قراءة صريحة في سياسات «الغرب» اليوم - سمير العيطة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 8:59 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قراءة صريحة في سياسات «الغرب» اليوم

نشر فى : الأحد 15 أكتوبر 2023 - 9:25 م | آخر تحديث : الأحد 15 أكتوبر 2023 - 9:25 م
بعد ساعات قليلة من عملية «طوفان غزة»، لافت أن تحشد الدول «الغربية» جهودها الدبلوماسية والإعلامية وصولا إلى العسكرية وراء القيادة الإسرائيلية. وكأنها هى أيضا ذاهبة مجتمعة إلى حرب بحجم الحرب فى أوكرانيا. لكن غزة ليست روسيا، وليست «حماس» سوى تنظيم سياسى فى سجن كبير وليس دولة.
هكذا «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة».. القادمة من «الغرب». وكل السبل معبأة لحشد الجهود. وهكذا صرح رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بايدن أنه شاهد صور أطفال إسرائيليين مذبوحين لتبرير إرسال حاملات طائرات أمريكية.. شطحة كبيرة خفّف الناطق باسم البيت الأبيض من فداحتها لاحقا.
الحجة المتكررة هى أن حماس تنظيم متطرّف وإرهابى يريد إزالة إسرائيل فى حين أن الحكومة الإسرائيلية الحالية هى أيضا متطرفة تدعم إرهاب المستوطنين وتدعو صراحة لإزالة «العرب»، أى الشعب الفلسطينى. والقول إن حماس تنظيم دينى ــ سياسى وتجاهل أن إسرائيل ذاتها كيان دينى ــ سياسى يعتمد بعمق اليوم على الفصل العنصرى.
الحجة المتكررة أيضا أن انتهاكات إنسانية ارتكبت خلال يوم «الطوفان» الأول سيحتاج العالم إلى جيل كامل للتحقق مما حدث فيها فعلا، ومن خلال مؤرخين إسرائيليين بالتحديد.. وليس عربا. إن الرواية التى يتم تسويقها اليوم هى تلك التى يكررها للجيش الإسرائيلى دون أى اعتبار للشهادات المناقضة. بالتأكيد حدثت تجاوزات، فالاحتقان كبير بين الطرفين، خاصّة بعد انهيار الجدار العازل لسجن غزة والجيش الإسرائيلى فى المحيط بسرعة كبيرة. تجاوزات يُمكن وضعها فى مقابل تجاوزات المستوطنين اليومية دون ردع من الجيش «المنظم» الإسرائيلى.
تكرار الحجة حول الرهائن الذين تم احتجازهم، الكثير منهم من جنسيات «غربية»، دون توضيح إن كان هؤلاء مزدوجى الجنسية ومجندين فى الجيش الإسرائيلى أو فى «الكيبوتزات»، والتى هى أيضا كيانات استيطانية ومقاتلة فى الوقت نفسه، أم أنهم فقط مدنيون. هذا دون احتساب أن معظم المحتجزين الفلسطينيين فى السجون الإسرائيلية هم أيضا «رهائن».. دون محاكمة.
منطق لا يأخذ فى اعتباره تصريحات مسئولين إسرائيليين أن الفلسطينيين والعرب «وحوش بشرية» ويعتمد ثنائية الحضارة مقابل الهمجية. وهو منطق يعود إلى الحقبة الاستعمارية، ليس غريبا أن تعتمده إسرائيل لأنها بطبيعتها.. «دولة استعمارية». ولكن اللافت هو أن يتحول اليوم إلى خطاب سائد فى الولايات المتحدة وأكثر منه فى أوروبا وبسرعة. والأغرب أن الأصوات النقدية لمثل هذا الخطاب الاستعمارى متواجدة فى إسرائيل نفسها وحتى فى الولايات المتحدة.. أكثر من تواجدها فى أوروبا.
• • •
هذا كله من أجل تبرير «الانتقام» الإسرائيلى من غزة وجرائم الحرب التى ترتكب ضد أهلها بشكل غير مسبوق. وهذا لدرجة أن الصليب الأحمر الدولى اتخذ موقفا أيضا غير مسبوق يدين الانتهاكات الإسرائيلية. أم أن كل هذا تحضير للذهاب أبعد من ذلك؟
وما هو أبعد يجسده واقع أن يوما واحدا من عملية «طوفان الأقصى» شكل منعطفا أساسيا فى المنطقة برمتها. سواء إن تطابق ذلك مع خطط القائمين على العملية أم تجاوز توقعاتهم. لقد شكلت عملية «طوفان الأقصى» إهانة كبيرة للجيش الإسرائيلى، وانتقل الصراع المسلح إلى داخل أراضى 1948، وما لا يمكن لمنطق تفوق إسرائيل النووية بدعم من «الغرب» أن يتحمله. وما يعنى أن الجمود والاستعصاء المسيطرين قد انكسرا ليس فقط بالنسبة للقضية الفلسطينية، بل أيضا فى لبنان وسوريا والعراق وإيران. واصطدم مسار التطبيع الإسرائيلى ــ العربى بإشكاليات مغزاه ومساره فى ظل الاحتلال والغطرسة.
هذا الانعطاف يعنى أن إسرائيل، بحكومة متطرفة أم ائتلافية، لن تقبل بالعودة إلى الوضع السابق فى غزة ولا التفاوض، لا حول «الرهائن» ولا حول وضع جديد. وما يعنى أن إسرائيل، ووراءها «الغرب» وحشوده العسكرية، سيذهبون جميعا للقفز إلى إنهاء معضلة غزة من أساسها بعد الفشل فى ضبط تدفق السلاح إليها على عكس الضفة الغربية. والأغلب أن الفكرة «الغربية» هى تهجير أهل غزة نحو مصر مقابل منح مصر مساعدات مالية تخرجها من أزمتها الاقتصادية الحالية. وربما كان هذا الثمن أقل كلفة مما كان يقدم لغزة لاحتوائها خلال الفترة السابقة.
• • •
تكمن مخاطر هذه القفزة فى إمكانية توسع الصراع إلى لبنان وسوريا والعراق وإيران. لأن هذا التهجير العنصرى لا يمكن تقبله مما بقى من رأى عام.. عربى. ولأنه يشكل توسعا جديدا «للدولة العبرية» بعد قضم الضفة الغربية والجولان، الذى اعترف به «الغرب»، ويهدد بالتوسع الذى سيليه مع طموحات إسرائيل من الفرات إلى النيل، والتى باتت تترسخ منذ اغتيال إسحق رابين.. بيد متطرفين صهاينة.
على هذا الأساس، تأتى الحشود العسكرية الأمريكية والتى لحقتها تلك البريطانية ويأتى توحد الخطاب الأوروبى تهديدا صريحا بالمشاركة فى الحرب إن توسعت وتحديا صريحا لجميع مشاعر الضفة الأخرى من البحر المتوسط. وربما أيضا تغطية على الفشل الحالى المشهود للهجوم المضاد الأوكرانى الذى تم الحشد الكبير حوله.
وأبعد من ذلك. تلقى هذه القفزة إضاءة جديدة على السياسات الأمريكية والأوروبية منذ غزو العراق وانطلاقة «الربيع العربى». فهى تدخلت دبلوماسيا، بل اجتماعيا وميدانيا وعسكريا، فى انتفاضات شعوب عربية كانت تبحث عن حرية وكرامة ضد سلطات قائمة كان «الغرب» قد ساعد أصلا فى تثبيتها عقودا. تدخل بحجة الدفع نحو الديموقراطية. فى حين تم العمل على تقويض مؤسسات الدول التى جرى التدخل فيها والتى لا يمكن للديموقراطية أن تقوم دونها. وتم بث روح التفرقة الاجتماعية والطائفية والإثنية بحجة الدفاع عن «الأقليات» أو عن مشاريع تقسيم لم تسنح الفرصة بتحقيقها خلال الفترة الاستعمارية كما حصل للمشروع الصهيونى. وهى سياسات تدخلت عام 2016 لمنع صندوق النقد الدولى عن إيقاف التدهور المالى اللبنانى كى يتمّ دفع البلد إلى الانهيار الذى يعيشه اليوم. فلا حريّة ولا كرامة، بل الدمار والجوع.
ليس بعيدا عن الحقيقة والواقع تماثل ما يجرى اليوم مع الحقبة الاستعمارية فى القرن التاسع عشر. وخيارات الشعوب العربية المطروحة تماثل تلك التى يعيشها الشعب الفلسطينى.
لكن خيارات بعض الحكومات العربية، خاصة الخليجية منها، أكبر وأوسع. فهى تملك قوة حقيقية يمكن أن تشكل ورقة ضغط أو تفاوض. فقد أتاح لها «طوفان الأقصى» فرصة لكى تُبرز إن كان مسار «التطبيع» الذى قامت به حقا وسيلة لكسب حقوق للشعب الفلسطينى ولترسيخ سلام تنمية فى المنطقة، كما يتم الحديث.. أم سيترك الشعب الفلسطينى، والعرب الآخرون، وحدهم فى مواجهة.. الاستعمار. إذ لم نعد حتى فى الزمن الذى كانت فيه الولايات المتحدة نفسها تدعم حق الشعوب فى التخلص من الاستعمار وفى مناهضة نظام «تمييز عنصرى».
سمير العيطة رئيس التحرير السابق للوموند ديبلوماتيك النشرة العربية ــ ورئيس منتدى الاقتصاديين العرب
التعليقات