العنف السياسى:البحث عن الجانى والهروب من القضية - راوية توفيق - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 7:34 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العنف السياسى:البحث عن الجانى والهروب من القضية

نشر فى : الثلاثاء 15 أبريل 2014 - 7:10 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 15 أبريل 2014 - 7:10 ص

المكان: أمام جامعة القاهرة

الزمان: صباح الأربعاء الثانى من أبريل 2014

الحدث: انفجارات تودى بحياة أحد القيادات الشرطية وتصيب اخرين. حالة من الذعر تسود المكان الذى طوقته قوات الأمن، ونفير جماعى لطلبة وأساتذة وموظفى الجامعة بعيدا عن موقع الانفجارات. فى المساء يتبارى الخبراء الاستراتيجيون والمتخصصون فى الحركات الإسلامية فى تحليل الحدث على شاشات التليفزيون، يتحدثون عن جماعة «أجناد مصر» التى أعلنت مسئوليتها عن التفجير. وعلى جانب اخر، تؤكد الحكومة والقوى السياسية أن الحادث الإجرامى لن يثن الدولة عن المضى فى خارطة الطريق، وأنه لن يؤثر على معنويات جهاز الشرطة. فى اليوم التالى تقرر إدارة الجامعة دعوة قوات الشرطة للدخول إلى الحرم الجامعى لحمايته من أية أعمال تخريبية، ويقر مجلس الوزراء تعديل قانون العقوبات لتشديد العقوبة على الجرائم الإرهابية، وزيادة الدوائر القضائية الخاصة بقضايا الإرهاب. من المشكوك فيه أن تؤدى هذه الإجراءات إلى إحساس بالأمان فى الجامعة التى تحولت، كجزء من الوطن، إلى ساحة لحرب الدولة على الجماعات «الإرهابية».

•••

المكان: منطقة «إيستليه» بالعاصمة الكينية نيروبى

الزمان: مساء الاثنين الثلاثين من مارس 2014

الحدث: انفجار يقتل ستة مدنيين ويصيب العشرات. فى أعقاب الانفجار تقوم الشرطة الكينية بحملة اعتقالات واسعة شملت أكثر من ستمائة شخص، ويعلن المسئولون الأمنيون أن الحملة ستستمر إلى حين الوصول إلى منفذى الحادث. تتجه أصابع الإتهام، كما جرت العادة فى مثل هذه الحوادث، إلى تنظيم شباب المجاهدين فى الصومال ولا يسلم من هذه الشكوك الكينيون من أصل صومالى.

يأتى الانفجار بعد أيام قليلة من بث شريط مسجل لـ«أحمد عبدى جودان» القيادى البارز بتنظيم الشباب يدعو فيه إلى مقاومة ما سماه بالاحتلال الأجنبى لبلاده من قبل القوات الكينية والإثيوبية. وعلى ما يبدو فإن رسالة «جودان» قد وجدت صدى لدى قطاعات من الصوماليين المقتنعين بأن الدولتين قد تدخلتا فى الصومال لتحقيق مصالحهما فى تفتيت وحدة الصومال، ودعم الاتجاهات الانفصالية، وتأجيج العنف القبلى، والاستفادة من موارد الصومال الطبيعية وموقعها الاستراتيجى، ومحاربة تطبيق الشريعة. كان مضمون رسالة «جودان» الأخيرة مشابها لمضمون تسجيله بعد حادثة المركز التجارى فى «ويستجيت» فى نيروبى فى سبتمبر الماضى، والتى احتجر فيها رهائن لمدة ثلاثة أيام وقتل فيها أكثر من ستين شخصا. اعتبر «جودان» العملية ردا على سفك القوات الكينية لدماء المسلمين فى الصومال لفتح المجال لشركات التعدين الأفريقية والغربية لاستغلال ثروات بلاده. قد لا يكون استغلال تنظيم الشباب لقضايا الاستقلال الوطنى فى بسط السيادة واستغلال الثروات أكثر من مجرد ورقة لحشد أنصار جدد، خاصة بعد الهزائم التى منى بها التنظيم خلال العامين الماضيين، ولكن ذلك لا ينفى أن التدخل الكينى فى الصومال قد أثار عدة انتقادات فى الداخل الصومالى ومشكلات فى الداخل الكينى، وقدم سندا لتنظيم الشباب لحشد أنصار فى البلدين.

