الحريق الذى نشب فى كنيسة أبو سيفين بالجيزة منذ أيام قليلة، وأودى بحياة العشرات من رواد الكنيسة، شكل حادثًا بشعًا لم تعرف البلاد له مثيلا منذ سنوات. هذا الحادث الأليم الذى تسبب فى مقتل الأبرياء يجب الاستفادة منه حتى لا تتكرر تلك المأساة التى أسالت دماء ذكية لا ذنب لها فى كل ما حدث.
أولا: وقع الحريق نتيجة الإهمال الجسيم، الناتج عن ماس كهربائى بسبب كثافة التحميل على الشبكات الداخلية، نتيجة عمل أجهزة التبريد على المولدات التى تم تركيبها داخل الكنيسة وقت انقطاع التيار الكهربى، وبقاء التشغيل للمولد مع عودة التيار الكهربى، ما أدى إلى وقوع الحريق الضخم.
ثانيًا: كغيره من المنشآت والمبانى المصرية، فاقم من المشكلة تراكم المواد القابلة للاشتعال كالأخشاب وغيرها، كما كان لإغلاق الأبواب المؤدية للمخارج بإحكام، أن زاد من عدد الضحايا، بسبب التزاحم والتدافع للهروب من اللهيب المستعر.
ثالثًا: ارتبط بالمشكلة تضارب المعلومات بين أجهزة الحكومة الخاصة بالإطفاء، وبعض القاطنين. دون أن يعلم أحد إلى الآن الحقيقة. فالطرف الأول يتحدث عن بلاغات بالحريق واستجابة فورية، وبعض القاطنين على مواقع التواصل الاجتماعى يتحدثون عن تأخر غير مبرر فى الوصول إلى مكان الحريق.
رابعًا: يتضح من المظهر العام للمكان أن مشكلة التكدس البنائى فى المكان كانت عاملا مهما فى عدم الوصول لعين المكان، بسبب ضيق الشوارع، وعدم قدرة السيارات للوصول بأجهزة ومواد الإطفاء إلى أقرب مكان ملائم للتغلب على الحريق. والأرجح أن السبب فى ذلك يعود للبناء فى هذا المكان، والذى يبدو أنه حكمه التغلب على القوانين واللوائح التى وضعت قبل إقرار قانون دور العبادة.
خامسًا: أحد أبرز أسباب المشكلة هو الحساسية المتبادلة بين أجهزة الإدارة فى مصر وبين القائمين على دور العبادة فى مصر سواء كانت مساجد أو كنائس. فتلك الأجهزة فى الأغلب الأعم تقوم بدخول المؤسسات العامة والخاصة، وتشرف وتراقب الكثير من الأعمال التى تخص الكهرباء والاتصالات والمياه والصرف الصحى وغيرها من أمور. فى حالة دور العبادة، دائما ما يعتبر القائمون على المساجد أنه من غير اللائق أن تقوم الإدارة بالرقابة على تلك الأمور، على اعتبار أن المسجد كمكان للعبادة لا يجب أن يعامل كمعاملة المؤسسات العامة والخاصة. أما فى الكنائس فالأمر لا يختلف كثيرًا فى وجود حساسية من دخول جهات الإدارة وأجهزة الرقابة للكنيسة، معتبرين أن كل ما هو بالداخل شأن كنسى صرف.
سادسًا: المؤكد أن وجود أجهزة الرقابة وفاعليتها يساعد بشكل كبير على تجنب الكثير من المشكلات المتعلقة بمثل هذه الحوادث، فتلك الأجهزة تقوم بمنع البناء فى الأماكن غير المخصصة للغرض المنشأ، أو تحدد قانونية أعمال توصيل الخدمات للمبنى، أو تحدد مدى ملاءمة المبنى المزمع إنشاؤه للتخطيط العمرانى للموقع، أو تشرف على تراخيص البناء والارتفاعات والردود المتعلقة بالمبنى، أو تقوم على كافة المتعلقات بالحماية المدنية.. إلخ. كل ذلك هو لغاية المتابعة والمراقبة لتحقيق السلامة المهنية. ولا شك أن المجالس المحلية الغائبة عن المشهد منذ عقد ونيف تقريبًا على مستوى الجمهورية، هى إحدى وسائل الرقابة المانعة لوجود تجاوزات، ومن ثم فإن غيابها على كل المستويات (المحافظة/ المدينة/ المركز أو القسم/ الحى أو القرية) هى العامل الرئيسى القادر على معرفة أدق التفاصيل عن الوضع المحلى، ومن ثم فإن عدم وجودها يعد نقيصة كبيرة.
وهكذا، يتبين أن هناك دروسًا مهمة يجب الخروج بها من هذا الحادث حتى لا يتكرر مرة أخرى فى أى مكان مشابه أو غير مشابه. من هنا فإن إصلاح الضرر الذى وقع بالتأكيد سيكون فى المبنى، ولن يعوض أبدا الدماء التى سقطت نتيجة هذا الإهمال الجسيم. جدير بالذكر أنه قد صدرت عدة مواقف متعلقة بإعادة إصلاح المبنى، وهذا الأمر على أهميته وتقدير دور الدولة فيه، إلا أن المطلوب هو إخراج الكنيسة من هذا المكان الضيق، وتخصيص مكان صحى وبيئى ومتسع وقريب من الغرض المنشأ له، وأن يكون هذا البناء مطابقًا للمواصفات الخاصة بالأمن الصناعى والسلامة المهنية.
من ناحية ثانية، فإن هذا الحادث أوضح أن دور الدولة فى الرقابة والمتابعة بعد التأسيس مهم جدًا، وأن إهمال ذلك أو منعه أو التغافل عنه، أو التصدى له، تحت دعوى أن الرقابة يجب أن تكون بعيدة عن دور العبادة، هو أمر غير طبيعى، ويجعل هناك نوعا من التمييز بين الخاضعين للقانون.