ليس بالحروب وحدها.. نُحصّن أمننا الإقليمى - مواقع عربية - بوابة الشروق
السبت 19 يوليه 2025 12:59 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما هي توقعاتك لمصير وسام أبو علي في المرحلة المقبلة؟


ليس بالحروب وحدها.. نُحصّن أمننا الإقليمى

نشر فى : الجمعة 18 يوليه 2025 - 9:10 م | آخر تحديث : الجمعة 18 يوليه 2025 - 9:10 م

الصراع بين إسرائيل وإيران ليس مجرد مواجهة عسكرية، بل هو صراع أعمق من ذلك بكثير، وفى ضوء نتائجه، يُمكن أن تتضح قواعد الاستقرار واللااستقرار فى المنطقة وتوازنات القوى التى لم تعد تقتصر على القوة العسكرية (الصلبة)، بل تشمل القوة الناعمة (كالدبلوماسية والثقافة) والقوة الذكية (التكنولوجيا).

يُعتبر الخلاف الأيديولوجى بين إيران وإسرائيل أحد الأسباب الرئيسية للعداء بينهما. فإيران تعتبر زوال إسرائيل هدفًا استراتيجيًا (من خلال رفعها شعار «إزالة إسرائيل من الوجود»)، بينما ترى إسرائيل أن عقيدة النظام الإيرانى «تُشكل تهديدا وجوديا لها» (كما بيّن لنا خطاب رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو فى العام 2018 أمام الأمم المتحدة حين عرض خريطة التهديد النووى الإيرانى). هذا العداء المتبادل يجعل المنطقة ساحة دائمة للتوتر ويعيق بناء نظام إقليمى مُستقر يُحقّق مصالح شعوبها.

فى هذا السياق، تطرح إسرائيل «خطة درع إبراهام»، سعيا إلى بناء تحالف شبيه بـ«حلف بغداد» فى خمسينيات القرن الماضى والذى قادته أمريكا فى مواجهة النفوذ السوفيتى)، لكن العديد من عواصم المنطقة ولا سيما الدول ــ الركائز لا تبدو متحمسة للانخراط فى مشروع لا يُراعى حساباتها ومصالحها بل من شأنه أن يُرسّخ زعامة إسرائيل للإقليم على حساب باقى الأنظمة والشعوب.

يستدعى ذلك أن تبادر هذه الدول إلى صياغة رؤية عربية وإسلامية موحَّدة. وهنا تكمن مسئولية إيران فى المبادرة باتجاه جيرانها دول الخليج سعيا إلى ترجمة ما تنادى به دائما لجهة قيام نظام أمنى خليجى يُديره أهل منطقة الخليج. هذا التحوُّل ــ إن حصل ــ يجعل كل شعوب منطقة الخليج طرفا فاعلا فى الصراع، ويُضعف قدرة الحسم العسكرى التقليدى. يقود ذلك للقول إن الشعوب يجب أن تكون فى صلب أية صياغات وتحالفات، مما يتطلب التركيز على احتياجاتها الواقعية من أجل تحقيق استقرار إقليمى دائم.

معارك اليوم تُمهّد لحرب الغد

للمرة الأولى منذ انتصار الثورة الإيرانية فى العام 1979، تحوَّل ما يُسمى «الصراع الوجودى» بين إسرائيل وإيران إلى مواجهة عسكرية مباشرة، بعدما كانت إيران، ومنذ انتهاء الحرب العراقية الإيرانية فى العام 1988 أبعدت حدودها عن النيران من خلال ما تُسمى «الحروب بالوكالة»، وهو الأمر الذى استوجب دعم الأذرع فى العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن، إلى أن وقعت معركة «طوفان الأقصى» فى السابع من أكتوبر 2023، وما أعقبها من تداعيات وارتدادات فى ساحات عديدة أبرزها فى لبنان وسوريا واليمن.. وصولا إلى ما شهده العالم فى يونيو 2025، وهو تاريخ فاصل تحول خلاله الصراع إلى مواجهة عسكرية مباشرة وغير مسبوقة بين إيران وإسرائيل برغم التباعد الجغرافى بين الاثنتين وهذه ربما تكون حالة غير مسبوقة فى الحروب. هذه المواجهة تتجاوز المساحة أو الساحة العسكرية التقليدية وتخضع لقواعد جديدة تشمل الأدوات الاقتصادية والتكنولوجية والدبلوماسية والإعلامية والنفوذ السياسى (على سبيل المثال تُشبه الحرب على إيران حصار الحلفاء لألمانيا فى الحرب العالمية الأولى ما يُبرز تأثير العوامل غير العسكرية). هذا التحول يُؤشر لعجز الأدوات العسكرية التقليدية عن تحقيق حسم نهائى لأى معركة مع تراجع دور الأيديولوجيا ودخول مصالح الشعوب كعامل مؤثر فى حسم الصراع. بالنتيجة لم تعد المعارك العسكرية والحلول الأمنية وحدها كفيلة بتحقيق الاستقرار الإقليمى فى ظل تنامى دور عوامل أخرى لا سيما الاقتصادية والاجتماعية والدبلوماسية والإعلامية.

تعاظم دور القوى الكبرى إقليميا

لا يُمكن اعتبار الصراع بين إسرائيل وإيران مجرد صراع إقليمى محدود، بل مواجهة شاملة تتداخل فيها العوامل العسكرية والسياسية والاقتصادية بما لا ينفصل عن صراع القوى الكبرى على النفوذ الإقليمى وإعادة صياغة نظام دولى جديد. وبينما تقف إسرائيل كحليف استراتيجى للغرب، تسعى إيران إلى أن تكون جزءًا من منظومة دولية وإقليمية تسعى إلى تكريس النظام الدولى متعدد القطبية، بحيث تتقدم أدوار دول مثل روسيا والصين فضلا عن أدوار عواصم إقليمية مثل تركيا وباكستان، وهذا الأمر يُحوّل المنطقة إلى ساحة للتنافس الدولى (ما يتماهى على مستوى الأثر مع دور تركيا فى حلف الناتو خلال الحرب الباردة وتحالف مصر مع الاتحاد السوفيتى فى المرحلة نفسها. وتُعتبر مصر وتركيا من الدول المركزية تاريخا وحضارةً وهو ما ينطبق على إيران تاريخيا وراهنا).

يحصل كل ذلك فى ظل سعى أمريكى إلى إحداث تحوُّل جوهرى فى الشرق الأوسط لمصلحة ضمان أمن إسرائيل والتطبيع الكامل مع معظم دول المنطقة، وهذا الأمر يتطلب بناء نظام إقليمى جديد يتناسب مع هذه المهمة وبما يضمن احتواء دور أية دولة أو قوة تتحدى المصالح الأمريكية والإسرائيلية، فضلا عن ملء أى فراغ يُمكن أن ينشأ تستطيع أن تتسلل من خلاله الصين أو روسيا. هذه التغيُّرات تفرض على القوى الإقليمية والدولية إعادة النظر فى استراتيجياتها تجاه المنطقة، والانتقال من منطق المواجهة الأيديولوجية إلى البحث عن مصالح مشتركة تستجيب لتطلعات الشعوب وتُحقق الاستقرار السياسى. على سبيل المثال، تحولت أوروبا من ساحة حرب (الحرب العالمية الثانية) إلى اتحاد اقتصادى وسياسى عبر «معاهدة روما» (1957) التى كرّست التعاون على أساس المصالح المشتركة (الفحم والصلب… إلخ).

من الأيديولوجيا إلى المصلحة الشعبية

لم تعد الأيديولوجيا كافيةً لضمان استمرار القوى الإقليمية فى أدوارها، بل أصبحت المقبولية الشعبية هى المعيار الأساس لنجاح أى مشروع سياسى. وفيما تحاول إسرائيل إغراء دول المنطقة بضمانات الحماية («خطة درع إبراهام» نموذجا)، تواجه قوى الإسلام السياسى تحديات فى المواءمة بين خطابها الأيديولوجى واحتياجات الشعوب التى تتطور بحسب متطلبات العصر؛ وبالتالى يتعيّن على هذه القوى صياغة رؤى ومشاريع أكثر واقعية تدمج بين مبادئها وأفكارها السياسية والدينية وتطلعات واحتياجات الشعوب لضمان الاستمرارية فى الدور السياسى.

بالنتيجة، كل المشاريع التى تُهمل المصالح الاقتصادية للشعوب محكوم عليها بالفشل. على سبيل المثال، فشل التقسيم الاستعمارى (سايكس بيكو) لأنه تجاهل مصالح الشعوب، بينما نجح «مشروع مارشال» فى أوروبا لأنه ركّز على إعادة الإعمار الاقتصادى بعد الحرب العالمية الثانية.

القوة الشاملة بديلا للنموذج التقليدى

تُظهر التحولات الدولية والإقليمية أن الأدوات العسكرية وحدها عاجزة عن تحقيق انتصارات حاسمة، ما يستدعى تبنى مفهوم «القوة الشاملة» الذى يجمع بين العوامل السياسية والاقتصادية والثقافية إلى جانب القوة العسكرية. على اللاعبين الإقليميين الخروج من الاعتماد على الخطابات الأيديولوجية أو القوة العسكرية وإعادة هيكلة استراتيجياتهم لتعزيز شرعيتهم السياسية عبر مشاريع وبرامج تنموية تُحقق التواصل الفعّال مع الشعوب.

على سبيل المثال، فيما يخص حركات الإسلام السياسى، انتصرت الثورة الإسلامية فى إيران عام 1979 لأنها تبنت مشروع العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات برغم الصبغة الإسلامية للنظام. كذلك تُشكل تركيا نموذجا فى السعى (منذ 2002) للجمع بين القوة العسكرية والنفوذ الاقتصادى (الاستثمارات فى إفريقيا) والدبلوماسى (الوساطة فى الأزمات).

على المستوى الإقليمى، تسعى إسرائيل للتحول إلى قوة إقليمية من خلال الاستثمار فى التكنولوجيا (الزراعة الذكية، الأمن السيبرانى) والتحالفات الاقتصادية (اتفاقيات الغاز مع قبرص واليونان). كذلك تقود السعودية مرحلة «ما بعد النفط» من خلال الاستثمار فى قطاعات عديدة بينها السياحة والذكاء الاصطناعى، ويسرى ذلك على دولة الإمارات، وذلك تحت سقف عدم الرهان على أبدية قطاع النفط والغاز.

نحو أمن إقليمى مستدام

هذه التحولات تُلزم القوى الإقليمية بإعادة تقييم أدوارها وفق معايير المرحلة الجديدة التى تسمح بتحقيق استقرار إقليمى، حيثُ أصبحت الشرعية الشعبية والمرونة السياسية عاملا حاسما فى تحديد موازين القوى، مع الحاجة للتركيز على المصالح المشتركة للشعوب بدل الصراعات الأيديولوجية.

تُعبِّر «خطة درع إبراهام» عن مشروع تعاونى إقليمى تُروج له إسرائيل لتعزيز مصالحها وتحويل نفسها من لاعب وظيفى إلى قائد إقليمى، ما يُهدد باختزال القضية الفلسطينية فى معادلة أمنية جديدة خاضعة للمصالح المشتركة لكن كما تراها إسرائيل. وبرغم تفوق الرؤية الاستراتيجية الإسرائيلية فإن الخطة تظل غير قابلة للتبنى لتناقضها مع مصالح شعوب المنطقة.

فى المقابل، يُظهر غياب الرؤية الموحَّدة لدى القوى العربية والإسلامية، وجود حاجة ملحّة لصياغة مشروع إقليمى بديل يعكُس تطلعات الشعوب ويضع هذه القوى أمام فرصة تاريخية للتحول إلى قوى فاعلة فى صياغة المعادلة الجديدة للاستقرار (نموذج الاتحاد الأوروبى الذى نجح فى تحويل عداوات تاريخية بين فرنسا وألمانيا إلى تعاون اقتصادى).

محمد على جعفر

موقع 180

النص الأصلي 

التعليقات