•••

المكان: مدينة «ميدوجورى» شمال شرق نيجيريا

الزمان: 14 مارس 2014

الحدث: هجوم على معسكر للجيش النيجيرى محتجز فيه عدد من مقاتلى جماعة «بوكو حرام» لتحرير المعتقلين فى المعسكر. ترد قوات الجيش النيجيرى بفتح النار على المنفذين للهجوم وعلى السجناء المحررين لتقتل أكثر من ستمائة شخص مسلح وغير مسلح. تشير منظمة العفو الدولية إلى وجود ثلاثة مقابر جماعية حول المدينة لدفن القتلى، وكانت المنظمة ذاتها، ضمن عدد من المنظمات، قد رصدت انتهاكات ضد المعتقلين فى المعسكر تراوحت بين القتل والتعذيب، وهى المزاعم التى تنكرها قوات الجيش النيجيرى. يعد هذا العام هو الأكثر دموية منذ صعدت الجماعة عملياتها عام 2009 ردا على قتل قوات الشرطة لزعيم الجماعة محمد يوسف بعد اعتقاله. كان يوسف قد شكل جماعته عام 2003 لتعمل على إقامة دولة إسلامية تخرج البلاد من حكم نخبتها الفاسدة التى أهدرت ثرواتها لعقود منذ الاستقلال. ولكن الجماعة بعد مقتله شنت هجمات متعددة على قوات شرطية ومدنيين، كان أكثرها وحشية قتل ما يزيد على خمسين طفلا فى مدرسة داخلية فى فبراير الماضى. حول القتال بين الجماعة المسلحة والقوات المشتركة من الجيش والشرطة النيجيرية ولايات شمال شرق نيجيريا إلى جحيم هرب منه أكثر من 250 ألف شخص منذ بداية هذا العام وفقا للمصادر الرسمية.

•••

تلك نماذج مختلفة لأحداث عنف ترتكبها جماعات مسلحة فى دول محورية فى محيطها الإقليمى، وتدينها بحق قطاعات واسعة وقوى سياسية مختلفة. يبقى الجانى، أو الجماعة المرتكبة لهذه الأحداث أيا كان اسمها، العنصر المحورى فى الرواية المتداولة حولها. تحتل هذه الجماعات مانشيتات الصحف وعناوين الأخبار وتوصف بما تستحقه من أوصاف الغدر والبغى. ولكن فى أحداث العنف المدفوعة بأسباب سياسية، فإن القضية التى تحشد هذه الجماعات على أساسها مناصريها لا تقل أهمية عن الجانى. بعبارة أخرى، فإن العنف السياسى، كما يذهب الباحث الأوغنذى الأبرز «محمود مامدانى»، ليس كغيره من أشكال العنف لأن له مؤيدين حتى لو مثل هؤلاء قلة، كما أنه غالبا ما يكون حلقة فى حلقات عنف تدخل فيها أطراف مختلفة تتنازع حول قضايا محورية. ورغم تشابه وسائل الجماعات المحركة للأحداث السابقة، إلا أن كلا منها مدفوع بقضايا مختلفة. فهذا يجتذب أنصارا بدعاوى فساد النخبة، وذلك يحشد ضد قوات أجنبية تزعم التدخل لتحرير البلاد من قوى التطرف، وذاك يحيى مظلمة جماعية لم يُحاسب مرتكبوها. ولأن هذه القضايا على اختلافاتها قضايا سياسية، فإن عصا المؤسسة الأمنية (بفرض كفاءتها) وميزان القانون (بفرض قسطه) لا يجديان بمفردهما فى الخروج من دائرة العنف، ولا يمنعان هذه الجماعات من الاستمرار فى جذب أنصار حول هذه القضايا حتى ولو إلى حين. وباستناد مؤسسات الدولة إلى وسائل قانونية وأمنية استثنائية تتسع فيها دائرة الاشتباه والاستهداف وتتسابق فيها أحكام الإعدام وطلقات الرصاص يزيد المعارضون لهذه المؤسسات وتتولد أسس جديدة لحشدهم. وإن كانت مصر ليست كدول أخرى تخوض معارك مشابهة ضد جماعات اتخذت العنف منهجا، فالمرجو ألا تحتاج مؤسسات الدولة وقتا طويلا، كما هو الحال فى هذه الدول، لتدرك أن الحلول الأمنية والقانونية لا يكفيان لمجابهة عنف يحشد مناصريه حول قضايا سياسية.

راوية توفيق مدرس العلوم السياسية جامعة القاهرة
التعليقات