قمة عربية أوروبية - إبراهيم عوض - بوابة الشروق
الأربعاء 17 أبريل 2024 1:06 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قمة عربية أوروبية

نشر فى : السبت 22 سبتمبر 2018 - 9:50 م | آخر تحديث : السبت 22 سبتمبر 2018 - 9:50 م

فى نهاية الأسبوع الماضى، أعلن فى القاهرة عن انعقاد مؤتمر قمة بين الاتحاد الأوروبى والدول الأعضاء فى جامعة الدول العربية. صدر هذا الإعلان بعد زيارة خاطفة للقاهرة للمستشار النمساوى سباستيان كورتز، الذى تزاول بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبى، ولرئيس المجلس الأوروبى دونالد تاسك. إلا أنه ما كاد الإعلان عن القمة يصدر حتى ظهرت خلافات بشأنها. بل إن الخلافات كانت فى نفس صلب الإعلان عن القمة على لسان الناطق باسم وزارة الخارجية المصرية، حيث أشار الناطق إلى أن القمة ستبحث فى جوانب التعاون العربى الأوروبى عامة وأنها لن تقتصر على شئون الهجرة. هذه الإشارة كانت ردا على رئيس المجلس الأوروبى وعلى المفوضة العليا للشئون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد، فريدريكا موجرينى، اللذين كانا فد صرحا بأن قمة عربية أوروبية بشأن الهجرة ستنعقد فى مصر فى سنة 2019. الخلافات تتبدى أيضا فيما تستند إليه الدعوة إلى انعقاد القمة. الناطق باسم الخارجية المصرية أشار إلى قرارات صادرة عن مجلس جامعة الدول العربية والقمة العربية المنعقدة بالبحر الميت بالأردن فى مارس 2018. أما الجانب الأوروبى، فكان مرجعه اجتماعا غير رسمى عقده قادة الاتحاد فى سالزبورج بالنمسا يوم 19 سبتمبر، قبل يوم واحد من زيارة كورتز وتاسك للقاهرة، دعا بعده هذان المسئولان الأوروبيان إلى انعقاد قمة عربية أوروبية بشأن الهجرة فى شهر فبراير القادم. بل إن رئيس المجلس الأوروبى كان أكثر تحديدا حيث دعا إلى مساندة الجهود الأوروبية لمواجهة الهجرة «وإلى تكثيف التعاون مع بلدان شمال إفريقيا فى سبيل ذلك وعقد قمة بين الاتحاد الأوروبى وجامعة الدول العربية فى مصر فى شهر فبراير من العام القادم». المستشار النمساوى بدوره شدد على توسيع صلاحيات دوريات حماية سواحل الاتحاد الأوروبى المسماة «فرونتكس»، أى توسيع المقاربة الأمنية، من أجل الوصول إلى حل لما استمر فى تسميته بـ«أزمة» الهجرة، على الرغم من اعترافه بالانخفاض الحاد فى أعداد المهاجرين فى الشهور الأخيرة. وأضاف المستشار النمساوى «إن هذا يجب أن يحدث بالاشتراك مع بلدان العبور، ولذلك فإنه من المهم الحديث مع بلدان شمال إفريقيا ومع مصر». لاحظ حرف العطف، فى عبارة «بلدان شمال إفريقيا ومصر»، وكأنما مصر ليست من شمال إفريقيا!
***
مجموعات من التعليقات يستدعيها الإعلان عن القمة وموضوعاتها وما يمكن أن يثور فيها أو تؤول إليه.
المجموعة الأولى بشأن ما تستند إليه القمة. أحسن الناطق باسم الخارجية المصرية بالإشارة إلى قرارات مجلس الجامعة والقمة العربية كأساس للدعوة إليها. يجب التمسك بذلك لأن فكرة القمة حول الهجرة صادرة عن المستشار النمساوى وهو من هو فى كراهية الهجرة والمهاجرين والاستعلاء عليهم وعلى بلدانهم، بلداننا. المستشار النمساوى وأفكاره اليمينية والشعبوية مرفوضة من أغلب دول الاتحاد الأوروبى ذاته، وإن كانت تلقى قبولا وترويجا من دول مجموعة فيسيجراد، المجر وبولندا والتشيك وسلوفاكيا، بالإضافة إلى جانب كبير من الحكومة الإيطالية الجديدة، خاصة وزير داخليتها وزعيم حزب الربطة، ماتيو سالفينى، الذى زار بدوره القاهرة أخيرا.
إن كانت الهجرة قد صارت هاجسا سيطر تماما على تفكير بعض أحزاب وحركات وقادة الاتحاد الأوروبى ووسائط الاتصال فيه، وساقتهم إلى طريق يؤدى إلى المواجهة والخلاف والتنازع، فإنه ينبغى التحوط من الانزلاق فى هذا الطريق. التحوط واجب والبدائل صعبة ولكنها موجودة، ولها أنصار عديدون فى داخل الاتحاد الأوروبى ذاته، بين سياسيين وأحزاب من غير اليمين، وبين وسائط اتصال غير المشار إليها أعلاه، ثم خاصة فى دوائر الباحثين والجامعيين الذين تتفق أغلبيتهم الساحقة على أنه لا توجد «أزمة» للهجرة فى أوروبا ويشيرون إلى الطلب المستمر على اليد العاملة الأجنبية لسد العجز الهيكلى فى العرض الداخلى للعمل فى القارة الأوروبية. متابعو الصحافة الأجنبية ربما مر عليهم ما نشرته صحيفة «لو موند» الفرنسية منذ أسبوعين عن كتاب صدر أخيرا لأستاذ فرنسى فى «كوليج دى فرانس» المرموقة، هو فرنسوا هيران، وهو من أهم الباحثين الفرنسيين فى شئون الهجرة، فند فيه تماما حجة «غزو المهاجرين» التى يروج لها أقصى اليمين ويبغى من ورائها تبرير سياسات الانغلاق والتمييز وبث الفرقة والكراهية.
لا بد من المساءلة فى تصور الاتحاد الأوروبى للهجرة ولأدوار الفاعلين المختلفين فيها وفى تفسيره لها. ليس هذا المقام لذلك، ولكننا نكتفى بالإشارة إلى مفهوم «بلدان العبور». أى عبور؟ العبور يفترض أن المهاجرين قد وصلوا إلى محطة نهائية فى أوروبا، عبروا من قبلها أقاليم بلدان أخرى. ولكن الواقع هو أن أغلب المهاجرين لا يصلون أصلا إلى أوروبا بل يبقوا فى البلدان التى يفترض الاتحاد الأوروبى أنهم يعبرونها فقط. هذه البلدان هى بذلك وأساسا بلدان استقبال نهائى. يحدث ذلك بشكل طبيعى فالانتقال إلى بلدان الشمال الإفريقى من البلدان التى تقع إلى جنوبها، فى قارتنا الإفريقية المشتركة، حركة قديمة ممتدة عبر القرون، ثم هى نتيجة لسياسات الاتحاد الأوروبى ذاته، الذى عمل منذ بداية القرن الحالى على الأقل، وبأقدار متفاوتة من النجاح، على أن تكون فى بلدان الشمال الإفريقى أول السدود فى وجه المهاجرين الذين يقصدون الدول الأعضاء فيه.
***
المجموعة الثانية من التعليقات تتصل بالدور الذى يمكن أن يتصوره الاتحاد الأوروبى لبلدان الشمال الإفريقى فى التصدى للهجرة. لاحظ أن الهجرة المقصودة ليست الهجرة من بلدان الشمال الإفريقى، فالتدفقات منها صارت ضعيفة للغاية، وإنما الهجرة من البلدان الواقعة فى غرب القارة ووسطها وشرقها، فضلا عن مناطق أخرى. بداية، يجب أن تستبعد بلدان الشمال الإفريقى كل ما يمكن أن يؤثر سلبا على علاقاتها بدول القارة. ما يجمع البلدان الإفريقية فى الشمال والوسط والغرب والشرق لا بد أن تكون له أهمية لا جدال فيها. إن كان بين كل هذه البلدان مسائل تؤرقها، فإنها يجب أن تتصدى لها مجتمعة. للبلدان الإفريقية مصالح تتعدى الهجرة التى يتصور الاتحاد الأوروبى أنها لا تقصد إلا إقليمه. الهجرة تحدث أساسا فيما بين البلدان الإفريقية. وبخلاف الهجرة توجد مثلا مسألة مياه النيل عظيمة الأهمية بالنسبة لمصر. هل تعرض مصر تسوية مسألة مياه النيل بشكل تعاونى لما يمكن أن يؤدى إليه «تكثيف التعاون» مع الاتحاد الأوروبى من جفوة مع الشعوب الإفريقية؟ من المهم التنبه إلى أن الهجرة وسياساتها تندرج فى إطار منظومة شاملة من الموضوعات التى تتأثر فيما بينها. إن كان الاتحاد الأوروبى يريد مساعدة بلدان القارة على التصدى للموضوعات التى تؤرقها، فأهلا به فى تعاون دولى حقيقى يتخطى التصورات التقييدية والمقاربات الأمنية.
***
المجموعة الثالثة من التعليقات تخص التوفيق بين نفس «تكثيف التعاون» بين الاتحاد الأوروبى وبلدان الشمال الإفريقى فى التصدى للهجرة، الذى دعا إليه المستشار اليمينى المتطرف، من جانب، والدعوة إلى قمة عربية أوروبية بشأن الموضوع، من جانب آخر. ما هى علاقة عُمان أو البحرين بالهجرة من خلال الشمال الإفريقى إلى أوروبا؟! لا بد من الوضوح وعدم اللف والدوران. إما قمة تجمع الاتحاد الأوروبى والاتحاد الإفريقى تتناول العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، ومن بينها الهجرة، بين بلدان القارتين، وإما قمة عربية أوروبية. فإن كانت قمة عربية أوروبية، فإنه ينبغى تحديد جدول أعمالها بجلاء تام. إن كانت الهجرة الهاجس المسيطر على أقصى اليمين الأوروبى الذى يرأس الاتحاد الأوروبى حتى شهر ديسمبر القادم، فإن هذه مناسبة ينبغى اقتناصها لطرح المسائل ذات الأهمية للجانب العربى، أو يفترض أنها ذات أهمية بالنسبة إليه، وعلى رأسها القضية الفلسطينية التى تتعرض للهوان نتيجة للسياسة الأمريكية فى الوقت الحالى. محاولة فرض نهاية ظالمة للقضية الفلسطينية ستترتب عليه اضطرابات ولجوء وهجرة، أيا كانت الأدوات الأمنية التى ستستخدم لقمعها. إن كان الاتحاد الأوروبى متخوفا من الهجرة، دعك من اللاجئين الذين، وللعجب، كف الحديث عنهم هذه الأيام، فهو لا بد أن يتخذ مواقف من المقاربات الأمريكية الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية. ليس من مصلحة أحد أن ينصبَ أى اجتماع على موضوع واحد يهم المشارك الآخر فيه. الاجتماعات، ومنها القمم، هى لتبادل المصالح. وصلب السياسة هو تبادل المصالح.
العلاقات التعاونية مع الاتحاد الأوروبى ضرورية تماما بالنسبة لبلداننا العربية، خاصة تلك الواقعة فى الشمال الإفريقى على الضفة الجنوبية للبحر المتوسط. ولكن هذا التعاون لا بد أن يكون متوازنا وأن يأخذ مجمل مصالح الأطراف المعنية فى الاعتبار. الأهداف الأسمى للتعاون يجب أن تكون التنمية المستندة إلى السلم وبناء الدول المنهارة واستعادة الاستقرار.
فى أوروبا اتجاهات أخرى غير أقصى اليمين يجب العمل معها من أجل تحقيق هذه الأهداف.

إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات