معايير جديدة لمفاوضات بيليم.. لاهاي ترفع سقف المحاسبة المناخية - مواقع عربية - بوابة الشروق
الإثنين 4 أغسطس 2025 12:00 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

معايير جديدة لمفاوضات بيليم.. لاهاي ترفع سقف المحاسبة المناخية

نشر فى : الأحد 3 أغسطس 2025 - 8:15 م | آخر تحديث : الأحد 3 أغسطس 2025 - 8:15 م

الحقّ فى العيش فى بيئة نظيفة وصحّية ليس امتيازا، بل هو أساس لضمان حقوق الإنسان للأجيال الحالية والقادمة، ومبدأ «الملوِّث يدفع» لم يعد خيارا أخلاقيا، فإذا فشلت الحكومات فى الحدّ من استخدام الوقود الأحفورى، أو وافقت على مشاريع جديدة له، أو استثمرت الأموال العامّة فى هذا القطاع، قد تكون بذلك منتهِكةً للقانون الدولى، فالتحرّك المناخى لم يعد مجرّد رأى أو ساحة للجدل السياسى، بل هو واجب تفرضه قواعد القانون الدولى، ولا يقتصر على المعاهدات المناخية. هذا باختصار ما خلصت إليه محكمة العدل الدولية فى رأيها الاستشارى التاريخى، الذى اتّخذته بالإجماع فى 23 يوليو 2025.

استندت المحكمة فى تعليلها إلى علم المناخ، وإلى استنتاجات الهيئة الحكومية الدولية المعنيّة بتغيّر المناخ (IPCC) والتى أشارت إلى أنها باعتبار معظم المشاركين، تقدّم أفضل الأدلّة العلمية المتاحة حول أسباب تغيّر المناخ وطبيعته وآثاره.

• • •

رغم طابعه غير الملزم، يتمتّع الرأى الاستشارى الصادر عن محكمة العدل الدولية بثقل قانونى ومعنوى كبير، بالنظر إلى مكانتها القضائية العليا ودورها المحورى فى تفسير قواعد القانون الدولى وتطويرها.

ويُعدّ هذا الرأى الاستشارى نقطة تحوّل تاريخية فى مسار مفاوضات المناخ فى طريقها إلى قمّة بيليم، خاصّة بعدما حاول العديد من الدول خلال جلسات الاستماع التى عُقدت فى لاهاى قبل سبعة أشهر، التنصّل من مسئوليّاتها، بالتذرّع بأن اتّفاق باريس يُشكّل نهاية التزاماتها تجاه أزمة المناخ. لكنّ المحكمة أرست قاعدة قانونية جديدة، تدمج العدالة المناخية ضمن الإطار الأوسع للقانون الدولى، وتُحمّل الدول مسئوليّاتها القانونية حتى خارج الإطار التعاهدى.

واعتبر «مركز القانون البيئى الدولى» CIEL، هذا التطوّر «انتصار داود على جالوت»، مشيرا إلى أن «ما بدأ بمبادرة طالبية فى منطقة المحيط الهادئ، تحوّل إلى لحظة مواجهة عالمية ـــــ عهد جديد من القوّة القانونية للشعوب والمجتمعات الواقعة فى الخطوط الأمامية لأزمة المناخ».

تُلزَم المحكمة، بموجب المادّة 38 من نظامها الأساسى، بأخذ جميع مصادر القواعد القانونية بعين الاعتبار، بما فى ذلك تلك التى تسبق الاتّفاقيات الدولية، والتى غالبا ما تكون خاضعة لحسابات سياسية واقتصادية، وذلك عند إصدار آرائها.

وفى هذا السياق، قالت سينتيا هونييوهى طالبة حقوق فى جامعة المحيط الهادئ ورئيسة منظّمة «الشباب من أجل العدالة المناخية»، التى قادت حملة طلب الرأى الاستشارى من محكمة العدل الدولية، فى مقابلة مع «درج»: «نجحت المحكمة فى دمج غير مسبوق لأنظمة قانونية متعدّدة ــــــ كقانون المعاهدات، والقانون الدولى العرفى، وقانون حقوق الإنسان، وقانون البحار – فى واجب موحّد وملزِم لحماية المناخ»، وأضافت: «لم يعد بإمكان الدول الادّعاء بأن الالتزام باتّفاق باريس كافٍ، فهى باتت تواجه التزامات قانونية متعدّدة المصادر، بغض النظر عن مشاركتها فى الاتّفاقيات الدولية».

وأكّدت المحكمة أن المعاهدات الدولية أو القانون الدولى العرفى، الذى يكرّس مبادئ حقوق الإنسان كأساس ملزم للدول، تُعدّ جزءا لا يتجزّأ من الإطار القانونى للقضيّة.

ويكتسب هذا الرأى بعدا جديدا حين يُطبّق على قرارات سياسية كبرى، مثل انسحاب بعض الدول من اتّفاق باريس، أو تقاعسها عن الوفاء بالتزاماتها المناخية.

ففى فبراير من العام 2025، أعلن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب انسحاب الولايات المتّحدة من اتّفاقية باريس للتغيّر المناخى، مشيرا إلى أن بلاده ستتوقّف عن تنفيذ الاتّفاق بالكامل، بما فى ذلك المساهمة الوطنية المحدّدة والمساهمات فى صندوق المناخ الأخضر.

قالت المتحدّثة باسم البيت الأبيض تايلور روجرز، لوكالة «رويترز» تعليقا على رأى العدل الدولية «كما هو الحال دائما، يلتزم الرئيس ترامب والإدارة بكاملها بوضع أميركا أوّلا وإعطاء الأولوية لمصالح الأمريكيين العاديين».

أما جوى تشودهورى المحامية البارزة فى «مركز القانون البيئى الدولى»، فأوضحت أن «هذا الرأى يطبّق القانون الدولى الملزم الذى سبق للدول أن التزمت به، وستنظر المحاكم الوطنية والإقليمية إلى هذا الرأى كمصدر سلطة إقناعية، وسيُسهم فى توجيه أحكام ذات آثار مُلزمة ضمن أنظمتها القانونية الخاصّة».

• • •

جاء هذا الاعتراف تتويجا لعقود من النضال خاضها نشطاء ومجتمعات متضرّرة وعلماء قانون، طالبوا خلالها بأن تُعامل البيئة بوصفها جزءاً لا يتجزّأ من منظومة الحقوق الأساسية للإنسان.

وشكّلت قرارات مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامّة للأمم المتّحدة بشأن الاعتراف بالحقّ فى بيئة نظيفة وصحّية ومستدامة، محطّات أساسية فى مسار ترسيخ هذا الحقّ على الساحة الدولية، رغم طابعها غير الملزم قانونا. فقد وفّرت هذه القرارات أرضيّة أخلاقية وسياسية قوّية دفعت نحو تحويل المطالبة البيئية إلى قضيّة حقوق إنسان مركزية.

خلصت المحكمة إلى أن «الحقّ فى الحياة وفى بيئة نظيفة وصحّية ومستدامة، هو شرط مسبق للتمتّع بحقوق الإنسان بموجب القانون الدولى».

 

• • •

يؤدّى تغيّر المناخ إلى ازدياد حالات النزوح والهجرة القسرية، نتيجة الكوارث البيئية مثل ارتفاع درجات الحرارة، وذوبان الجليد، وازدياد الفيضانات وحرائق الغابات، ما يُجبر العديد من السكّان على مغادرة أراضيهم. إلا أن هؤلاء لا يُصنّفون ضمن الفئات المحميّة بموجب اتّفاقية اللاجئين للعام 1951، ما يترك المهاجرين بسبب التغيّر المناخى خارج إطار الحماية القانونية التى توفّرها الاتّفاقية.

ويُمهّد الرأى الاستشارى لمحكمة العدل الدولية الطريق نحو تطوير أطر قانونية أوسع، تعترف بتغيّر المناخ كسبب جوهرى للهجرة القسرية، من خلال تعزيز التزامات الدول فى حماية حقوق الإنسان.

وفى هذا السياق، أكّدت المحكمة أهمّية مبدأ عدم الإعادة القسرية، بوصفه حجر الأساس فى حماية الأشخاص المهدّدين بسبب آثار تغيّر المناخ، ومنع إعادتهم إلى أوضاع تُعرّض حياتهم أو كرامتهم للخطر.

• • •

نقلت لاهاى مفاوضات بيليم إلى مستوى جديد من الالتزام والمساءلة. فعلى بُعد أشهر قليلة من الذكرى السنوية العاشرة لاتّفاقية باريس، أكّدت المحكمة أن الاتّفاقية؛ وإن لم تكن الوحيدة، تشكّل ركيزة أساسية فى النظام القانونى المناخى، وأن الحدّ من ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية، كما نصّت عليه الاتّفاقية فى عام 2015، هو المرجع الوحيد الجدّى والفعلى لتحديد ما هو مقبول من الناحية المناخية.

ورغم أن الأسئلة المقدّمة إلى المحكمة لم تتضمن رأيا مباشرا حول مسئوليّة الدول فى إنتاج الوقود الأحفورى، فإن المحكمة رفعت سقف المساءلة بمنحها معيارا ثانيا لمفاوضات بيليم. فقد اعتبرت أن «فشل الدولة فى اتّخاذ إجراءات مناسبة لحماية النظام المناخى من انبعاثات الغازات الدفيئة، بما فى ذلك من خلال إنتاج الوقود الأحفوري، أو استهلاكه، أو منح تراخيص استكشافه، أو تقديم الدعم المالى له، قد يُشكّل فعلاً غير مشروع على المستوى الدولى».

بهذا، تكون المحكمة قد رسمت مسارا قانونيا واضحا نحو العدالة المناخية، مؤكّدة حقّ كلّ دولة متضرّرة فى تفعيل مسئوليّة أى دولة أخرى ارتكبت فعلًا غير مشروع، أدّى إلى الإضرار بالنظام المناخى أو بأجزاء من البيئة.

وفى بيان اعتبر خبراء مستقلّون فى حقوق الإنسان معيّنون من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتّحدة أنه «على كلّ دولة، ولا سيّما الدول التى كانت ولا تزال من بين الأعلى فى الانبعاثات، أن تطبّق ما ورد فى رأى محكمة العدل الدولية، وأن تعتمد عليه كأساس لتصحيح مسار جهودها المناخية على المستويين الوطنى والدولي، بما يشمل مفاوضات الأمم المتّحدة المقبلة بشأن التلوّث البلاستيكى ومؤتمر المناخ COP30 فى البرازيل».

وبينما يُمهّد الرأى الاستشارى لأرضيّة قانونية غير مسبوقة، لا يتوقّف دوره عند حدود التفسير، بل يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من المفاوضات، تبدأ من غابات الأمازون. وكما قالت هونييوهى: «بعد صدور الرأى، تبدأ الخطوة التالية: أن تبدأ الحكومات والمجتمع المدنى بتحليل هذا المستند بعمق، لفهم كيفية استخدامه فى دعم الجهود القائمة لتحقيق العدالة المناخية. هذا هو جوهر الحملة: إدخال عنصر مفصلى يعزّز موقع الحركات المناخية الحالية».

فهل تبدل لاهاى قواعد اللعبة ليحمل «نصّ بيليم» المرتقب لغة العدالة المناخية؟ وهل يُترجم الحقّ فى بيئة صحّية إلى التزام فعلى بالتخلّى عن الوقود الأحفورى؟ وهل سيُحاسب المسئولون عن الكارثة المناخية، بدلاً من أن تُلقى كلفتها على كاهل المجتمعات الأكثر هشاشة وتهميشا؟

رنين عواد

موقع درج

النص الأصلي 

التعليقات