السودان والاختيارات الصعبة - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 1:02 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السودان والاختيارات الصعبة

نشر فى : الثلاثاء 16 نوفمبر 2021 - 8:35 م | آخر تحديث : الثلاثاء 16 نوفمبر 2021 - 8:35 م
عندما اقترب موعد تسليم رئاسة المجلس السيادى السودانى من الفريق أول عبدالفتاح البرهان، إلى أحد الأعضاء المدنيين فى المجلس الذى كان يتكون من 5 أعضاء عسكريين و6 أعضاء مدنيين وتم الاتفاق على أن يتولى الرئاسة فى المرحلة الأولى الفريق أول البرهان، ثم تسلم للمدنيين فى المرحلة الثانية اعتبارا من 15 نوفمبر 2021 إلى انتهاء المرحلة الانتقالية وإجراء الانتخابات، أدرك المكون العسكرى أن المكون المدنى بتوليه رئاسة مجلس السيادة إلى جانب توليه رئاسة الحكومة المدنية، ستكون له السلطات الأكبر فى فترة مهمة وهى فترة الإعداد للانتخابات وإجرائها، وهو وضع لن يكون مريحا بأى حال للمكون العسكرى، بل قد لا يكون مقبولا.
وقد حزم الفريق أول البرهان، أمره وأصدر عدة قرارات فى 25 أكتوبر 2021، وما بعدها، عبرت بوضوح عن اختيار المكون العسكرى، حيث تم إلغاء مجلس السيادة الذى كان يترأسه البرهان، وإقالة الحكومة المدنية التى كان يترأسها حمدوك، وإعلان تولى البرهان السلطة، وإعلان حالة الطوارئ، وتعليق العمل بستة مواد فى الوثيقة الدستورية الموقعة من المكونين العسكرى والمدنى، ووقف عمل لجنة التحقيق فى مذبحة فض الاعتصام أمام القيادة العامة فى 3 يونيو 2019 والتى تنظم عملها المادة 16 من الوثيقة الدستورية، وهى ضمن المواد التى ألغاها البرهان، وتنص على تشكيل محكمة مستقلة للتحقيق وتقديم المتهمين للمحاكمة. كما ألغى لجنة «تفكيك التمكين» التى أنشأتها الحكومة المدنية لتصفية بقايا نظام الرئيس السابق عمر حسن البشير، وأنصاره، وتجريدهم من الثروات التى حصلوا عليها بطرق غير قانونية طوال فترة حكم البشير، وسيطرة أغلبيتهم على المناصب الحيوية فى الخدمة المدنية، ومعظمهم إما ينتمى أو يتعاطف مع جماعة الإخوان المسلمين.
كما ألقى القبض على رئيس الوزراء حمدوك، وعدد من الوزراء، وأعداد من القيادات والسياسيين والنقابيين من تكتل الحرية والتغيير، وحكام الولايات. وقد تم نقل حمدوك، بعد ضغوط دولية كبيرة، إلى منزله تحت الإقامة الجبرية، والإفراج عن الوزراء تحت ضغوط شديدة من تجمع المهنيين السودانيين وتحالف قوى الحرية والتغيير، الرافضين للانقلاب والمطالبين بعودة حكومة حمدوك، وعودة العمل بالوثيقة الدستورية، وإلغاء كل القرارات الأخرى التى اتخذها الفريق أول البرهان، وإعادة مجلس السيادة وتسليم رئاسته كما هو مقرر فى الوثيقة الدستورية، هذا إلى جانب الضغوط الدولية سواء من الاتحاد الأفريقى أو الأمم المتحدة أو الدول الكبرى.
•••
كان الفريق أول البرهان قد أعلن عقب إصدار هذه القرارات أنه سيتم تشكيل حكومة مدنية خلال أسبوع من تاريخ إصدارها، وهذا ما أدى إلى أن تصف الولايات المتحدة ما حدث فى البداية بأنه استيلاء العسكريين على السلطة متجنبة استخدام كلمة «انقلاب» التى يترتب عليها فرض عقوبات على السودان، وأعطت فرصة للانتظار. وقد فعل الاتحاد الأفريقى نفس الشىء. ولكن عندما طالت المدة أكثر من أسبوعين ولم تعد حكومة عبدالله حمدوك، ولم تشكل حكومة مدنية أخرى، ودخلت الوساطة والمفاوضات الإقليمية والدولية للتوفيق بين المكونين العسكرى والمدنى طريقا مسدودا إزاء تمسك كل طرف بموقفه ورفض المكون العسكرى التراجع عن قراراته، وإصرار المكون المدنى على إلغائها وعودة حكومة عبدالله حمدوك وكل وزرائها، تغير الموقف الدولى وبدأ تسمية ما حدث بأنه انقلاب عسكرى، وأوقفت الولايات المتحدة الأمريكية مساعدات للسودان قيمتها نحو 700 مليون دولار أمريكى، وأوقف البنك الدولى كل تعاملاته مع السودان إلى أن تعود الأمور إلى المسار الديمقراطى والعمل بالوثيقة الدستورية، كما أوقف الاتحاد الأفريقى عضوية السودان فى الاتحاد إلى أن تعود الأمور إلى المرحلة الانتقالية الديمقراطية.
ودعا مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة فى قرار اتخذه يوم 5 نوفمبر 2021 إلى عودة فورية للحكومة المدنية فى السودان، وإلغاء التوقيف الظالم لرئيس الوزراء حمدوك، والإفراج عن كل المعتقلين بصورة تعسفية وغير شرعية. كما ندد بقطع الإنترنت عن العاصمة مدة طويلة ما يحجب المعلومات عن السكان. وكلف المجلس أحد الخبراء بمتابعة الأوضاع على الأرض فى السودان، ورفع تقرير إلى المجلس بحلول اجتماعه منتصف 2022.
كما استندت بعثة الأمم المتحدة فى السودان إلى البيان الذى أصدره مجلس الأمن الدولى فى 28 أكتوبر2021 على استمرار اعتبار رئيس الوزراء عبدالله حمدوك فى منصبه والوزراء الذين كانوا معه، وأنهم مستمرون فى مراكزهم حتى لو لم يتمكنوا من ممارسة السلطة، وهو نفس ما خلص إليه مجلس الاتحاد الأفريقى للسلم والأمن، وأن بعثة الأمم المتحدة، بناء على ذلك، لن تتعامل مع الأشخاص الذين يدعون لتولى مناصب وزراء أو ولاة أو حكام وغيرهم، إلا للضرورة القصوى ولأغراض إنسانية من مصلحة السكان، وذلك إلى أن تتلقى البعثة تعليمات أخرى.
وقد تسربت أنباء عن أن نادى باريس «المكون من 22 دولة من الدائنين من الدول الصناعية الغربية» والذى كان قد وافق فى يوليو 2021 على إلغاء نحو 14.1 مليار دولار أمريكى من عبء الديون على السودان، وإعادة هيكلة 9.4 مليار دولار أمريكى ديون، يفكر جديا فى إعادة النظر فى هذا الاتفاق على ضوء التغيرات الأساسية التى قام بها المكون العسكرى فى السودان.
وقد أصدرت كل من الولايات المتحدة، وبريطانيا، والسعودية، والإمارات، بيانا مشتركا أكدت فيه دعم تطلع شعب السودان إلى دولة ديمقراطية وسلمية وأن هذا ما اتضح فى مظاهرات 30 أكتوبر 2021 ورغبة شعب السودان بدفع العملية الانتقالية إلى الأمام، وتأييد البيان لاستعادة الحكومة المدنية، ودعوة كل الأطراف للتعاون والوحدة، وإطلاق سراح جميع المعتقلين، وإلغاء حالة الطوارئ، والالتزام بالوثيقة الدستورية واتفاقية جوبا للسلام ومن أجل استعادة المشاركة المدنية العسكرية لما تبقى من المدة الانتقالية انتظارا للانتخابات، وحتى يمكن استكمالها بدعم من أصدقاء السودان، وشركائه الدوليين.
كما أعلن وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن أن واشنطن تتفهم شكوك الزعماء المدنيين السودانيين فى العمل مع قائد الجيش السودانى البرهان، ولكن استبعاد الجيش ليس أمرا واقعيا، ويحتاج الزعماء المدنيون إلى تطمينات قبل الإقدام على العمل معه. ونوه بلينكن إلى أن القادة العسكريين السودانيين لم يلمحوا أبدا إلى الاستيلاء على السلطة خلال تعاملاتهم مع المبعوث الأمريكى قبل استيلائهم على السلطة بأيام.
وأوفدت جامعة الدول العربية الأمين العام المساعد فى مهمة إلى الخرطوم، التقى خلالها مع الفريق أول عبدالفتاح البرهان، ورئيس الوزراء تحت الإقامة الجبرية عبدالله حمدوك، واتضح له تمسك كل من الطرفين بموقفه وحدوث حالة انسداد فى حلحلة الموقف والعودة إلى التعاون بين المكونين العسكرى والمدنى استكمالا للمرحلة الانتقالية.
•••
وبالرغم من أن الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج، وهى ما تعرف بالترويكا الدولية قد حذرت فى بيان مشترك الفريق أول البرهان من اتخاذ إجراءات أحادية بشأن الأزمة السودانية، وشددت على ضرورة العودة إلى الوثيقة الدستورية، وإعادة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك لمنصبه كأساس لأى مشاركة مدنية عسكرية انتقالية فى المستقبل. بالرغم من ذلك فقد اتخذ البرهان عدة قرارات بتعيين عدد من المسئولين الجدد فى مراكز ومؤسسات حيوية منها وزارات الخارجية، والإعلام، والعدل، وفى بنك السودان المركزى وعدة بنوك أخرى، والهيئة القومية للإذاعة والتليفزيون، ومجلس الصحافة. وهو ما أثار اعتراض المكون المدنى الذى اعتبرها بمثابة تكريس لسلطة الأمر الواقع، خاصة وأن معظم الشخصيات التى تم تعيينها ترتبط بعلاقات مع النظام السابق وينتمى بعضهم لجماعة الإخوان المسلمين أو متعاطف معهم.
كما أصدر الفريق أول البرهان قرارا فى 11 نوفمبر 2021 بتشكيل مجلس سيادة جديد برئاسته مكون من 14 عضوا وتبقى عضو من شرق السودان جارى التشاور بشأنه. وأبقى فى المجلس الجديد 9 أعضاء من المجلس المنحل واستبعد 4 أعضاء كانوا يمثلون قوى الحرية والتغيير، وضم إلى المجلس الجديد قيادات الحركات الشعبية الرئيسية الموقعين على اتفاقية جوبا للسلام فى السودان وهم مالك عقار، والهادى الريس، والطاهر حجر، وهم الذين رفضوا فى وقت سابق «الانقلاب العسكرى» الذى حدث فى 25 أكتوبر 2021، ويلاحظ أنهم لم يؤدوا اليمين القانونية أمام البرهان مع باقى أعضاء المجلس الجديد نظرا لمعارضة كبيرة فى الحركات الشعبية التى يترأسونها لكل القرارات والإجراءات التى اتخذها البرهان ويعتبرونها خروجا على كل ما سبق الاتفاق عليه.
ويلاحظ أنه حتى الآن فإن المكون العسكرى السودانى يسير وفق برنامجه الخاص فى إعادة صياغة المؤسسات والسلطة فى السودان، دون اهتمام يذكر لا بالمعارضة الداخلية ولا الدولية، ولا بالإجراءات الأولية التى اتخذتها بعض الدول والمؤسسات المالية الدولية لوقف التعاون مع السودان، وما قد يتبعها من قرارات وإجراءات أكثر إضرارا بالأوضاع المالية والاقتصادية المتدهورة فى السودان، وأيضا عدم إعطاء وزن كبير للمظاهرات والاعتصامات من جانب قوى المعارضة. ومن الواضح أن المكون العسكرى يراهن على عاملين أساسيين وهما ضغط عامل المصالح سواء بالنسبة للناس فى الداخل أو الدول فى الخارج، وعامل الوقت الذى يعتقد أنه بمروره قد تتغير المواقف. فهل هو رهان صائب أم أنه قد يؤدى إلى نتائج كارثية تزيد الأوضاع المتدهورة فى السودان سوءا. هذا ما سيتضح خلال الأيام القادمة.
رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات