تسويق العِلم وليس البلطجة - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 1:37 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تسويق العِلم وليس البلطجة

نشر فى : الثلاثاء 23 سبتمبر 2014 - 9:25 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 23 سبتمبر 2014 - 9:25 ص

فى بداية الثمانينيات تأسست الفضائية الأمريكية الشهيرة «سى. إن. إن» ، لكنها لم تلمع إلا أوائل التسعينيات مع الحرب على العراق. كانت بلا منافس تقريبا، ووصلت سطوتها إلى القول أن الحدث الذى لم تبثه هذه القناة لم يقع أصلا!. ضمير العالم لم يتحرك لمأساة رواندا وبوروندى إلا بعد مشاهدة المجازر والمذابح التى بثتها.

الآن صار الإعلام فى كل مكان هو الذى يحكم العالم تقريبا. ومن يسيطر عليه يسيطر على عقول الجميع، ويستطيع أن يحركها كما يشاء لأنه يضع فيها ما يشاء!.

مصر ليست استثناء من هذه القاعدة، وسطوة الإعلام وصلت إلى ذروتها فى الأعوام الأخيرة، خصوصا منذ ثورة 30 يونيو، حيث كان الإعلام هو السلاح الأكثر خطورة من الأحزاب والقوى السياسية وتمكن من تحريك الجماهير لإسقاط نظام الإخوان.

المأساة ومع قلة تأثير القوى والأحزاب السياسية والمجتمع المدنى فإن الإعلام يمكن أن يكون أداة دمار شامل مثلما يمكن أن يكون أداة بناء.

الآن لم يعد كافيا أن تكون على حق لكى تحصل على حقك، بل ينبغى أن يكون الإعلام فى صفك كى تتمكن من انتزاع حقك. ربما لهذا السبب صار نجوم الإعلام خصوصا كبار مقدمى البرامج الفضائية يدركون أنهم أكثر تأثيرا فى المجتمع من بعض كبار المسئولين.

سمعت من أكثر من مسئول شكاوى مريرة من بعض الإعلاميين، ولولا احترام الخصوصية لتحدثت عن أمثلة محددة مارس فيها البعض ابتزازا مكشوفا ضد مسئولين لأنهم لم يقبلوا ان يكونوا ضيوفا على برنامج هذا الإعلامى، أو رفضوا أن يوافقوا له على خدمة ما.

التأثير الأضخم للإعلام أنه صار أيضا النافذة شبه الوحيدة لاختيار المسئولين فى قطاعات مختلفة من المساعدين والمستشارين إلى الوزراء والمحافظين.

كثيرون فهموا هذه القاعدة وبدأوا فى تطبيقها. أساتذة جامعات وخبراء وسياسيون مغمورون وصلت إليهم قناعة تامة بأن الاجتهاد وحده لا يكفى طالما لم يظهره الإعلام، ولم يطلع عليه المسئول الأعلى، وبالتالى صار الجهد الرئيسى هو كيف يمكن لهم أن يكتبوا مقالا فى صحيفة أو يظهروا فى برنامج تليفزيونى يفضل أن تكون نسبة مشاهدته أعلى؟!.

زمان كان هؤلاء يتكالبون على الظهور فى برنامج «صباح الخير يا مصر»، الآن صارت هناك عشرات البرامج المؤثرة صباحا ومساء.

فهم الجميع أن «بيزنس الإعلام» قد لا يدر ربحا سريعا، لكنه يضمن نفوذا يحمى البيرنس الأصلى، وربما يمكن صاحبه من لعب دور أكثر تأثيرا فى صناعة القرار.

كل ما سبق ليس مقصورا على مصر، لكن فى هذه البلدان فإن الإعلام له حجمه فى النهاية بجوار أحجام لمؤسسات أخرى كثيرة وبالتالى يحدث التوازن.

المأساة فى مصر أن الإعلام صار يلعب منفردا فى مرات كثيرة، وبالتالى هنا مكمن الخطورة، خصوصا إذا زاد تأثير الإعلام الخاص وضعف إعلام الدولة بصورة كبيرة.

والأكثر خطورة أن التسويق فى مصر يتم لمصلحة أفراد وشلل محددة، ويغيب عنا بصورة فادحة التسويق لأشياء أخرى كثيرة.

قبل أيام قال الدكتور أحمد زويل إن تسويق العِلم فى مصر ينبغى أن يسبق أى تسويق لأن مصر بدون عِلم وقاعدة علمية لن يكن لها أى تأثير فى إقليمها أو فى العالَم.

والسؤال متى يكون لدينا بالفعل تسويق للعِلم، بدلا من تسويق السلع المقلدة والشخصيات المقلدة الأجيرة والأهم متى يساهم الإعلام فعلا فى ثورة العقول بدلا من ثورة العضلات وتشجيع الفتونة فى كافة المجالات؟!

عماد الدين حسين  كاتب صحفي