مع الجريدة - داليا شمس - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:54 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مع الجريدة

نشر فى : السبت 14 يناير 2017 - 9:40 م | آخر تحديث : السبت 14 يناير 2017 - 9:40 م
روائح القهوة والشاى والجنزبيل والجبن والخبز المحمص وأحيانا الفول بالكمون صارت على مر السنوات جزءا لا يتجزأ من جلسة قراءة الصحف فى غرفة معيشتنا كل صباح. يستيقظ تدريجيا أفراد الأسرة، واحدا تلو الآخر، لينضم إلى هذا الطقس الذى لا يزال محببا لنا جميعا فى العائلة، وغالبا ما يثير استغراب الزائرين الذين قد يتصادف وجودهم، فيعلق أحدهم باستنكار: «أنتم مستمرون فى شراء كل هذه الجرائد يوميا؟!». لكن سرعان ما ينخرط معنا فى النقاش حول هذا الخبر أو ذاك، حتى لو كنا قد قرأناه على التليفون بالأمس أو لو كان الخبر غير مكتمل فى الجريدة أو غير معالج كما ينبغى أن يكون. فى النهاية هناك مزاج الشاى والقهوة والجريدة ومتعة النقاش حولهم.

معلوم ومتوقع أن بعض الصحف الورقية، فى العالم كله، ستغلق أبوابها مع الوقت وتكتفى بنسخة الكترونية أو تختفى. لكن طقس مطالعة الصحف سيبقى. قد يتغير وقد بدأ يتغير بالفعل ويتخذ صورا أخرى، إلا أن الطقوس لا تختفى بل تتبدل، وهو ما يستدعى شغف البحث والدراسة. من يهتم بمراقبة تطور المجتمعات عليه أن يتابع كل هذه التحولات ويتوقف عندها بالتحليل، فهى سبيلنا لفهم ما يحدث بعمق ثاقب. نرصد مثلا كيف يقاوم مجتمع يشعر أن هويته مهددة فيحاول التمسك أكثر بطقوسه الثقافية ويخاف من الجديد، ونلاحظ أيضا فى السياق نفسه مدى حرص الجماعات المغلقة التى يكونها الجهاديون على الاحتفاء ببعض الطقوس الجامدة ليرجع بنا إلى زمن معين ويرفض اللجوء إلى غيره، كما ندلل على انفتاح مجتمع ما بالنظر إلى قدرة طقوسه على التكيف والتحرك وفقا لما يحدث دون هلع.

***
نحن بحاجة للطقوس، تلك العادات والسلوكيات الثقافية التى نستدعيها ونكررها ونكونها على مر السنين ونتشارك فيها مع آخرين لنحافظ على الرابط الاجتماعى بيننا. الذهاب إلى السينما وأكل الفشار، وداع الميت من خلال الجنازة والعزاء، قراءة الصحف اليومية، هدهدة طفل صغير مع ترديد أغنية أو حكاية لينام، الدخول على موقع فيسبوك للتواصل مع الأصدقاء، تورتة وشمعة عيد الميلاد للاحتفال... كل هذه طقوس استمرت معنا أو استجدت... دائما هناك مجال للحذف أو الإضافة أو التحديث أو التعديل.

وكلما يظهر جديد تزدهر المخاوف. الشاشة مثلا كانت دوما مصدرا للخوف من اختفاء شىء ما، بل صارت شبيهة بالغولة فى حواديت الأطفال التى تلتهم كل ما ترى أمامها: السينما ستؤثر على القراءة، والتليفزيون سيقضى على السينما، والكمبيوتر وشبكات التواصل خطر على الصحافة، إلى ما غير ذلك. وفى النهاية تتعدد الوسائط والكل يستمر، حتى لو اتخذ أشكالا أخرى، ففى زمن الصورة المكتوب لا يزال مطلوبا وضروريا. ربما لا أستقبله ورقيا كما فى السابق، لكن أنا أطالعه على شاشة الآى باد والتليفون المحمول والكمبيوتر، وهو ما ثبت بالأرقام ــ فى الدول التى تعتنى بالأرقامو تتابعها ــ إذ ثبث أن هذه الشاشات جميعا ساهمت فى زيادة قراءة الصحف.
***

فى الولايات المتحدة الأمريكية، أشارت الإحصاءات إلى أن الجمهور يتحول إلى القراءة الرقمية، فخلال العشرين سنة الأخيرة صارت نسبة من يقرأ الجرائد الورقية يوميا 23% بدلا من 41%، أى بانخفاض 18 نقطة لصالح القراءة عبر الوسائط الإلكترونية. أما فى فرنسا، فقد أوضحت الدراسات أن استخدام لوحات الآى باد رفع قراءة الصحف والمجلات بنسبة تترواح بين 2,7% و 6,8%، تبعا لطبيعة الإصدار. قطعا نحن فى بلد تنعدم فيه تقريبا مثل هذه الدراسات والمؤشرات، لذا تعانى الصحافة أكثر فى أزمتها وتزداد المخاوف، لم يستطع أحد بعد أن يستوعب تبدل المشهد ولم يسع أحد جديا لأن يلبى طلبات عائلة أخرى صغيرة تكونت أخيرا، تحافظ على الرابط الاجتماعى وتحرص على طقس قراءة الصحف يوميا، بعد شرب القهوة، لكن يجلس كل واحد منهم على طرف المائدة ليطالع موقعا أو موقعين على الكمبيوتر أو على اللوحة الإلكترونية الخاصة به. القراءة سريعة أكثر، لها إيقاع ونمط مختلفان،و المحتوى لم يتطور بعد، بل يتقهقر فى كثير من الأحيان. الخطر يكمن فى سوء المحتوى وضحالته، وليس فى اختفاء الطقس الذى يصاحب الجريدة أو تغيره.

 

التعليقات