النخبة الإسلامية.. بدايات انشقاق أم توزيع أدوار؟ - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 1:36 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

النخبة الإسلامية.. بدايات انشقاق أم توزيع أدوار؟

نشر فى : الخميس 13 سبتمبر 2012 - 8:15 ص | آخر تحديث : الخميس 13 سبتمبر 2012 - 8:15 ص

ترددت كثيرا فى أن أكتب حول هذا الموضوع، لأنه بلغة أهل العلم يدخل فى باب الفروض وليس الحقائق المؤكدة، والفرض يمكن أن يكون صحيحا أو خاطئا وفقا لما تأتى به نتائج التحليل، لكننى حسمت ترددى بعد أن قرأت المقال الممتاز للأستاذ عبدالله السناوى فى صحيفة الشروق يوم الاثنين الماضى بعنوان «الرئيس والقومسيير»، وهو عنوان مستمد من خبرة النظم الشيوعية التى كان فيها أمين عام الحزب يعلو سلطة ونفوذا على رئيس الدولة، وفى هذا المقال يناقش التناقض البنيوى الحاصل بين رئيس الجمهورية وجماعة «الإخوان المسلمين» بعد أن أصبح د.مرسى رئيسا للدولة يفترض فيه أن يساوى بين الجميع ويرعى مصالحهم، بينما هم الجماعة الأساسى هو إحكام قبضتها على السلطة والدولة فى مصر، وفى هذا السياق ناقش السناوى العلاقة بين نائب المرشد (خيرت الشاطر) بالذات وبين رئيس الجمهورية.

 

●●●

 

كان التفكير فى هذه القضايا كلها يشغلنى منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة التى أوضحت أن ثمة خلافا فى الرؤى بين الجماعة و«حزب النور» السلفى انعكس فى تنافس حقيقى بينهما فى تلك الانتخابات، وفيما بعد امتد الخلاف إلى تشكيل أولى حكومات رئيس الجمهورية حيث انسحب «حزب النور» من مشاورات التشكيل احتجاجا على تفاهة نصيبه من المقاعد الوزارية (مقعد واحد لشئون البيئة)، كما كان لدى انطباع ميدانى مؤداه أن حزب النور قد تعامل بفتور فى الواقع العملى مع انتخابات الإعادة لرئاسة الجمهورية، فلم يكن للسلفيين ظهور يذكر فى هذه الانتخابات عكس الجولة الأولى منها أو الانتخابات التشريعية، وكاتب هذه السطور من سكان «الهرم» حيث يكثر السلفيون، كما أننى ناقشت انطباعى هذا مع آخرين شاركوا فى انتخابات الإعادة فى أماكن مختلفة فوافقونى عليه، أو على الأقل لم يستبعدوه. كان تفسير هذه الظاهرة جاهزا عندى: فالعلاقة بين الأحزاب المتماثلة أو المتقاربة فى أيديولوجياتها تكون متنافسة أو حتى متصارعة فيما بينها عندما تصل إلى السلطة، لأن كلا منها يريد أن يكون قائدا لمرحلة التغيير، ولعل المثال الأشهر فى هذا الصدد هو الخلاف بين عبدالناصر وحزب البعث خاصة بعد تحقيق الوحدة المصرية ــ السورية فى 1958.

 

غير أن نطاق الظاهرة اتسع عندى ليشمل العلاقات داخل جماعة «الإخوان المسلمين» نفسها. كان الافتراض الأساس قبل انتخابات الرئاسة أن الجماعة ستقدم مرشحها (بعد أن غيرت موقفها بعدم التقدم بمرشحين فى هذه الانتخابات) وتدعمه فإن فاز فسوف يكون للجماعة النفوذ الأساس على مؤسسة الرئاسة بحكم الالتزام الحزبى للرئيس الجديد، لكن تغيرا فى الأدوار يحدث. صحيح أن الجماعة بقيت على رغبتها فى السيطرة على مقاليد السلطة ومفاصل الدولة غير أن رئيس الجمهورية أصبح مقبلا على دور جديد يفترض أن يكون فيه رئيسا لكل المصريين، بمعنى أنه قد يتخذ قرارات تغضب الجماعة أو على الأقل لا ترضيها. تعددت المؤشرات فى هذا الصدد واختار منها أربعة.

 

●●●

 

