لماذا نتأخر ويتقدم العالم..؟! - علاء الأسواني - بوابة الشروق
الجمعة 3 مايو 2024 10:50 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا نتأخر ويتقدم العالم..؟!

نشر فى : الثلاثاء 19 يناير 2010 - 9:40 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 19 يناير 2010 - 1:44 م

 منذ شهور، تم تعيين العالم الكبير الدكتور أحمد زويل فى وظيفة مستشار علمى للرئيس الأمريكى باراك أوباما. وعندما ذهب الدكتور زويل للقاء الرئيس أوباما أعطاه المسئولون فى البيت الأبيض تصريح دخول مسجلا فيه اسمه ووظيفته لكنه لاحظ أنهم كتبوا فى أسفل التصريح كلمة «مؤقت».. اندهش الدكتور زويل من ذلك وذهب إلى مسئول كبير فى البيت الأبيض وسأله:

ــ لماذا كتبتم على التصريح الخاص بى كلمة مؤقت..؟
فابتسم المسئول الأمريكى وقال:
ــ دكتور زويل.أنت تعمل مستشارا للرئيس أوباما.. أليس كذلك..؟
ــ نعم..
ــ الرئيس أوباما نفسه مؤقت..

حكى لى الدكتور زويل هذه الواقعة فوجدتها تحمل معانى كثيرة: إن الرئيس الأمريكى، مثل أى رئيس فى بلد ديمقراطى، يشغل منصبه لأربع سنوات قد تمتد إلى ثمانى سنوات لو أعيد انتخابه، بعد ذلك لا يمكن أن يبقى فى منصبه يوما واحدا. وقد حصل الرئيس على منصبه لأن الشعب اختاره بإرادته الحرة وهو يخضع لرقابة صارمة فى كل ما يتعلق به وأسرته.. ولأن الرئيس مدين للشعب بمنصبه وخاضع لرقابته، فهو يبذل كل جهده لكى يفى بوعوده التى اختاره الناخبون على أساسها.. الأمر الذى سيدفعه بالضرورة إلى الاستعانة بأفضل كفاءات فى البلد لكى يستفيد منها فى خدمة الناس.. هكذا يحدث فى الدول الديمقراطية أما عندنا فى مصر.. فإن الرئيس يظل قابضا على السلطة حتى يوافيه الأجل المحتوم، الأمر الذى يؤدى حتما إلى تداعيات خطيرة لا يمكن تفاديها بغض النظر عن شخصية الرئيس أو نواياه الطيبة:

أولا: الرئيس فى مصر لا يتولى السلطة بفضل اختيار الناخبين وإنما بفضل قوة أجهزة الأمن وقدرتها على قمع المعارضين وبالتالى فهو لا يقيم وزنا كبيرا للرأى العام لأنه يعلم أن بقاءه فى السلطة ليس رهينا بمحبة الناس وإنما بقدرة الأمن على حمايته من أى تمرد أو انقلاب.. أجهزة الأمن فى مصر هى صاحبة القول الفصل فى كل مجال وكل شىء بدءا من تعيين العمدة فى أصغر قرية وتعيين عمداء الكليات ورؤساء الجامعات وحتى السماح بإنشاء الأحزاب السياسية ومنح التراخيص للصحف والقنوات الفضائية وصولا إلى تعيين الوزراء واستبعادهم. كم من شخص كفء تم ترشيحه للوزارة ثم اعترضت عليه أجهزة الأمن فتم استبعاده فورا وكم من شخص عاطل عن الكفاءة تم تصعيده إلى المناصب العليا بفضل دعم أجهزة الأمن. مصر تنفرد بين بلاد العالم بوضع شاذ:
إذ تنفق الدولة على وزارة الداخلية ما يقرب من تسعة مليارات جنيه، وهذا المبلغ يساوى ضعف ميزانية وزارة الصحة (أقل من خمسة مليار جنيه).. أى أن النظام المصرى ينفق على إخضاع المصريين واعتقالهم وقمعهم ضعف ما ينفقه على علاجهم من الأمراض....
ثانيا: لا توجد وسيلة مشروعة لمنافسة الرئيس على منصبه كما أن بقاء الرئيس فى السلطة هو الهدف الأهم من أى هدف آخر. من هنا يضيق النظام بظهور أى شخصية عامة تتمتع بثقة الناس ويسعى إلى التخلص منها فورا.. وقد أدى ذلك دائما إلى حرمان مصر من كفاءات كبرى تم استبعادها بسبب تمتعها بصفات قد تؤهلها ولو فى الخيال لتولى منصب الرئاسة وما حدث مع الدكتور أحمد زويل نفسه خير مثال على ذلك: فهذا العالم الكبير بعد أن حصل على جائزة نوبل فى الكيمياء، عاد إلى مصر ليقدم مشروعا لجامعة تكنولوجية كانت كفيلة بنقل بلادنا إلى عصر العلم.. لكن بعض الأقاويل والتقارير الأمنية حذرت من شعبيته الطاغية وسط الشباب الذين صرح كثير منهم بأنهم يتمنون أن يروا أحمد زويل رئيسا لمصر.. هنا كانت الطامة الكبرى، فأغلق النظام كل الطرق فى وجه الدكتور زويل وتم التضييق عليه وصرف النظر عن مشروع الجامعة التى أراد بها أن يفيد بلاده. بعد ذلك بشهور قليلة، سارع الرئيس الأمريكى بتعيينه مستشارا علميا له ليستفيد من علمه الغزير فى تطوير الولايات المتحدة.. هذا نموذج واحد من آلاف النوابغ المصريين الذين يمنعنا الاستبداد من الاستفادة بقدراتهم.

ثالثا: الرئيس فى مصر يتمتع بسلطات مطلقة فلا توجد جهة واحدة تستطيع أن تحاسبه.. نحن لا نعرف أبدا ما مقدار ثروة الرئيس مبارك وأسرته؟ كم تبلغ ميزانية رئاسة الجمهورية وما هى بنود الإنفاق فيها..؟ وهل يجوز أن تنفق الدولة ملايين الجنيهات من المال العام على استراحات الرئيس وقصوره بينما يعيش ملايين المصريين فى عشوائيات بائسة وهم محرومون من الاحتياجات الإنسانية الأساسية.؟. إن تحصين الرئيس الكامل ضد المحاسبة يمتد أيضا إلى كبار المسئولين فالأجهزة الرقابية فى مصر تلاحق صغار الموظفين وتحاسبهم على أقل هفوة وكثيرا ما تؤدى بهم إلى العزل والسجن، لكنها أمام كبار المسئولين تضعف سلطتها فتكتفى بتقديم مخالفاتهم إلى الرئيس والأمر له وحده، إذا شاء حاسبهم وإذا شاء غض الطرف عن تجاوزاتهم.. وهكذا يقتصر تطبيق القانون على الصغار الضعفاء والكبار المغضوب عليهم.. إن محاربة الفساد بطريقة انتقائية، فضلا عن كونها بلا معنى أو تأثير، تشكل فى حد ذاتها نوعا من الفساد.....

رابعا: الرئيس فى مصر وحده هو الذى يملك تعيين الوزراء وعزلهم.. وهو لا يعتبر نفسه مسئولا عن تفسير قراراته أمام المصريين الذين لا يعرفون أبدا لماذا تم تعيين الوزراء ولماذا أقيلوا.. كما أن الكفاءة ليست العامل الأول فى اختيار الوزراء وإنما الأهم هو الولاء للرئيس.. وقد رأينا الأسبوع الماضى كيف تم تعيين أحمد زكى بدر وزيرا للتعليم بالرغم من أنه لم يسجل أى إنجاز وليست لديه أية خبرة فى تطوير التعليم.. لكن الإنجاز الفريد الذى قام به عندما كان رئيسا لجامعة عين شمس يتلخص فى أنه، لأول مرة فى تاريخ الجامعات المصرية، استدعى مجموعات من البلطجية مسلحين بالسنج والسكاكين وزجاجات المولوتوف وسمح لهم بالدخول إلى حرم الجامعة والاعتداء على الطلاب المتظاهرين.
هذا التصرف المشين الذى كان كفيلا بإبعاد رئيس الجامعة ومحاكمته فورا فى أى بلد ديمقراطى.. كان هو ذاته الدافع فيما يبدو، لتعيين أحمد زكى بدر وزيرا للتعليم. أضف إلى ذلك أن اختيار الوزراء واستبدالهم يتم غالبا بطريقة غير موضوعية لا يفهمها أحد. فرئيس الوزراء، أكبر منصب سياسى بعد الرئيس، يشغله شخص لم يمارس السياسة فى حياته قط ووزير التضامن الاجتماعى كان مسئولا أساسا عن هيئة البريد ووزير الإعلام كان فى الأساس متخصصا فى بيع الموسوعات العلمية ووزير الإسكان السابق محمد إبراهيم سليمان صدر قرار جمهورى بتوليه لرئاسة شركة بترول.. وهكذا يبدو الأمر وكأن الرئيس يحب بعض المسئولين ويثق فى ولائهم وبالتالى فهو يوزع عليهم المناصب الكبرى بدون التوقف كثيرا أمام صلاحيتهم أو خبراتهم.. إن النظام يستبعد كفاءات كبرى لأنه يشك فى ولائها أو يخاف من شعبيتها بينما يمنح المناصب إلى أتباع النظام حتى وإن كانوا بلا كفاءة. ولأن معظم أعضاء مجلس الشعب ينتمون إلى الحزب الحاكم وقد حصلوا على مقاعدهم عن طريق تزوير الانتخابات فإنهم ينفذون تعليمات الحكومة بدلا من أن يمارسوا دورهم فى محاسبتها.. إن الوزير فى مصر لا يعتبر نفسه مسئولا أمام الشعب وهو يعلم جيدا أن بقاءه فى منصبه ليس رهينا بإنجازه وانما برضا الرئيس عنه.. من هنا نفهم لماذا يتسابق الوزراء فى مديح الرئيس والإشادة بحكمته والتغنى بقراراته التاريخية الرائعة.. حتى أن وزيرة القوى العاملة عائشة عبدالهادى لم تجد أدنى حرج فى أن تنحنى، على الملأ وأمام وسائل الإعلام، وتقبل يد السيدة سوزان مبارك..

... لهذه الأسباب جميعا نتخلف كل يوم بينما يتقدم العالم حولنا.. إن مصر غنية بملايين المتعلمين وآلاف الكفاءات النادرة المخلصة التى لو منحت فرصة، قادرة تماما على إحداث نهضة كبرى فى سنوات قليلة لكن الاستبداد هو السبب الأصيل لتخلف مصر والمصريين.

..الديمقراطية هى الحل..

العنوان الإلكتروني:

Dralaa57@yahoo.com

علاء الأسواني طبيب أسنان وأديب مصري ، من أشهر أعماله رواية عمارة يعقوبيان التي حققت نجاحا مذهلا وترجمت إلى العديد من اللغات وتحولت إلى فيلم سينمائي ومسلسل تليفزيوني ، إضافة إلى شيكاجو ونيران صديقة ، وهو أول مصري يحصل على جائزة برونو كرايسكي التي فاز بها من قبله الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا ، كما أنه صاحب العديد من المساهمات الصحفية.
التعليقات