد رؤية جديدة لإخراج الاقتصاد المصرى المتأزم، عبر هوية واضحة تحمل شعار «اقتصاد حر منضبط» وتحت كلمة منضبط تضع مليون خط لشعب ما زال السوداء الأعظم من أبنائه قرب خط الفقر، رغم عظمة تاريخه وما تمتلكه دولتهم من موارد لو تم توظيفها لتغير الحال كثيرا، دون إنكار لرغبة أطراف أن يظل الوضع على ما هو عليه أو يتحسن قليلاً.

الهوية الاقتصادية

قبل سنوات طويلة تجاوزت الثلاثين عاما ومع بداية عهد حسنى مبارك الرئيس المخلوع وفى أول مؤتمر اقتصادى، عقدهو ضم كثيرا من الاقتصاديين الوطنيين من مختلف الاتجاهات لتحديد رؤية جديدة لإخراج الاقتصاد المصرى من أزمته. لكن الأزمة استمرت طوال عهد مبارك وآثارها السلبية ما زالت موجودة رغم معدل النمو الذى ارتفع، ووصل إلى أكثر من 8% فى سنوات الأخيرة من حكمه على أيدى ما عرف بوزارة رجال الأعمال، يمكن أن تقول على تلك الأرقام خادعة، وأنها لم تترجم إلى تحقيق نهضة اقتصادية من أى نوع، بل استمر نظام الانفتاح غير المنضبط، الذى بدأه السادات دون أى تغيير، رغم وجود دراسات وأبحاث تكررت كثيرا لتحديد هوية مصر الاقتصادية، وكانت مطلب من قبل المؤسسات الدولية لمساعدة الاقتصاد المصرى.

الوضع يتكرر الآن، أزمة اقتصادية كبيرة، عقبات داخلية وخارجية لا تنكرها العين، تجعل وضع هوية واضحة للاقتصاد عنوان يستند إليه المستثمر الباحث عن فرصة فى السوق المصرية، الذى يفوق فيه الربح كثيرا من البلدان، حيث لا يزيد فى كثير من دول العالم المتقدم عن 15% فى حين يتجاوز فى الحالة المصرية، وفى كثير من القطاعات عن 50%.

فمن الاسئلة التى يجب أن يستعد صانع القرار المصرى أن يجيب عنها ما هوية الاقتصاد، والتشريع المنظم لتلك الهوية، وإن كان الانتهاء من قانون الاستثمار رغم الخلاف على أجزاء منه أمر جيد فى تاريخ الحكومة الحالية ووزير الاستثماربها أشرف سالمان القادم من القطاع الخاص.

فمن أجل تحقيق «مشروع مارشال الاقتصادى» لإنقاذ الاقتصاد المصرى لابد من وجود رؤية واضحة مع تخطيط جيد والبعد عن الارتجال، فى ظل رغبة السواد الأعظم من المصريين فى التغيير، وهو ما يحتاج الخروج من نفق الاختلاف القاتل، ونسف مصطلحات تجاوزها العالم من سنين.

أسئلة المستثمر

تحدثت إلى أحد أفراد المجموعة الاقتصادية فى الحكومة، وسألته: أنتم مستعدون للإجابة عن أسئلة المستثمر خلال قمة المستقبل، الذى يرى مصر من خلال إعلامه، ويصورها على أنها موطن إرهاب وعنف، فقال: إن أى مستثمر فى العالم قبل أن يسأل عن الوضع السياسى، وهو أمر مهم.

يسأل عن التراخيص والأراضى والطاقة وسعر الصرف وتحويل الأموال، بدليل أن هناك استثمارا فى كوريا والعراق ومناطق صراع كثيرة فى العالم، وحتى بعض رجال الأعمال المصريين يستثمرون فى تلك المناطق رغم التوصيفات الإعلامية من «عنف وإرهاب ودم وقتل»، فالسوق المصرية رغم ما يعانيه، لكنه ما زال جاذبا.

وتخطينا عقبات كبيرة من يونيو قبل الماضى، وقمنا ببعض الإصلاحات الاقتصادية جعلت مؤسسات التقييم وصندوق النقد يغيرون النظرة من خلال واقع فعلى تحقق، لكن ليس هذا هو الأهم من وجهة نظر ذلك الرجل، الذى كان وراء عدد من تغيرات اقتصادية ظهرت فى حكومة السيسى، فمن وجهة نظره الأهم الحفاظ على الثقة، التى بنيت، والتى يعتمد عليها النظام السياسى، وحتى وأن انخفضت نتيجة تصرفات بعض أفراد النظام والحكومة، مؤكدا أن المستثمر الأجنبى والمصرى من قبله يعلمون التغيير الكبير، وحجم ذلك السوق، الذى أدهش الجميع فى أصعب الفترات، فالجميع على استعداد لقبول أى شىء فى سبيل الاحتفاظ بتفاؤلنا وبما يمكن أن ينتج عن هذا التغيير. فقد تم جمع 64 مليار جنيه فى أيام لا تتجاوز أصابع اليد.

الأربع سنوات الماضية بالتأكيد تركت أثرا سيستمر مع الشباب الذى أصبح أكثر وعيا، واثق من نفسه، مقتنع أننا نستطيع أن نكون الأفضل فى المنطقة وفى سنوات قليلة. الثبات التشريعى وقانون لحرية تداول المعلومات يتيح للمستثمر إعداد دراسات جدوى سليمة، والقواعد المنظمة للعلاقة بين العامل وصاحب العمل، رؤية الدولة للإنتاج والتصنيع ومستقبل القطاع الخاص فى مصر كلها أسئلة تحتاج إجابات حاسمة لو أردنا أن ننجح ليس فى المؤتمر وحده بل فى مستقبل هذا الوطن.

الفرص

التحدث عن فرص فى المؤتمر الاقتصادى أمر محمود يخرجنا من وضعية المنتظر الدعم المالى إلى صانع للربح، وذلك يتطلب أن تتجه حركة الأجهزة التشريعية والتنفيذية كلها إلى تحقيق مصلحة الجماهير، لأن هذا هو المضمون الأساسى للحكم الديمقراطى، ومن بعدها المستثمر الذى يبحث عن توظيف أمواله بشكل يؤدى إلى عائد، والفرص لا تعنى إقامة مصانع ومنشآت جديدة، بل تمتد إلى شراء وتشغيل مصانع ومنشآت متوقفة، وإلى صناعات تكميلية بجوار صناعات قائمة، وإن كان يجب على صانع القرار أن يحدد أولويات الوطن قبل كل ذلك.

من المصادفة أن أول مؤتمر اقتصادى لمبارك المنعقد فى 1982 كان فى ظروف سياسية شبيهة لما نمر به الآن رغم اختلاف عديد من التفاصيل، فقد كانت مصر تواجه خطر الإرهاب بالأخص بعد اغتيال أنور السادات مما ترك الساحة السياسية غير محددة المعالم وحالة من القطيعة العربية الحمد لله، إنها غير موجودة حاليا. ونحن الآن فى ظرف قريب، لكن عند الناس أمل يمكن أن يتم البناء عليه.

لو تم استغلال الفرصة، مع عدم ربط نجاح المؤتمر بعدد الصفقات والعقود، بقدر ما يربط بأنه تخطيط قومى شامل لجميع مناحى الحياة، فقبل مشروعات البنية الأساسية وجدولة الديون وإدارة الدولة للاقتصاد الكلى من أجل استقرار الأسعار والتصنيع من أجل التصدير لابد من الإجابة عن ماذا نريد وكيف يتحقق وقبل كل ذلك أن تكون مصلحة المواطن فى المقدمة.

وليس معنى فشل مشروع مبارك الاقتصادى ومعه السياسى أن الأمر يتكرر، لكن التعلم من دورس الماضى مهم جدا، فلا يمكن أن يكون الدخول فى الحروب هو بوابة سداد الديون مثلما حدث فى حرب الخليج فى تسعينيات القرن الماضى، ولا يمكن أن يكون الدعم العربى المسكن الدائم لما نعانيه وسط موجات تغيير ربما تغير ملامح خريطة المنطقة العربية.. حفظ الله مصر.

التعليقات