كنت أولا قد لاحظت أن التليفزيون الرسمى المصرى (القناة الأولى) بعد تشكيل الحكومة الحالية التى أتت بوزير «إخوانى» للإعلام قد بدأ يتبع فى نشرته الإخبارية سياسة حميدة تقوم على تمثيل صادق للآراء فى القضايا الخلافية بما فى ذلك تلك التى تكون الجماعة طرفا فيها بحيث يكون الرأى والرأى الآخر حاضرين بوضوح. حدث هذا على سبيل المثال بشأن القضايا المرفوعة أمام القضاء المصرى بخصوص عدم قانونية وضع الجماعة وغيرها، ثم بدأت ألاحظ ما هو أكثر من هذا فى قضايا أخرى، ففيما يتعلق بالجدل حول تشكيل مجلس الشورى مجلسى حقوق الإنسان والأعلى للصحافة، ومدى تمثيل هذا التشكيل للجماعة الوطنية المصرية وجدت أن الضيف الوحيد الذى علق على تشكيل المجلس الأعلى للصحافة هو الأستاذ عبدالله السناوى ومواقفه معروفة، كما أنه لم يدخر وسعا فى نقد التشكيل. وأخذت أسأل نفسى ــ لأن أول طريق الحقيقة هو الفضول العلمى ــ أيكون رئيس الجمهورية غير راضٍ عن الطريقة التى شكل بها هذان المجلسان وأعطت وزنا يعتد به للجماعة داخلهما فطلب من وزيره أن يركز على نقد التشكيل؟ أم يكون هذا كله أوهام فى رأسى؟

 

تمثل مؤشرى الثانى فى عودة رئيس الجمهورية من جولته فى الصين وإيران حيث دعا حزب «الحرية والعدالة» إلى الخروج لاستقبال الرئيس فإذا بالذين يخرجون لا يتجاوزون المئات، وقدرة الحزب على الحشد معروفة خبرناها فى عدد من المناسبات، وقد ظل هذا الأمر يحيرنى إلى أن قرأت فى مقالة الأستاذ عبدالله السناوى التى أشرت إليها عبارة ذات دلالة فى هذا الخصوص كتبها استنادا إلى كلام منسوب لمقربين من خيرت الشاطر: «عايزنا نشتغله موردين أنفار». ويعنى ما سبق إن صح أن الجماعة أو على الأقل رجلها القوى لم تعد صاحبة مصلحة فى زيادة ملموسة فى شعبية الرئيس، إذ من شأن هذه الزيادة أن تمكنه من الاستقواء على «الجماعة» إن دعت الضرورة.

 

ثم يأتى ثالثا حديث خيرت الشاطر نفسه عن مشروع النهضة الذى صرح بشأنه بأن «المشروع مجرد مقترح لا تملك الجماعة تصورا نهائيا كاملا عنه»، ولا شك أنه مما يسىء إلى د.مرسى أن يدخل الانتخابات ببرنامج ويفوز بموجبه ثم يوصف هذا البرنامج لاحقا ممن يفترض أنهم أنصاره بأنه مجرد مقترح غير نهائى، ويلاحظ أن القيادى البارز فى حزب «الحرية والعدالة» الدكتور محمد البلتاجى عندما سئل فى حديث مع صحيفة الشروق نشر فى السابع من هذا الشهر لم ينف جوهر ما ذهب إليه الشاطر.

 

آخر المؤشرات المهمة فى هذا الصدد هو ما حدث فى أعقاب لقاء رئيس الجمهورية بفنانين وأدباء فى السادس من هذا الشهر، ومن الواضح أنه أبلى بلاء حسنا فى هذا اللقاء بحيث خرج حاضرو اللقاء إما مطمئنين موافقين على ما قال، أو على الأقل لسان حالهم «أفلح إن صدق». ويلاحظ أن رئيس الجمهورية لم يتهيب الدخول فى مناطق شائكة كما فعل عندما سأل عن الفنانة إلهام شاهين، وصرح بأنه سوف يتصل بها، والتى كان أحد الشيوخ «المحترفين» قد أمطرها بوابل من السباب والقذف والإهانة، وقد أقام هذا اللقاء الدنيا ولم يقعدها عند بعض الإسلاميين، وسمعنا للمرة الأولى عن «المثقفين الإسلاميين» الذين لم يسبق لنا التشرف بمعرفة معظمهم، وأصدروا بيانا جاء فيه أن «تجاهل جميع المثقفين الذين ينتمون للفكر الإسلامى والذين قدموا خدمات جليلة لدينهم ووطنهم، ومهدوا الطريق أمام الرئيس مرسى كى يصل لقصر الحكم ــ إهانة من الرئيس، وتهميش لحساب بعض النخب التى تمارس الضجيج والسباب تجاه كل ما هو إسلامى»، وطالب البيان بتحقيق عاجل فيما أسماه «هذه المهزلة»، وإقالة وزير الثقافة المخاصم للفكر الإسلامى، وقال البيان إن أصحابه صُعقوا من حديث الرئيس عن الإبداع، وشبهوا اللقاء بلقاءات مماثلة لحسنى مبارك.

 

●●●

 

ثمة مؤشرات أخرى أقل أهمية وأكثر محدودية فى نطاقها، لكن المهم أن السطور السابقة كلها تثير علامات استفهام مشروعة حول موضوع هذا المقال، وبعض ما ورد فيها يدخل فى باب الاستنتاج من شواهد معينة، وبعضه الآخر يستند إلى وقائع لا شك فيها، وظنى الخاص أنه من الصعب أن تدخل كل المؤشرات السابقة فى باب توزيع الأدوار. غير أن الأمر يحتاج منا مع ذلك متابعة دءوبة كى نعرف أين تصل بنا سفينة مصر التى يقودها «الإخوان المسلمون».

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية