تركيا فى ليبيا مع سبق الإصرار - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:16 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تركيا فى ليبيا مع سبق الإصرار

نشر فى : الثلاثاء 18 أكتوبر 2022 - 7:35 م | آخر تحديث : الثلاثاء 18 أكتوبر 2022 - 7:35 م

تحرص تركيا على انتهاز كل فرصة متاحة أمامها من أجل دعم وجودها فى غرب ليبيا وإرساء أسس أمنية وعسكرية لتأمين مصالحها واستثماراتها وعلاقاتها التجارية مع ليبيا. وقد عملت أنقرة بالتعاون مع حكومة الوحدة الوطنية الليبية برئاسة عبدالحميد الدبيبة على الإعداد وتنفيذ زيارة وفد تركى رفيع المستوى إلى طرابلس برئاسة وزير الخارجية، وعضوية وزير الدفاع، ووزير الطاقة، ووزير التجارة، ورئيس أركان الجيش التركى، والمتحدث باسم الرئاسة إبراهيم قالن، ومجموعة من كبار المسئولين والخبراء، ورجال الأعمال. وتمت الزيارة فى 3 أكتوبر 2022، متجاهلة قرار مجلس النواب الليبى بإنهاء صلاحيات حكومة عبدالحميد الدبيبة، وتكليف حكومة الاستقرار الجديدة برئاسة فتحى باشاغا.
قد استغلت تركيا الصراع بين الحكومتين الليبيتين وحالة الانقسام الداخلى الليبى ما بين مؤيدين لحكومة باشاغا وآخرين مؤيدين لحكومة الدبيبة، وعدم تمكن حكومة باشاغا من دخول طرابلس لممارسة مهامها، وأيضا حالة الانقسام الإقليمى والدولى بشأن الموقف من الحكومتين الليبيتين. ومما يزيد من حالة الانقسام الداخلى والدولى موقف الأمم المتحدة الذى يرى أن عملية تصويت مجلس النواب الليبى على تكليف حكومة الاستقرار برئاسة باشاغا شابها عوارا كبيرا سواء فى النصاب القانونى لحضور نواب البرلمان أو فى حساب الأصوات. ومن ثم استمرار تأييد الأمم المتحدة لحكومة الدبيبة، وهو ما جعل هذه الحكومة تتمسك باستكمال المهمة التى كلفت بها، وهى إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، دون أن توضح كيف يمكن إجراؤها فى ظل هذا الانقسام وهذه الخلافات والتحارب.
• • •
خلال لقاء عبدالحميد الدبيبة مع لجنة نسائية فى طرابلس كشف عن بعض من مضمون مذكرة التفاهم التى وقعت مع الوفد التركى خلال زيارته وأنه جاء فى المادة الأولى منها تعزيز وتطوير التعاون الثنائى العلمى والتقنى والتكنولوجى، والقانونى والإدارى، والتجارى بين البلدين فى مجال الهيدروكربونات (البترول والغاز) وفقا للقوانين واللوائح الوطنية، وتدريب الموارد البشرية، والتنظيم المشترك للمؤتمرات والندوات والمعارض، وتبادل الخبرات لتقوية المشاركة بين القطاعين العام والخاص فى البلدين.
جاء فى المادة الثانية تعاون الطرفين فى المشروعات المتعلقة بتطوير واستخدام الموارد الهيدروكربونية، والمتعلقة باستكشاف وإنتاج ونقل وتكرير وتوزيع وتجارة الهيدروكربونات والمنتجات البترولية المتنوعة، ومشاركة الوزارات، وتنظيم الأنشطة التدريبية على هيكل سوق النفط والغاز الطبيعى، بما فى ذلك الدراسات التشريعية. أما المادة الثالثة فتتناول دعم الاستثمار، والاتفاق على العمل المشترك لتعزيز الشراكات العامة والخاصة، والمحافظة على سرية مخرجات التعاون.
قد تم توقيع مذكرات تفاهم أخرى فى مجال التدريب الأمنى والتدريب الإعلامى. كما أجرى عبدالحميد الدبيبة، بصفته وزير الدفاع، مباحثات مع نظيره التركى خلوصى آكار بشأن التعاون العسكرى بين البلدين، وعدد من البرامج التدريبية للجيش الليبى التابع لحكومة الدبيبة، وسبل توفير كميات من التجهيزات المتطورة لعدد من قطاعات الجيش الليبى. ويلاحظ أن تركيا لا تلتزم بقرار مجلس الأمن بحظر توريد أسلحة لأى من الأطراف المتصارعة فى ليبيا، كما ترفض خضوع السفن التركية المتجهة إلى ليبيا للتفتيش من لجنة إيرينى المكلفة بمراقبة تنفيذ حظر نقل أسلحة إلى ليبيا.
أوضح وزير الخارجية التركى أنه ناقش مع الدبيبة خطوات الحل السياسى للأزمة الليبية، مؤكدا أنه لا حل عسكرى لها، ومواصلة الجهود التركية لوصول ليبيا إلى تكوين جيش نظامى، وأنه جار العمل على عودة رحلات الخطوط الجوية التركية إلى مطارات ليبيا، وطالب المجتمع الدولى بالكف عن التدخل فى الشأن الليبى، وأنه يعمل مع الدبيبة على استئناف أعمال الشركات التركية فى ليبيا، والتعاقد على مشروعات جديدة. وأشار إلى أن رئيس البرلمان التركى سيزور شرق ليبيا قريبا للقاء رئيس مجلس النواب الليبى. وكان المستشار عقيلة صالح رئيس البرلمان الليبى قد وجه دعوة لرئيس البرلمان التركى أثناء زيارته أنقرة مؤخرا.
يلاحظ أنه أثناء المؤتمر الصحفى المشترك بين وزيرى خارجية البلدين، قالت نجلاء المنقوش، وزيرة خارجية حكومة الدبيبة، أن الاتفاقية البحرية السابقة (التى وقعت فى نوفمبر 2019 بين حكومة السراج وتركيا) تحتاج إلى تصديق الأمم المتحدة قبل البدء فى تنفيذها، وأن الجانب الليبى لم يتناولها فى المباحثات لأنها تتضمن تفاصيل فنية ما زالوا فى حاجة للاتفاق عليها. وقد عقب وزير خارجية تركيا بما أسماه سوء تفاهم وقال إنه تم تفعيل الاتفاق المشار إليه، وهو مذكرة التفاهم السابقة، وإبلاغ الأمم المتحدة بها، وأن اتفاقية الحدود البحرية هى لصالح البلدين وتضمن مصالحهما، وادعى موافقة جميع الأطراف الليبية الآن عليها. وأضاف أن الاتفاقية «شأن يخص بلدين ذى سيادة»، وتم إبرامها وفقا لمبدأ الربح للطرفين، وأنه ليس لدى أى دولة الحق فى التعليق عليها. ودعت نجلاء المنقوش إلى حشد الجهود الدولية لدعم خريطة طريق مختصرة لإجراء الانتخابات، وضرورة التزام الهيئات التشريعية (الليبية) بتكثيف جهودها لإنهاء الخلاف حول بنود القاعدة الدستورية لإجراء الانتخابات، وأنه فى حال تعذر ذلك يمكن إجراء استفتاء على الدستور، أو اللجوء إلى المحكمة الدستورية.
• • •
كان رد فعل مصر واليونان هو الرفض لمذكرة التفاهم الخاصة بالتنقيب عن البترول والغاز فى المنطقة الاقتصادية البحرية الليبية شرق البحر المتوسط. وأوضحت مصر أن حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها فى طرابلس لا تملك صلاحية إبرام أى اتفاقات دولية أو مذكرات تفاهم، وأن معارضة مصر لتوقيع الدبيبة لهذه الاتفاقيات مسألة مبدأ يتعلق باستقرار الوضع الليبى المعقد والمتأزم، وأن توقيع مثل هذه الاتفاقيات يزيد المشهد تعقيدا. بينما أوضحت اليونان أن لها حقوقا سيادية فى المنطقة (شرق البحر المتوسط) تنوى الدفاع عنها باستخدام جميع الوسائل القانونية مع الاحترام الكامل للقانون الدولى للبحار، واعتبرت أن مذكرة التفاهم التركية الليبية الموقعة بينهما فى نوفمبر 2019 غير قانونية، وباطلة وكأن لم تكن، لذا لا يحق لأحد الاحتجاج بها، وأن أى إجراء لتنفيذها سيكون له رد على المستوى الثنائى ومستوى الاتحاد الأوروبى، وحلف الناتو. وأن اليونان ستواصل إبلاغ شركائها وحلفائها بدور تركيا المزعزع للاستقرار. ورحبت بتصريحات البرلمان الليبى الرافض للمذكرة واعتبارها باطلة وغير شرعية.
قد خاطب رئيس مجلس النواب الليبى أمين عام الأمم المتحدة بشأن بطلان مذكرة التفاهم المشار إليها، مشددا على عدم وجود أى أثر قانونى لها وعدم إلزامها للدولة الليبية. وأن حكومة الدبيبة أخفقت فى القيام بواجباتها المحددة فى خارطة الطريق الصادرة عن ملتقى الحوار السياسى الليبى فى ديسمبر 2020، وانتهت صلاحيتها وشرعيتها فى 24 ديسمبر2022، وأن توقيعها للمذكرة مع تركيا مخالف للفقرة العاشرة من المادة السادسة من الاتفاق السياسى الليبى الذى لا يخولها أصلا توقيع اتفاقيات أو مذكرات دولية.
أما مجلس الرئاسة الليبى برئاسة محمد المنفى فقد اتخذ موقفا وسطا، حيث ورد فى بيانه أن ما تجتهد فيه الحكومات عبر توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم بهدف تعزيز التعاون فإنه، لكى تدخل هذه الاتفاقيات حيز التنفيذ، يتعين التصديق عليها من المجالس التشريعية، كما يتطلب التشاور مع المجلس الرئاسى، وأن المجلس يؤكد على أهمية التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة كافة بما يخدم الشعب الليبى ومستقبل ليبيا.
قد دعا عدد من البرلمانيين مجلس النواب، والمجلس الرئاسى والقوى السياسية والاجتماعية كافة إلى رفض «هذا العبث» السياسى المؤدى إلى مزيد من استلاب القرار الوطنى، وطالبوا الجانب التركى باحترام السيادة الليبية وقراراتها. وأعلنت حكومة باشاغا أنها سترد بشكل مناسب على تجاوزات حكومة الدبيبة التى تهدد الأمن والسلم فى المنطقة، وأنها ستبدأ مشاورات مع الشركاء الإقليميين والدوليين للرد على هذه التجاوزات.
قال المتحدث باسم الاتحاد الأوروبى إنهم أحيطوا علما بتوقيع مذكرة تفاهم بشأن الهيدروكربونات بين حكومة الوحدة الليبية وتركيا، وأن موقف الاتحاد لم يتغير باعتبار أن المذكرة الموقعة فى نوفمبر 2019 تنتهك الحقوق السيادية لدولة ثالثة (اليونان) ولا تمتثل للقانون الدولى للبحار، ولا يمكن أن تترتب عليها أى التزامات قانونية للدولة الثالثة. ويجب تجنب الأعمال التى يمكن أن تقوض الاستقرار الإقليمى.
قد ردت تركيا بأن الاعتراض على الاتفاق بين دولتين ذات سيادة يتعارض مع القانون الدولى والمبادئ الأساسية للأمم المتحدة، وأن جهود اليونان التى تحاول اغتصاب الحقوق المشروعة لتركيا وليبيا من خلال المطالبة بمناطق بحرية، لن تسفر عن أى نتائج. وأن موقف الاتحاد الأوروبى بدعم المطالب اليونانية المتطرفة، وتجنب الحوار، يعيق سبل اللجوء للقضاء الدولى ومبادئ الأمم المتحدة.
• • •
أوضح أحد الخبراء الاقتصاديين الليبيين وجهة نظر حكومة الدبيبة فى الحدود البحرية بين ليبيا واليونان بأن ليبيا يفصلها بحريا 300 كيلومتر عن اليونان وأن الأخيرة عرضت على الشركات العالمية 180 كيلومترا منها للاستكشافات عن البترول والغاز، وتركت لليبيا 120 كيلومترا فقط. ويرى أنه إذا رفع الأمر لمحكمة العدل الدولية فستحكم ضد اليونان. وأشار إلى أن الحدود البحرية بين ليبيا وتونس ومالطا حسمت بحكم المحكمة، ولا تزال الحدود البحرية بين ليبيا وإيطاليا واليونان ومصر غير محسومة، وإذا تعذر الاتفاق بشأنها فإنه يمكن اللجوء إلى محكمة العدل الدولية.
تجدر الإشارة إلى قول رئيس الحكومة المكلف فتحى باشاغا أن المذكرة الموقعة بين حكومة الدبيبة وتركيا «لن ترى النور»، وربما يستند فى ذلك إلى أن المنطقة البحرية المنتظر أن يتم فيها التنقيب عن الغاز والبترول تقع قبالة شرق ليبيا التى يسيطر عليها الجيش الوطنى الليبى بقيادة المشير خليفة حفتر. فهل سيتصدى للشركات التركية إذا بدأت عمليات التنقيب ويمنعها؟
يلاحظ أن تركيا تعمل بكل الوسائل على دعم حكومة الوحدة الوطنية الليبية برئاسة الدبيبة وتقدم لها الأسلحة والتدريب العسكرى للقوات التابعة لها، وتمدها بالمرتزقة حيث استأنفت تركيا تجديد من انتهت مدته منهم ودعمهم بمرتزقة إضافيين ودفع رواتبهم بعد توقف لعدة أشهر. وذلك فى مقابل دخول الشركات التركية باستثمارات فى عدة مجالات أهمها البترول والغاز الذى تسعى تركيا إلى تعويض ضيق مساحة المنطقة الاقتصادية البحرية الخاصة بها، وتحقيق السبق فى دخول مجالى إنتاج وتسويق الغاز والبترول الليبى فى مناطق جديدة لا تعمل فيها شركات أجنبية أخرى، متحدية الشركات البترولية العالمية العاملة فى ليبيا، وقوى إقليمية مجاورة لليبيا منها مصر واليونان وغيرهما. وفى نهاية المطاف، تبقى الخلافات والصراعات بين الفرقاء الليبيين مدخلا واسعا للتدخل والوجود التركى فى ليبيا.

رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات