الاسم لطوبة .. والفعل لأمشير - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 3:41 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الاسم لطوبة .. والفعل لأمشير

نشر فى : الأربعاء 22 فبراير 2012 - 9:20 ص | آخر تحديث : الأربعاء 22 فبراير 2012 - 12:13 م

يذكرنا شهر أمشير الذى انتصف أو كاد، بالمثل الشعبى الوارد فى العنوان، باعتبار أن شهر طوبة اشتهر بأنه أبرد شهور السنة، وفيه يبادر أهل الصعيد بتخزين أجود أنواع المسلى، يتبعه أمشير فيترحم الناس على أيام البرودة حيث يضيف إلى المعاناة من البرودة اشتداد الرياح والأتربة، فتسوء أحوال المزروعات التى كانت مصدر الرزق الأساسى، وتغلق الموانئ والبواغير. وينتظر الناس بزوغ شمس الربيع حتى وإن ظل الجو فظيعا. غير أننى لا أنوى الحديث عن أحوال الطقس منافسا جهاز الأرصاد الجوية فى تنبؤاته التى قلما تصيب.. أو هكذا يقولون. ما أريد الحديث عنه هو المناخ السياسى الذى بدأ ربيعا عربيا ثم أصابه الطوب والحجارة والخراطيش والأعيرة النارية ومؤخرا الشماريخ.. واقترن بذلك صعود ما يطلق عليه «التيار الإسلامى» الذى يريد الإخوان له الآن أن يتحول إلى طوفان.


طبعا أقصد بالإخوان تلك الفئة المشكلة من كيانين: الأول يطلق عليه «الجماعة» والثانى «حزب الحرية والعدالة» الذى استعار من الثورة شعارها، وإن لم يشاطرها بالضرورة أهدافها السامية. وتوهمت مع كثيرين أن الجماعة، وهى الأقدم، كانت صادقة فى الابتعاد عن العمل السياسى اليومى بحكم أن رسالتها الأولى هى الدعوة، أو ما يسمى الإرشاد وهى تسمية تقسم الناس إلى جهلة ومرشدين. ومع ذلك ظلت الجماعة تظل علينا فى كل آونة، ليتوارى بعد ذلك اسم الحرية ويبقى اسم الشهرة وهو الإخوان. فعندما وفرت الجماعة للحزب المنسلخ عنها مقاعد فى أول مؤسسة رئيسية ينشئها الشعب بفضل ثورته المفترى عليها، تركته الجماعة يواصل المسيرة فى انتخابات الشورى، وبدأت تزيح القناع عن وجهها، لتلهينا عن مواصلة الثورة حتى تكتمل أهدافها، سعيا وراء تحقيق مكاسب أكبر لمنافعها وأهدافها الذاتية. تتعدد الأدلة وأختار منها ثلاثة.

 

•••

 

أولا: ادعت الجماعة أنها تظل فى رحاب المجتمع المدنى كمنظمة بين عشرات آلاف المنظمات التى يتشكل منها ذلك المجتمع. جاءت المناسبة حينما بدأت الأجهزة الرسمية تدرس وتصوغ مشرع قانون للجماعات الأهلية. فإذا بها تدعى أنها ترفض المقترحات المتداولة، وأن أى قانون لهذا الغرض يجب أن يتوافق مع مقوماتها الذاتية. منذ فترة كنا نطلق على شخص يدعى فتحى سرور أنه «ترزى قوانين» لأنه كان يطوّع القواعد العامة التى يقصد بها العدالة والمساواة بين الناس لمطامع فئة ضالة أشبعت الشعب تنكيلا وإذلالا. فإذا بنا اليوم أمام فئة تريد، رغم رفعها رايات البر والتقوى، أن تصاغ القوانين وفقا لأوضاعها رغم رفضها المستمر لفض الاشتباك بين ما هو مجتمعى بشقيه المدنى والدينى، وبين ما هو سياسى. ولا يذهب بنا الظن إلى توقع أن ما تحيكه من قوانين سوف يسمح بمنافسين لها فى مجالها أو فى مجال مشابه لأنه بحكم التوحيد لن يكون إسلاميا. الأخطر من ذلك أن هذه البداية المعطوبة تؤشر لعقيدة تجعل موقفها من القوانين المتعلقة بمختلف أحوال الحياة، ينبنى على مرجعيتها التى تعرّفها أنها دينية إسلامية، لتتحول إلى مرجعية لويسية: «أنا الدولة.. والدولة أنا»

 

ثانيا: ورد على لسان مرشد الإخوان: «نرفض اتهامنا بالتخلى عن المسئولية الوطنية.. ونسعى لتشكيل أول حكومة ائتلافية مستقرة» (الشروق ــ 15/2). وأكد هذا المعنى القيادى الإخوانى صبحى صالح، وكيل اللجنة التشريعية بمجلس الشعب، بقوله إن جماعة الإخوان «قادرة على تشكيل حكومة ائتلافية من الأمس وليس غدا» (الشروق ــ 17/2). الغريب أن الأخير انتخب لمجلس الشعب بصفته قياديا فى حزب سياسى هو حزب الحرية والعدالة، ولكنه حينما يتعلق بتولى أمور السلطة التنفيذية يتحدث باسم الإخوان، ويباهى بقدرتهم على تشكيل الحكومة منذ الأمس، الذى لم يكن الحزب قد قام فيه بعد. إن الجماعة والحزب، كغيرهما من التنظيمات الشعبية تضم بالضرورة أشخاصا اكتسبوا تأهيلا وخبرة فى مختلف مجالات الحياة. وبعضهم قد يكون قادرا على تحمل المسئولية التنفيذية. غير أن المعنى المستفاد من تلك التصريحات أن الجماعة رغم وجود حزب سياسى ينتمى أعضاؤه لها، كان يمكنها تشكيل الوزارة منفردة، ولكنها تجود على الشعب بالسعى إلى ضم آخرين لتكون ائتلافية. إن هذه النبرة المتعالية التى تتعالى فيها الجماعة حتى على حزبها، ويتعالى فيه الاثنان على باقى الأحزاب، تنذر بصورة قاتمة عندما تستقر الأمور ولا يكون هناك من المشاكل العاجلة ما يقتضى وحدة الشعب بكافة فئاته لحماية وتفعيل واستكمال ثورته المجيدة. ليس المطلوب وزارة ائتلافية أو حزبية، وبالأحرى تكنوقراطية، بل استدراك ما أضعناه على مدى أكثر من عام، بتحقيق اتفاق وطنى على منهج واضح لعبور الفجوة التى تفصلنا عن بلوغ وضع قابل للاستقرار والاستمرار. قد يريح النفس استجواب الوزراء ورئيسهم، ولكن الأجدى الاتفاق على خطوات محددة تجرى خلالها الخطوتان المتبقيتان: الدستور والرئاسة.

 

ويتفرع عن هذا مشكلة الرئاسة. إن الحديث عن رئيس توافقى يعنى أن من آلت إليهم الأمور بطريق أو آخر سوف يعينون شخصا بعينه، ليظل حريصا على إرضاء المتوافقين، ولاسيما من يتباهون بأنهم جاءوا عن طريق الصناديق. إن الشعب لم يثر إلا عندما تأكد أن الفساد مستمر طالما فرض النظام رئيسه عليه. إن كيفية اختيار رئيس لم تكن لتثار على هذا النحو لو أننا بدأنا بالدستور ليرشّد الانتخابات النيابية والرئاسية معا. ولكنها مصلحة من أرادوها إسلامية مهما كان الثمن فتشبثوا بنتائج استفتاء أريد به التمهيد لإعلان دستورى لم يتفق على تفاصيله. نريد رئيسا يختاره الشعب بوعى ليلبى آماله ويحاسبه إذا أخطأ أو قصر.

 

ثالثا: ثالثة الأثافى، ما نشرته «المصرى اليوم» (16/2) تحت عنوان: «الحرية والعدالة يطالب الداخلية بدفعة إخوانية فى كلية الشرطة»، من «أن أعضاء وقيادات من حزب الحرية والعدالة، التابع لجماعة الإخوان المسلمين، طلبوا من اللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية، خلال جلسات الاستماع التى يعقدها مجلس الشعب حول أحداث بورسعيد، إلحاق دفعات من كليات الحقوق بكلية الشرطة، على أن يكون معظمهم من أعضاء الحزب، وتخصص لهم الوزارة ٦ شهور دراسة مكثفة فى أكاديمية الشرطة، بعدها يتخرجون كضباط لسد الفراغ الأمنى فى البلاد». أترانا بصدد «حزب الله» ومليشيات حزبية؟ هل الانتماء إلى الإخوان هو مسوغ الائتمان على أمن الشعب المصرى، يعطى الإخوانى أفضلية على غيره؟ أم ترى أن الهدف هو تأمين الجماعة وأعضائها حتى لا تتكرر تجربتها مع أمن مبارك والعادلى؟ هل من يفكر بهذا الأسلوب يؤتمن على دستور اتفق الجميع على أن يستبقى ما فى دساتير سابقة من كون المصريين سواء ومن تكافؤ الفرص للجميع. إن القضية الأساسية ليست ولاء الدارسين لحزب بعينه بدلا من الوطن، بل هى سلامة مناهج الدراسة وكفاءة المدرسين. وهذه حقيقة تمثل جانبا من المعضلة التى نواجهها فى كافة الأمور: كفاءة المعلمين فى مراحل التعليم، وكفاءة القيادات فى مختلف مؤسسات العمل التى تحل محل قيادات شاركت أو ارتضت بقاء أوضاع أفسدت أحوال الوطن.

 

أنقذنا الله من رطوبة طوبة وزعابيب أمشير.

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات