سيمفونية الزمن الصيني.. «حزام وطريق» وتحديات! - مواقع عربية - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 9:49 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سيمفونية الزمن الصيني.. «حزام وطريق» وتحديات!

نشر فى : السبت 17 فبراير 2024 - 8:50 م | آخر تحديث : السبت 17 فبراير 2024 - 8:50 م
يحاول الغرب إحكام قبضته على النظام الدولى، وتطوير رأسماليته خوفا من بروز وهيمنة نظام جديد من الشرق بقيادة الصين. فى ضوء ذلك، نشر موقع 180 مقالا للكاتب عبدالحسين شعبان، تناول فيه ما إذا كانت مبادرة الصين الضخمة «الحزام والطريق» تشكل بحق مشروعا تنافسيا أمام الغرب، وعلامة فارقة نحو تغيير النظام الدولى إلى نظام صينى، أم أننا نسير باتجاه عالم متعدد الأقطاب، بعد الاتفاق على إنشاء الممر الهندى فى قمة العشرين الأخيرة؟... نعرض من المقال ما يلى:
يقول وانج إيوى، مؤلف كتاب «الحزام والطريق ــ مسئوليات عالمية تضطلع بها الصين بعد نهضتها»: «إن المبادرة ليست مقطوعة موسيقية تعزفها الصين بصورة منفردة، بل إنها سيمفونية جماعية لكل الدول على طول خط الحزام والطريق»، ويضيف أنها لا تؤدى دورا فى التعبير عن حلم الصين فحسب، بل فى ترجمة أهداف الأمم المتحدة فى السلام والتنمية، ولاسيما التنمية المستدامة لعام 2030، وتجسد المسئوليات العالمية، التى تضطلع بها الصين بعد نهضتها.
فهل نحن أمام لحظة مفصلية وربما مقدمة لتغيير عظيم؟ أم ثمة عقبات وعراقيل وتحديات تعترض هذه المبادرة الاستراتيجية؟ فالغرب يسعى لإعادة الضبط والسيطرة والتحكم، كى لا تفلت إدارة العالم من بين يديه، ولهذا فهو يعمل جاهدا لتطوير الرأسمالية لخشيته من غروب شمسها وسطوع شمس الشرق.
ولا ندرى إن كان ما يترشح إلينا عن مبادرة الصين «العالمية» حقيقة أم خيالا؟ فكل ما فيها يتعلق بالحياة والمستقبل، الذى سيحدث فيها تغييرات غير مسبوقة فى الملبس والمأكل والمسكن ووسائل النقل، بحيث تكون أكثر وفرة وجمالا وسهولة، خصوصا حين يتم تدشين الطور الخامس للثورة الصناعية، بكل ما فيها من ثورة الاتصالات والمواصلات وتكنولوجيا الإعلام والطفرة الرقمية (الديجيتال) واقتصاد المعرفة والذكاء الاصطناعى.
ويفترض أن تشارك 64 دولة مع الصين فى تنفيذ المبادرة، علما بأن المشاريع المرشحة تقدر ﺑ 900 مشروع، وتبلغ حجم الاستثمارات 800 مليار دولار أمريكى. وخلال العام الحالى 2024، ستنبثق عنها تشكيلة موحدة وشبكة موحدة لمناطق التجارة الحرة المتميزة، بمعايير عالية بين الدول الواقعة على امتدادها، وتتحول بفضلها الممرات الاستراتيجية المؤدية إلى بحر البلطيق والبحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندى إلى ممرات مائية مترابطة وآمنة. وحسبما يقول مؤلف الكتاب، ستكون فى العام 2049 رابطة مشتركة من المصالح والمسئوليات والمصير فى السياسة والمنشآت والتجارة والتمويل وعلاقات الشعوب.
حين دعت الصين لهذه المبادرة العملاقة، انطلقت من ثلاثة مبادئ هى: التشاور والتشارك والتنافع فى النقاش والبناء والفوائد، على أساس العدالة والمصلحة. فهل ستتفلت هذه المبادرة عن قوانين العولمة، خصوصا بوجهها المتوحش؟ يجيب عن هذا السؤال دعاة المبادرة بالقول: إنها ستكون عولمة متسامحة على عكس العولمة الغربية، التى أخضعت شرق العالم وأريافه ومدنه ومناطقه القارية لمناطقه الساحلية وللغرب عموما.
ولكن ما هى ملامح العولمة المتسامحة؟ يقول أنصار العولمة، ذات الوجه الإنسانى، إنها ستتسم بالتوازن وبتبادل المنفعة، خصوصا بربط آسيا بأوروبا وإفريقيا، وبالاستفادة من مسيرة التصنيع الصينى خلال اﻟ35 عاما المنصرمة، والتى انتقلت من الحضارة الزراعية إلى الحضارة الصناعية والمعلوماتية، حيث تعتبر الصين اليوم إحدى الدول الكبيرة الرائدة على المستوى العالمى.
ربما ذلك يؤكد نظرية الأوراسيا (أوروبا وآسيا)، التى قيل عنها قلب العالم، ومن يتحكم فيه يستطيع السيطرة على العالم، فهل يمكن تجاوز «المركزية الغربية»؟ وهل سيكون القرن الحالى صينيا؟ أم ثمة واقع أخذ يتشكل؟ وهو تعددية الأقطاب، حيث تتنوع المصالح وتتشابك المنافع وتتفاعل المستلزمات، وسوف لا يكون مركزا واحدا، بل ثمة مراكز متعددة وأشكال متنوعة على أساس الترابط والتواصل.
وللمبادرة بعد جغرافى وآخر إنسانى، وهذا هو الأهم، أى المشتركات الإنسانية، التى تربط البشر، بغض النظر عن خلفياتهم الفكرية وقومياتهم ودياناتهم ولغاتهم وأجناسهم ولون بشرتهم وانحدارهم الاجتماعى، وستؤدى العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدان والشعوب التى تشملها المبادرة إلى اقترابها من بعضها، فى ظل أوضاع سلمية وعلى أساس المساواة والعدالة والمصالح المشتركة والمنافع المتبادلة، وذلك هو ما يحتاج إليه العالم.
ويعتبر الممر الهندى، الذى يربط جنوب آسيا بأوروبا عبر الخليج العربى والشرق الأوسط، والذى قررته قمة العشرين (2023) المنعقدة فى نيودلهى، منافسا لمبادرة الطريق والحزام، التى رسمت طريقها الصين باستراتيجية تنموية كاملة ومشتركة، تقوم على ثلاثة أبعاد:
أولها ــ البعد الزمانى، ما بين الماضى والحاضر؛ وثانيها ــ البعد المكانى، والمقصود بذلك الدول التى يمتد إليها الحزام والطريق؛ وثالثها ــ البعد الذاتى، أى قدرة المبادرة على دفع عملية التنمية؛ وحل المشكلات العالمية، وأولها الفقر وردم الفجوة بين الغنى والفقر فى ظل نظام يقوم على الإدارة الرشيدة «الحوكمة».
حتى الآن، وقعت الصين على اتفاقيات للتعاون فى بناء «الحزام والطريق» مع أكثر من 30 دولة، واتخذت العديد من المنظمات الدولية موقفا إيجابيا منها بما فيها الأمم المتحدة. ولعل ذلك ما أثار حفيظة واشنطن، التى تعتقد أن الصين تسعى إلى فرض الهيمنة على التكامل الأوروآسيوى، إضافة إلى وضع نظام بريتون وودز الصينى موضع التطبيق، وهو نظام نقدى تستند فيه الوحدة الاقتصادية القياسية على كمية ثابتة من الذهب (المعيار الذهبى)، والسعى لاستعادة تايوان، والتعتيم على هدر حقوق الإنسان فى التيبت، وإيجاد حل لمشكلة طاقة الإنتاج الفائضة، وتلك خشية الغرب، وخصوصا الولايات المتحدة، من منافستها على القيادة.
حتى لو نجحت المبادرة وأحدثت تأثيرات كبيرة جيوسياسية وجيواقتصادية لصالح الصين، لكنها لا تلغى دور الولايات المتحدة، علما بأن الصين من جانبها تبذل جهودا إيجابية للتعاون مع الولايات المتحدة، بما يعزز التنمية الاقتصادية ويحقق الاستقرار العالمى والإقليمى.
التعليقات