«الكيلو.. كام جرام؟» - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 10:02 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«الكيلو.. كام جرام؟»

نشر فى : الجمعة 23 أغسطس 2013 - 9:05 ص | آخر تحديث : الجمعة 23 أغسطس 2013 - 9:05 ص

الحكم بإخلاء سبيل الرئيس السابق حسنى مبارك، جاء صادما للبعض، رغم ان الجميع كان يعلم جيدا ان هذا ما سيحدث، كما حدث طوال الشهور الفائتة، وذلك لانتهاء فترة الحبس الاحتياطى المقررة وفقا للقانون، ولست هنا بصدد مناقشة قضية مبارك، لأنه أصبح بالفعل خارج السلطة وخارج التاريخ وخارج كل حسابات اللحظة الراهنة.

كما ان إخلاء السبيل لا يعنى على الإطلاق انه حصل على البراءة (إلى جانب ان هذه ليست التهم التى يجب أن يحاكم بها رئيس أفسد البلاد طويلا وأمرض مواطنيها وقهر شعبها) لكن ما يشغلنى حقا، هو رد الفعل الغاضب على الحكم، مع إطلاق تساؤلات سخيفة عن عدم إصدار حكم باستمرار حبسه، أو استفهامات مريضة عن توقيت هذا الحكم الذى يدعم عدة فئات سياسية فى مخططها لإجهاض خارطة الطريق، ثم رغبات عارمة لتيارات أخرى كانت ترى ضرورة بقائه فى السجن لعدم إجهاض ثورة يناير.

وحينما نقرأ كل ردود الفعل هذه، سنكتشف ببساطة، أن غالبية (ان لم يكن جميع) من يتصدى للقضايا السياسية يعلنون موقفهم بوضوح ضد استقلال القضاء، وأن مثل هذه المواقف تؤكد انه ليس هناك عدم ممانعة من تسييس القضاء، أو إصداره لأحكام وفقا للمواءمة السياسية، لا لتطبيق صحيح القانون.

والمؤلم فى الجموع التى كانت ترغب فى إصدار حكم سياسى باستمرار حبس الرئيس السابق، ان من بينهم قانونيون، يفترض ان يشغلهم إعمال القانون وإنفاذه وعدم الخروج عنه، فأنا لا أفهم لماذا تعاملت الجمعيات الحقوقية مع هذا الحكم، باعتباره شأن سياسى لا قضائى، خاصة أن بقية المتهمين قد أخلى سبيلهم منذ فترة (بعضهم لديه نفس مركز مبارك القانونى).

كنت أظن ان هؤلاء الحقوقيين هم من سيتصدرون المشهد ويدافعون عن استقلال القضاء وحياد القاضى، لا مطالبته بمراعاة السياسة، فالعدالة المعصوبة العينين من المفترض ان لا تعرف سوى القانون وروحه، ولا تعترف الا بمواده، ولا تميز بين شخصيات المتهمين، الا فى الحدود التى رسمها القانون (الموظف العام وما شابه) والقصة كلها تكشف ببساطة انه ليس لدينا كثيرون يؤمنون حقا باستقلال القضاء، وان وجهات النظر السياسية ترغب ان تكون فوق القانون، وان مصالح التيارات المختلفة فوق فكرة العدالة.

إذا لم يحارب الجميع، وفى مقدمتهم الساسة، من إجل إعلاء سيادة القانون، فسنكون نذهب بأنفسنا إلى مناطق مظلمة، وإلى عهود واضحة من الظلم، ظلم على الجميع، فالذى يتنكر اليوم للعدالة، سيقف أمامها لاحقا ولن يجد ساعتها سوى الندم على مشاركته ــ بقصد أو دون قصد ــ فى تغييب القانون فى الفصل بين المواطنين وبعضهم البعض، والفصل بين المواطنيين والدولة، ولا أعرف هل لو استمر الرئيس المعزول محمد مرسى محبوسا احتياطيا من دون صدور احكام ضده، وانقضت فترات الحبس الاحتياطى هل سيسعد الجميع باستمرار حبسه، ام اننا علينا ان نتمسك بقاعدة عامة واحدة مجردة نطبقها على الجميع أى كانت مناصبهم او اوضاعهم فى المجتمع.

لماذا نختلف دوما على عدد الجرامات فى الكيلو الواحد؟ فإذا اشترينا نرغب أن يكون أكثر من ألف جرام، وإذا بعنا تمنينا ان يكون جرامات قليلة، متى نعترف ونقر ان الكيلو به ألف جرام فى الشراء والبيع، لماذا نتاجر بالعدالة يا سادة وهذا ما طلبناه فى يناير وثرنا من أجله، أم أننا سنعيش طويلا نسأل: هو الكيلو كام جرام؟

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات