إيران وإسرائيل.. من حرب الظل إلى المواجهة المباشرة - من الفضاء الإلكتروني «مدونات» - بوابة الشروق
الأربعاء 1 مايو 2024 7:34 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إيران وإسرائيل.. من حرب الظل إلى المواجهة المباشرة

نشر فى : الخميس 18 أبريل 2024 - 11:55 م | آخر تحديث : الخميس 18 أبريل 2024 - 11:55 م

نشرت مدونة ديوان التابعة لمركز كارنيجى مقالا لمديرة مركز مالكوم كير – كارنيجى للشرق الأوسط، مهى يحيى، فى ضوء شنّ إيران هجومًا على إسرائيل ردّا على قصف قنصليتها فى دمشق، فى 14 أبريل الجارى.
وصفت الكاتبة الهجوم بأنه كان دراميًا ودون التوقعات، أما الحملة الترويجية للردّ الإيرانى فكانت جديرةً بجائزة أوسكار، ولا سيما صور إطلاق الطائرات المسيّرة ثم الصواريخ من إيران باتّجاه إسرائيل. إذ شكّلت هذه العملية خروجًا من حرب الظل الدائرة بين الجانبَين منذ عقود، نحو المواجهة العلنية والمباشرة.
تضيف الكاتبة: يبدو أن الهجوم فرض قواعد اشتباكٍ جديدة. فقد صرّح القائد العام للحرس الثورى، حسين سلامى، للتلفزيون الإيرانى أن طهران كرّست «معادلة جديدة [مع إسرائيل]. من الآن فصاعدًا، إذا هاجم النظام الصهيونى مصالحنا أو أصولنا أو شخصياتنا أو مواطنينا فى أى وقت، فسوف يُقابَل بهجوم مضادّ من الجمهورية الإسلامية الإيرانية». فى الواقع، دفعت التوترات بين إيران وإسرائيل منطقة الشرق الأوسط إلى شفير الهاوية، وأصبح خطر اندلاع حرب إقليمية أكبر من أى وقتٍ مضى.
•  •  •
خلال السنوات الماضية، بقى ردّ إيران على قصف إسرائيل مواقع تابعة لها فى سورية محدودا، بينما سعت إلى تعزيز شراكاتها الاستراتيجية فى مختلف أنحاء المنطقة، بالتزامن مع حرصها على تفادى نزاعٍ إقليمى أوسع يستوجب تدخّل الولايات المتحدة ودول أخرى. لكن قصف القنصلية شكّل اعتداءً على أرضٍ إيرانية ذات سيادة، ما قد يشجّع إسرائيل على شنّ هجمات مباشرة على الداخل الإيرانى إن لم يُقابَل بردّ.
منذ 7 أكتوبر، رأت إيران فى الحرب على غزة فرصةً لحشد وكلائها وشركائها من أجل توطيد نفوذها الإقليمى وزعزعة استقرار المنطقة. فقد أسفرت هجمات حركة أنصار الله فى اليمن عن تعطيل حركة التجارة العالمية فى البحر الأحمر، فيما يواصل حزب الله الضغط على حدود إسرائيل الشمالية متسبّبًا بنزوح نحو 80 ألف مواطنة ومواطن إسرائيلي. كذلك، ساهم تحسّن العلاقات بين إيران والدول العربية المجاورة الحريصة على تفادى نزاعٍ أوسع، فى القبول بنفوذ طهران الإقليمي. فهى استغلّت عوامل عدّة لخدمة مصالحها الخاصة، من ضمنها تراجع مكانة إسرائيل عالميًا نتيجة تورّطها فى غزة، والمأزق الأخلاقى الذى يعيشه الغرب أمام المذابح المُرتكَبة فى القطاع، وعجز الولايات المتحدة عن وقفها. وقبل الجولة الراهنة من الصراع، بدا أن القضية الفلسطينية أصبحت عبئًا على دول الخليج. لكن الاستنكار العارم فى مجتمعات المنطقة والعالم إزاء الوضع فى غزة ولّد سلسلةً من ردود الفعل تجاه الهجوم الإيرانى ضدّ إسرائيل، تراوحت بين رضا عن وقوف طرفٍ فى وجهها، وأسفٍ لأن إيران هى من فعلت ذلك، وقلقٍ ممّا سيحدث فى المرحلة المقبلة.
اختارت إيران الردّ على إسرائيل بشكل مباشر، وليس عبر وكلائها، وحرصت على عدم إشعال صراعٍ إقليمى. وقد أبلغت طهران الولايات المتحدة ودول المنطقة بنيّتها شنّ هجوم على إسرائيل قبل 72 ساعة من وقوعه. ونظرًا إلى بطء الطائرات المسيّرة الإيرانية، تسنّى لإسرائيل الاستعداد لها قبل بلوغها المجال الجوى الإسرائيلي. وفيما اعتبر البعض أن الهجوم الإيرانى شكّل فشلًا ذريعًا ومُحرجًا، إذ لم يصل سوى عددٍ قليل من الطائرات المسيّرة والصواريخ إلى الأهداف المحدّدة، رأى البعض الآخر فى هذه العملية محاولةً مدروسة هدفت إلى إعادة إرساء قوة الردع، والكشف عن نقاط ضعف إسرائيل واعتمادها على دعم حلفائها.
أيًّا يكن التفسير الصحيح، من الواضح أن الهجوم كان مجرّد نقطةٍ فى بحرِ ما كان ليحدث لو أن شركاء إيران انضمّوا إلى العملية، ولو أن طهران لم تتوخَّ الحذر الشديد عبر توجيه رسائل كشفت فيها عن نواياها. ولكن إيران، بشنّها هجومًا مباشرًا على إسرائيل، اجتازت خطًّا لا رجعة فيه، يُفسح المجال أمام إسرائيل لتوجيه ضربات عسكرية مباشرة ضدّها.
•  •  •
ومع ذلك تعلق الكاتبة: إذا افترضنا أن الإيرانيين يكترثون لأمر غزة، فالعملية التى نفّذوها قد تشكّل أيضًا خطأ استراتيجيًّا فادحًا لأسباب عدّة. أوّلًا، تَسبّب الهجوم بتراجع أولوية غزة فى جدول الأعمال العالمى، على الأقلّ فى الوقت الراهن، إذ انتهك مقولة نابوليون الشهيرة: لا يجب أبدًا مقاطعة العدو أثناء ارتكابه الأخطاء. فالصدمة العالمية إزاء حصيلة الضحايا المدنيين والمجاعة فى غزة، فى حرب يُنظَر إليها على نطاق واسع بأنها إخفاقٌ استراتيجى وأخلاقى، دفعت حتى بحلفاء إسرائيل المقرّبين إلى التفكير فى احتمال فرض قيود على تسليم الأسلحة إليها. أما اليوم فقد تبدّل هذا النقاش، وحجبت صورةُ إسرائيل وهى تتعرّض للهجوم مشهدَ الأوضاع الإنسانية المروِّعة فى غزة ومقتل عمّال الإغاثة فى منظّمة المطبخ المركزى العالمى. وفى الأيام التى سبقت العملية الإيرانية، أعلنت إدارة بايدن عن استعدادها توفير الدعم اللازم للدفاع عن إسرائيل، بعد الحديث عن تباعدٍ بين الولايات المتحدة وإسرائيل. والآن، تراجع القلق على غزة وحلّ مكانه الحديث عن تصعيد إقليمى. فى غضون ذلك، قد يزداد احتمال حدوث توغّل برّى إسرائيلى فى رفح، بينما تبدو فرص التوصّل إلى وقفٍ لإطلاق النار عن طريق التفاوض والإفراج عن الرهائن أبعد من أى وقت مضى.
ثانيًا، قد يمنح الهجوم الإيرانى مصداقيةً أكبر للموقف الأمنى الإسرائيلى الذى يشجّع على توجيه ضربات استباقية لأعداء إسرائيل، والذى ساهمت أحداث 7 أكتوبر فى تعزيزه. وقد استخدمت إسرائيل هذا المنطق لتبرير حربها على غزة والاجتياح البرّى الذى تنوى شنّه فى رفح، فضلًا عن ضرباتها المتكرّرة على لبنان وتهديداتها بشنّ حرب شاملة ضدّه. وقد نشهد فى الأسابيع المقبلة قبولًا دوليًا أكبر للأعمال العدوانية الإسرائيلية، فيما لم يتّضح بعد ما إذا كان الهجوم الإيرانى قد أعاد فعليًا إرساء «معادلة» الردع التى تحدّث عنها سلامى. ولسوء الحظ أيضًا، منح الإيرانيون رئيس الوزراء الإسرائيلى المأزوم داخليًا، بنيامين نتنياهو، فرصةً لإطالة أمد الحرب والاحتفاظ بسلطات الطوارئ التى تُبقيه فى منصبه.
•  •  •
مع ذلك، تسبّب الهجوم الإيرانى أيضًا بمعضلة لإسرائيل. فعلى الرغم من أنه لم يُحدِث دمارًا واسعًا، كان جريئًا إلى حدٍّ لا تستطيع إسرائيل التغاضى عنه ببساطة. فقد أظهر أن إسرائيل لم يعد بإمكانها مواصلة مسارها التصعيدى ضدّ إيران من دون تكبُّد أى خسائر نسبيًّا. ويجب على إسرائيل أيضًا أن تأخذ فى الاعتبار، قبل إقدامها على أى خطوات مُقبلة، التأثير النفسى على السكان الإسرائيليين، فضلًا عن العبء الاقتصادى للصراع. فالتقديرات تشير إلى أنها أنفقت ما يفوق مليار دولار أمريكى من أجل التصدّى لمسيّرات وصواريخ إيرانية تبلغ قيمتها نحو 300 مليون دولار.
تختتم الكاتبة مقالها: يقع على عاتق المجتمع الدولى إرغام إسرائيل على إنهاء المذابح فى غزة، والتخفيف من حدّة ردّها المُرتقب على إيران، للحئول دون اندلاع نزاعٍ إقليمى يبدو أننا نندفع نحوه بخطىً متسارعة، على الرغم من أن جميع الأفرقاء (باستثناء الحكومة الإسرائيلية) عبّروا عن رغبتهم فى تجنّبه. لا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال تنفيذ وقف إطلاق النار على صعيد المنطقة ككل.

مهى يحيى

النص الأصلي

التعليقات