مايسترو الدم.. الجرائم اليومية بين إدارة التوحش وصناعة الفوضى - مواقع عربية - بوابة الشروق
الخميس 7 أغسطس 2025 10:32 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

مايسترو الدم.. الجرائم اليومية بين إدارة التوحش وصناعة الفوضى

نشر فى : الخميس 7 أغسطس 2025 - 7:55 م | آخر تحديث : الخميس 7 أغسطس 2025 - 7:55 م

نشر موقع 180 مقالا للكاتب عبدالحليم حمود، تناول فيه أن الفوضى والفظائع التى أصابت بعض الدول العربية ليست مجرد نتيجة حروب عشوائية أو صراعات داخلية، بل هى جزء من استراتيجية مدروسة تُعرف بـ«إدارة التوحش»؛ حيث تتحالف القوى الدولية والإقليمية مع تجار الحروب لتوظيف الفوضى والعنف كأدوات للسيطرة، وإعادة تشكيل المجتمعات، وتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، بما فى ذلك تجارة السلاح واستنزاف الموارد البشرية.. نعرض من المقال ما يلى:
فى كل يوم، من غزة إلى السويداء، ومن اليمن إلى حرب الجنرالات فى الخرطوم، تُقدّم الإحصاءات جثثًا جديدة ببرود الأرقام، بينما تتحول الفظائع اليومية إلى جزء من الإيقاع العادى للمنطقة. ما يحدث هنا أكبر من حروب متقطعة أو انتكاسات محلية، إنه هندسة مُحكمة للفوضى، يقودها مايسترو غير مرئى، هو تحالف المصالح الدولية والإقليمية وتجار الدم، فى ما يمكن تسميته بـإدارة التوحش: جعل الفظاعة نظامًا، والفوضى أداة للحكم.
فى السنوات الأخيرة، بدا أن المنطقة تتجه نحو تبريد نسبى للمحاور الإقليمية: مصالحات وصيغ تهدئة، لكن هذا التبريد لم يحمل علامات الاستقرار بل تسكينا لجراح لا تلتئم. كل ما فى الأمر أنها هدنة مسمومة؛ سلام مُعلّق فوق حقل ألغام، حيث الفتن الطائفية والعرقية والجراح الاجتماعية لم تُعالَج، بل تُركت لتختمر، ولتكون وقودًا جاهزًا لإشعال الجمر تحت الرماد كلما استدعت المصلحة. وبالفعل بقيت تلك الفوهات الملتهبة فى حالات جهوزية لأى محرّك داخلى أو خارجى.
المصطلح الذى ظهر فى أدبيات الجماعات الجهادية «إدارة التوحش» كان يُقصد به خلق بيئات من الفوضى والهلع لإعادة تشكيل المجتمعات. لكن المدهش أن هذا المفهوم خرج من الأدبيات المتطرفة ليصبح تكتيكًا معتمدًا لدى دول كبرى: ترك مساحات من العنف والفوضى دون حسم، لتُستخدم كأدوات ضبط وإدارة.
فى العراق بعد 2003: سمح فراغ السلطة الذى تركه الاحتلال الأمريكى بولادة فوضى طائفية مقصودة، تُستخدم للضغط السياسى وإعادة تشكيل الخريطة المجتمعية.
فى سوريا بعد 2011: تحولت البلاد إلى ساحة تجريب لمعادلات «دع الفوضى تتوسع لتُرغِم الخصوم على التفاوض»، وهو ما استفادت منه قوى إقليمية ودولية لتثبيت مكاسبها.
فى ليبيا بعد 2011: تُركت الميليشيات لتتناحر، بينما تحولت البلاد إلى مساحة تفاوض غير معلنة بين أوروبا وروسيا وتركيا، ضمن نموذج «فوضى مضبوطة».
بهذا المعنى، الجرائم الإسرائيلية اليومية فى غزة أو غيرها ليست انحرافات عابرة، بل جزء من بنية مدروسة: ترك المجتمعات تنهك، لتصبح أكثر طواعية لحلول تُفرض من الخارج.
• • •
يوازى هذا البعد الاستراتيجى اقتصاد حرب ضخما: المنطقة هى المختبر الأكثر نشاطًا لتجريب الأسلحة الجديدة.
غزة: ميدان لاختبار القنابل الذكية والذخائر الدقيقة فى مساحات مأهولة ومكتظة.
سوريا: منصة لتجريب التكتيكات الجوية الروسية والأسلحة الكيميائية وفعالية الدفاعات الغربية.
اليمن: حقل تجارب للطائرات المسيّرة وأنظمة الدفاع الجوى.
وفقًا لتقارير SIPRI، استحوذت منطقة الشرق الأوسط على أكثر من 32% من تجارة السلاح العالمية بين 2018 و2022، لتصبح أكثر مناطق العالم استهلاكًا للسلاح نسبةً إلى عدد السكان. الدم هنا ليس نتاج الفوضى فحسب، بل منتَج استراتيجي يُسوّق عبره السلاح ويُعاد تدوير النفوذ.
وسط هذه اللعبة، يصبح الإنسان أرخص عناصر المعادلة: اللاجئ أداة تفاوض فى صفقات إعادة التوطين، والمهاجر الرخيص أحد أعمدة اقتصاديات الخليج وأوروبا، والمقاتل وقود يُستنزف فى حروب الوكالة. القيمة البشرية فى هذه السوق تُقاس بالجدوى لا بالكرامة: من قيمة الرهينة فى المساومات، إلى ثمن العامل فى اقتصاديات الظل، إلى تكلفة المقاتل فى ساحات الوكالة.
• • •
الغرب يتعامل مع هذه الفظائع بوجهين: وجه علنى أخلاقى فى المؤتمرات، يتحدث عن «القانون الدولى» و«حقوق الإنسان». ووجه براجماتى خفى يبرر استمرار صفقات السلاح ودعم الأنظمة بحجة «حفظ الاستقرار». حتى تقارير «هيومن رايتس ووتش» (منظمة العفو الدولية)، التى توثق الفظائع اليومية، تتحول إلى أدوات ضغط سياسية أكثر منها منصات للمساءلة أو التغيير.
ليست الجرائم اليومية فى المنطقة أعراضًا جانبية لحروب عشوائية، بل جزء من نظام ضبط استراتيجى؛ حيث تتحكم القوى الكبرى بما يشبه مايسترو الدم: تتحكم بجرعات الفوضى، وتضبط توقيت اشتعال الجبهات أو تبريدها، وتعيد رسم الخرائط عبر إدارة التوحش لا القضاء عليه، ولا يمكننا إهمال الجذور السيكولوجية للدول، حيث تبقى الغرائز عنصرا محرّكا للتوثب على ملكيات الغير، والاستحواذ على الثروات، رفقة الرغبات بغرز الأنياب فى اللحم، كمتعة مقترنة بالأمان، حيث عودة الإنسان الأول إلى كهفه حاملاً الطريدة، لتكون غذاء للقبيلة.
النص الأصلى:
https://tinyurl.com/4yjjhc2m

التعليقات