حوار مجتمعى مع رئيس الوزراء من العالم الآخر - أميمة كمال - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 11:51 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حوار مجتمعى مع رئيس الوزراء من العالم الآخر

نشر فى : الأحد 23 ديسمبر 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 23 ديسمبر 2012 - 8:00 ص

ليست هى المرة الأولى التى تستدعى فيها ذاكرتى ملامح وجه الدكتور رمزى زكى ذلك الاقتصادى الأشهر فى مصر. الذى غيبه الموت قبل أن يستنشق نسمة من نسمات ثورة كان الأحق بهوائها. استدعت ذاكرتى ذلك الوجه الصبوح، النقى، المحب للبشر، والمنحاز للضعفاء منهم. الذى ظل ممسكا رغم الجمر على حقوق هؤلاء الذين لا يملكون القوت، ولا القوة لاسترجاعه من سارقيه. ذلك الناسك فى محراب الاقتصاد من أجل علم ينتفع به غيره، وتنصلح به أحوال بلده. استدعيت ذلك الرجل لعلى أستمد منه زادا، يعيننى على تحمل كل هذا الكم من الكذب، والاستخفاف بعقول الناس، والتحايل على أرزاقهم، والتلاعب بمعاشهم وقوت أولادهم.

 

وأمثال هؤلاء البشر الأنقياء عندما تستدعيهم، يحضرون. وتشعر وكأنهم معك يشاركونك الفعل. استدعيت الرجل، وكتاباته الغزيرة عله يشارك بها فى تلك الدعوة التى أطلقها رئيس الوزراء هشام قنديل وعشيرته، وأطلقوا عليها بهتانا اسم (الحوار المجتمعى) حول «البرنامج الوطنى للإصلاح الاقتصادى» الذى تقدمه الحكومة عربونا لصندوق النقد الدولى مقابل إقراضنا 4.8 مليار دولار. البرنامج الذى يحمل نكهة الصندوق تصفه الحكومة بأنه « برنامج اقتصادى طموح، يوازن بين العدالة الاجتماعية والنمو الاقتصادى». ويستهدف ضمن ما يستهدف توفير 800 ألف فرصة عمل قبل نهاية العام المالى الحالى.

 

●●●

يعنى أول القصيدة كفر. وأولى أمارات الكفر هى الوعد بما لايمكن الإتيان به. فكيف تستطيع الحكومة أن توفر كل هذه الآلاف من فرص العمل، فى ظل تراجع الاستثمارات العامة وعزوف الاستثمار الخاص والأجنبى، إلى جانب أنه لم يتبق من الوقت لتحقيق عهدها سوى 180 يوما فقط. فى حين أن إجمالى ما تحقق من فرص عمل خلال العام المالى الماضى بأكمله لم يزد على 262 ألف فرصة عمل، طبقا للإحصاءات الرسمية.

 

والبرنامج الوطنى الذى تروج له الحكومة حاليا، وتستعد لتمريره على مفرمة الحوار المجتمعى، الذى تم تجريبه فى «موقعة دستور مصر» وثبت أنه أقرب للحوار العشائرى منه للحوار المجتمعى، هو مصمم بالأساس لمخاطبة مسئولى صندوق النقد. لذلك فواضعو البرنامج لا يخجلون من أن يقولوا للصندوق أن البرنامج يهدف إلى حماية الطبقات الفقيرة والمتوسطة، من خلال إصلاح منظومة الدعم، وإيجاد نظام ضريبى عادل. وربما تنطلى هذه التأكيدات على مسئولى صندوق النقد فى واشنطن العاصمة، ولكنها بالتأكيد لن تنطلى على من استيقظ نهار جمعة من أيام خريف ديسمبر الغائم، على وقع ضربة دماغية أصابت الطبقات الفقيرة والمتوسطة من جراء سيل من القرارات الجمهورية تقضى بالسطو على جيوب الفقراء فى عز الظهر. تلك القرارات التى اعتبرها البعض بروفة مهداة لصندوق النقد لإبداء صدق نوايا الحكومة فى السمع والطاعة.

 

والسطو هنا ليس مسلحا، ولكنه ناعم. فقد قضت القرارات الرئاسية بأن من يمتلك فيللا فى أحدى المنتجعات السكنية قيمتها 2 مليون جنيه يدفع ضريبة عقارية عليها 10 جنيهات فى الشهر فقط. بينما ذات القرارات جعلت عامل اليومية الأرزقى الذى أقصى رفاهية متاحة له هو سحب نفس عميق من سيجارة محلية الصنع تحرق قلبه، هذا العامل زادت القرارات من عبء تكلفة شرائه لهذه العلبة حوالى 75 قرشا.

 

●●●

 

والبرنامج الموقع باسم الحكومة، والمنشور على موقع وزارة المالية، يشير إلى نيتها فى رفع حد الإعفاء الضريبى السنوى لدخول الأفراد. يعنى الحكومة تعد الصندوق بأن الموظف الذى يعمل فى القطاع الخاص ويحصل على أكثرمن 5000 جنيه فى السنة (مرتبه حوالى 333 جنيها فى الشهر) لن يدفع ضرائب بعد ذلك. وكذلك نظيره فى الحكومة والقطاع العام الذى يحصل على أكثر من 9000 جنيه فى السنة (مرتبه حوالى 750 جنيها فى الشهر) هو أيضا لن يدفع ضرائب حتى يصل مرتب هؤلاء جميعا إلى 12 ألف جنيه فى السنة، ويصبح هذا هو حد الإعفاء الضريبى لأصحاب المرتبات كما كان مقررا فى حكومة عصام شرف وتم التراجع عنه أو حتى إلى حدود أقل يتفق عليها.

 

إلا أن الحكومة ذات الحس المرهف على الطبقات الفقيرة والمتوسطة فاتها أن تبرر للصندوق لماذا لم تأخذ تلك الخطوة أثناء «غزوة الضرائب» قبل أيام. حيث أنها بدلا من ترفع حد الإعفاء الضريبى لهؤلاء الموظفين، الذين يتقاضون أقل من 1000 جنيه فى الشهر. أقدمت على رفع اسعار المياه، والكهرباء، والغاز عليهم دفعة واحدة. ولم تقترب من أصحاب الدخول فوق 10 ملايين جنيه، حيث احتفظت لهم بنفس نسبة الضرائب التى يدفعونها وهى 25%. دون أن تلتزم بما وعدت به صندوق النقد من ضرائب تصاعدية على أصحاب الدخول الأعلى.

 

فالحكومة أرادات ألا تحرم نفسها من عرق عمل هؤلاء الموظفين من الطبقات الفقيرة والمتوسطة الذين دفعوا 16 مليار جنيه فى العام المالى الماضى ضرائب على مرتباتهم الهزيلة. بينما ذات الحكومة لم تجد أى غضاضة فى أن تقتطع من الموازنة من بند (إسكان محدودى الدخل) 100 مليون جنيه ليصبح إجمالى ما توجهه إلى هؤلاء المحتاجين إلى سكن متواضع لا يزيد فى نفس العام عن 1.4 مليارجنيه. ونفس الأمر شمل الأموال التى تم صرفها على دعم السلع التموينية فقد اقتطعت منها 2 مليار جنيه عن العام السابق.

 

وبينما كانت الطبقات الفقيرة والمتوسطة تدعم موازنة الدولة من قوت أولادها، لم تدفع الطبقات الأغنى ضرائب على النشاط الصناعى والتجارى إلا نحو 5.2 مليار جنيه فقط. بينما يحصل فريق من هؤلاءالأثرياء على 2.5 مليار جنيه كدعم لصادراته.

 

●●●

 

والحكومة تعد الصندوق فى برنامجها بأنها ستعيد «هيكلة دعم المواد البترولية مع توفير قدر مناسب من الحماية للطبقة المتوسطة». وتستطرد بأنها سترفع سعر أنبوبة البوتجاز، سواء داخل البطاقات التموينية لمحدودى الدخل، أو بقدر أكبر بالنسبة لمن خارج البطاقة. وسوف تبدأ بعد ثلاثة أشهر من الأن فى رفع اسعار السولار والبنزين، فور انتهائها من تحديد الفئات المستحقة للدعم. دون أن تشير ولو من باب تهدئة النفوس إلى أى إجراءات تنتوى اتخاذها حتى لا تواجه الطبقة المتوسطة بموجة عاتية من ارتفاع الأسعار، قد تقلعها من موقعها الطبقى، وتهوى بها إلى عالم الفقراء.

 

ولم يخل البرنامج أيضا من روح الفكاهة، حيث أشار إلى أنه لن يتم رفع اسعار الكهرباء على الفقراء، الذين لا يزيد استهلاكهم عن 50 كيلووات/ساعة. وحدد عددهم بـ17 مليون مشترك. بينما على العكس يفيد الخبراء أن هذه الكيلووات من الاستهلاك لا يكفى إلا لإنارة لمبتين كهربائيتين فقط لمدة عشر ساعات فى اليوم، دون إستخدام أى أجهزة كهربائية حتى البدائية منها. وهو ما ينطبق على استهلاك حوالى 4 ملايين مشترك فقط من الطبقات المعدمة.أما باقى الطبقات فسوف تطالهم زيادة الأسعار حتى لو أنكرت الحكومة.

 

والحقيقة أن الدكتور رمزى ذكى كان يستقرأ المستقبل حين كتب عام 1997 كتابا يحمل عنوانا شهيرا «وداعا للطبقة الوسطى». وقال فيه وكأنه يشاركنا حوارا مجتمعيا «إنه فى ظل نظام ليبرالى متوحش يحابى الأغنياء، ويغدق عليهم. بينما يقسو على الطبقة المتوسطة من أصحاب المرتبات والأجور، ويدفعها إلى حافة العدم. وينفذ سياسة التقشف بصرامة، فلن يجد مثل هذا النظام لضمان تنفيذ برامجه، سوى فرض قوانين استثنائية، مقيدة للحريات لمنع مقاومة الفئات الاجتماعية الأشد تضررا من هذه السياسات التقشفية». فعلا صدقت يادكتور رمزى «وداعا للطبقة المتوسطة».

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات