فلسفة قوانين الشمس المشرقة - محمد علاء عبد المنعم - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 10:53 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فلسفة قوانين الشمس المشرقة

نشر فى : الخميس 13 يوليه 2023 - 7:00 م | آخر تحديث : الخميس 13 يوليه 2023 - 7:00 م

قوانين الشمس المشرقة sunshine laws، أو قوانين حرية المعلومات freedom of information laws، هى القوانين التى تسمح للمواطنين والمواطنات بالحصول على معلومات حول كل ما يتعلق بقضايا الشأن العام، بما فى ذلك الحصول على محاضر المجالس التشريعية وحضور جلساتها، والتعرف على هياكل المؤسسات العامة ورواتب العاملين بها، والوصول إلى السجلات الحكومية، إلى غير ذلك من معلومات تخص عمل أجهزة الدولة وما يتعلق بحياة المواطنين والمواطنات.
من هنا جاءت تسمية «الشمس المشرقة» لأنها تضع عمل أجهزة الدولة تحت دائرة الضوء بما يسمح بالمساءلة والرقابة الشعبية.
وغالبا ما تعاقب هذه القوانين المسئول الحكومى الذى يمتنع عن إتاحة المعلومات، أو يقدم معلومات مغلوطة، أو يتلف عن عمد وثائق رسمية.
●●●
ناقش الحوار الوطنى قانون حرية تداول المعلومات ضمن المحور السياسى، ويبدو أن هناك اتفاقا حول ضرورة إصدار هذا القانون، خاصة أنه منصوص عليه فى المادة 68 من دستور 2014 المعدل فى 2019، كما تنص عليه الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى سبتمبر 2021، ومع هذا لم يتم إقرار القانون إلى الآن. كما أن مصر تأخرت فى إقرار مثل هذا القانون مقارنة بعدة دول أفريقية، وكانت الأردن أول دولة عربية تقر قانونا لحرية الوصول إلى المعلومات عام 2007.
ومع هذا التوافق حول أهمية إصدار القانون ظهرت تخوفات مشروعة من إمكانية عدم تطبيقه حال صدوره، أو تفريغه من مضمونه فى التطبيق.
لذا من المهم مراجعة ما تم الاتفاق عليه فيما يخص مبادئ هذا القانون والأهم هو التذكير بالقيم العليا التى تدفع نحو إقرار قوانين الشمس المشرقة، أى فلسفة وروح هذه القوانين.
قبل مناقشة القانون وفلسفته، من المهم الإشارة إلى أن صدوره بات ضروريا. لقد أسهمت وسائل التواصل الاجتماعى فى فتح قنوات للمعرفة والمشاركة، ولكنها فى ذات الوقت أدت إلى صعوبة فرز المعلومة من الرأى أو التحيز أو صريح الكذب، ومع تطور الذكاء الاصطناعى، سيصبح تمييز ما ينبنى على حقائق مما ينبنى على خيال أكثر صعوبة.
من المنطقى أن يطالب المواطنون والمواطنات بتمكينهم من الحكم على سيل المعلومات التى يواجهونها. والحل للتعامل مع البيانات الكاذبة هو توفير البيانات الصحيحة. فليس من المنطقى أن نتعرف على روايات عن تاريخنا القريب من غيرنا، وليس لدينا من الوثائق أو البيانات ما نثبت به صحة هذه الروايات أو كذبها.
إذا كان الفرد مسئولا وفق قانون الصحافة عن المعلومات التى يشاركها على المدونات ومواقع التواصل الاجتماعى، فمن حقه أيضا الوصول إلى المعلومة حتى تصبح المساءلة منطقية.
فى عصر السماوات المفتوحة يصبح التضييق على المعلومات غالبا غير ذى جدوى، فكثير من بيانات الحكومات حول العالم متاحة مجانا على شبكة الإنترنت.
●●●
بدون آليات لضمان الوصول للمعرفة والتحرى والتدقيق حول ما يدور فى ساحة العمل العام، فلا معنى للمشاركة السياسية وحرية التعبير.
كيف يتمكن الناخب والناخبة من تحديد الموقف من المرشحين فى ساحة المنافسة السياسية، وكيف يمكن أن يتنافس المتنافسون حول جدوى البرامج وتكلفتها وإمكانية تطبيقها من دون توافر البيانات؟ وكيف للصحافة الاستقصائية أن تمارس دورها إلا بتوافر بيانات دقيقة؟
كذلك لا يستقيم الحديث عن الحوكمة ومكافحة الفساد، وتهيئة مناخ ملائم للاستثمار، وإشراك المواطنين والمواطنات فى صنع القرار من دون قانون لضمان حرية تداول المعلومات.
الاتفاق إذًا قائم حول أهمية إتاحة المعلومات، وإن كان الخلاف ما يزال قائما حول حدود المعلومات التى يفترض إتاحتها.
ظهرت عدة مشروعات قوانين لحرية تبادل المعلومات، خاصة منذ عام 2012، أبرزها المشروع الذى قدمه المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.
أقرت كثير من هذه المشاريع أهمية تضييق تعريف «الأمن القومى» بما يقصره على المسائل العسكرية، حتى لا يتم التذرع بهذا المصطلح لحجب المعلومات. ومن حسن الحظ أن جانبا من البنية التشريعية اللازمة لتطبيق قانون حرية تبادل المعلومات قائمة، خاصة منذ صدور قانون حماية البيانات الشخصية عام 2020.
يوجد اتفاق أيضا على أن الجهات المخاطبة بالقانون يجب ألا تقتصر على الجهات الحكومية وحدها، فمن حق المواطنين والمواطنات الوصول إلى معلومات بخصوص شركات القطاع الخاص التى تتعاقد مع الدولة للقيام بمشروعات عامة، أو تسعى لإبرام مثل هذه التعاقدات.
من حق المواطن كذلك أن يصل إلى معلومات عن مؤسسات المجتمع المدنى التى تتلقى تبرعات، وتتعامل فى كثير من الأحيان مع الدولة للقيام بمشروعات عامة.
وبما أن النجاح فى تطبيق القانون يرتبط بوجود آلية للتنفيذ، يوجد اتفاق على إنشاء هيكل مؤسسى يضم تمثيلا من مؤسسات الدولة ذات الصلة (ومنها الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ووزارات مثل التخطيط والعدل)، إضافة إلى مؤسسات المجتمع المدنى والمؤسسات الحقوقية، التى من المفترض أن يكون لها الغلبة بين الأعضاء.
تقوم هذه الآلية بوضع السياسات العامة الخاصة بتداول المعلومات، بما فى ذلك الشروط المتعلقة بالإفصاح عن الوثائق القومية، وتتلقى الشكاوى فى الحالات التى ترفض فيها الجهات المسئولة الإفصاح، وتقرر الجزاءات المفروضة فى هذه الحالات وفق القانون.
ويجب أن يكون عمل هذه الآلية استباقيا بحيث تضع ضوابط الإفصاح التى ينبغى أن تلتزم بها جهات الدولة دون انتظار تلقى طلبات أو تظلمات.
على جانب آخر، ما تزال الحاجة قائمة لقوانين تحمى المبلغين، وتنظم التعامل مع المواقع الإخبارية وقضايا الرأى بما يحمى الدور الرقابى للصحافة بأنواعها.
●●●
إن فهم فلسفة قوانين الشمس المشرقة، أو قوانين حماية تبادل المعلومات، ينبغى أن ينطلق من إدراكنا للصراع بين القيم التى يتبناها الفاعلون والباحثون فى مجالات الإدارة الحكومية والسياسات العامة، ومنها قيم الكفاءة والمواطنة والتعددية وبناء الأمة، وأحيانا نجد تعارضا بين هذه القيم.
السلطة التنفيذية غالبا ما تعطى الأولوية لمبدأ الكفاءة، بمعنى تقليل الهدر، وسرعة الإنجاز، فقدرتها على إنجاز إصلاحات ومشروعات عامة هو مصدر رئيسى لشرعيتها ومن ثم لاستمرارها فى الحكم. ولكن الكفاءة ليست المعيار الوحيد، قيم المواطنة وبناء الأمة معايير رئيسية للعمل العام.
انظر مثلا حكم المحكمة الدستورية العليا فى الولايات المتحدة عام 1954 فى قضية Brown versus Board of Education، أقرت المحكمة فى هذه القضية أن الفصل بين البيض والسود فى المدارس غير دستورى، ويمثل انتهاكا لمبدأ المساواة. وعلى أساس هذا الحكم تبنت الإدارات التعليمية نقل الأطفال السود إلى مقاطعات ذات أغلبية بيضاء والعكس لتحقيق الدمج. هذه الممارسة لا تتفق مع معايير الكفاءة بما تمثله من هدر للوقت وزيادة فى التكاليف. ولكن معايير العدالة والمواطنة كثيرا ما تفوق فى أهميتها معايير الكفاءة فى إدارة الشئون العامة.
كذلك الأمر فى فلسفة قوانين الإفصاح وحرية تداول المعلومات. ستبطئ هذه المبادئ والممارسات من الإنجاز، وتضع العمل الحكومى فى دائرة الضوء.
من المفترض أن تفتح هذه القوانين الباب لمراجعة قرارات السلطات المختصة، وقد تمثل إزعاجا لكل من يشارك فى العمل العام، سواء بشكل مباشر من خلال منصب تنفيذى أو تشريعى أو قضائى، أو بشكل غير مباشر من خلال التعامل مع أجهزة الدولة فى صنع وتنفيذ سياسات عامة.
لقد صُمم النظام الديمقراطى ليكون بطيئًا، فكل خطوة تخضع لمناقشات ومفاوضات، ولا ينفرد أحد بالسلطة بما يسمح بسرعة التقرير والتنفيذ. لذا فإن تغييرا ثقافيا إلى جانب الإرادة السياسية لا غنى عنهما لتفعيل هذا القانون، حتى لا يتم إفراغه من محتواه فى التطبيق.
تكتسب البيروقراطية فى كل مكان، ومنها فى مصر، قوتها من المعرفة ببواطن الأمور. كيف نقنع الموظف الحكومى بمشاركة هذه المعرفة متى طلبها المواطنون والمواطنات، أو حتى قبل أن يطلبها أحد؟ وكيف يطمأن الموظفون والموظفات أن الإفصاح لن ينتج عنه جزاءات كما استقرت القناعة فى الماضى؟
من الواجب البدء بوضع خطة متكاملة وجداول زمنية للإفصاح عن المعلومات والوثائق الحكومية، وفتح جلسات المجالس التشريعية للجمهور، خاصة جلسات اللجان النوعية، وتجهيز المتحدثين الإعلاميين لمخاطبة الصحافة والإعلام والرد على أسئلتهم مباشرة.
كما ينبغى صياغة وتفعيل دليل عن مسئولية الموظف العام فى دعم مساءلة الجهات الحكومية من خلال إتاحة المعلومات، وتطوير منظومة متكاملة لحماية المبلغين، وتدريب الموظفين والموظفات فى هذا المجال، وتفعيل أدوار وحدات حقوق الإنسان فى الوزارات وجهات الدولة لدعم هذا التوجه.
إن التطبيق السليم لقوانين الإفصاح يقتضى إدراك القيم والانحيازات الفكرية التى تمثلها، والأهداف العليا لصياغتها.

محمد علاء عبد المنعم عضو هيئة التدريس بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة
التعليقات