انطلقت منذ أوائل العقد الماضى صناعتا الطاقة الشمسية وطاقة الرياح (بالذات صناعة طاقة الرياح البحرية) بحيث هيمنتا على قطاع الطاقات المستدامة فى المرحلة الأولى لتحول الطاقة. لكن بدأ مؤخرا بروز انتقادات متزايدة عن الدور الذى يمكن أن يلعبه هذان القطاعان.
فى ضوء الزيادة السنوية للطلب على الطاقة، ناهينا عن صعوبات كل من القطاعين فى توليد الطاقة الكهربائية باستمرار دون انخفاضات أو انقطاعات، الأمر الذى يؤدى إلى الاعتماد على النفط أو الغاز كوقود مساعد فى دعم استمرارية هذين القطاعين.
برز مؤخرا أيضا تحدٍّ اقتصادى لصناعة طاقة الرياح البحرية، مما أخذ يعرقل سرعة نمو وتوسع وإمكانات هذه الصناعة، بالذات بعد أن أصبحت مصدرا أساسيا لتوليد الطاقة الكهربائية، بخاصة فى المناطق الساحلية الواسعة فى كل من الولايات المتحدة والأقطار الأوروبية.
بدأت الصعوبات الاقتصادية تعرقل أو تؤدى إلى تباطؤ توسع صناعة طاقة الرياح. فزادت تكاليف الإنشاء لتشييد هذه الصناعة الحديثة؛ إذ شكلت فى عام 2023 زيادة نحو 40 إلى 60 فى المائة عن الموازنات المقدرة لبعض المشاريع فى عام 2021، مما أدى إلى الاستغناء عن عدد من هذه المشاريع للمحافظة على أرباح الشركات المعنية.
وصدرت مؤخرا دراسة للشركة الاستشارية «ماكنزى» تشير فيها إلى أن التطور والتوسع السريع والعالى للصناعة، الذى بدأ منذ نحو عام 2010، قد بدأ ينخفض ويتباطأ. كما بدأت سياسات التفاؤل التى واكبت الصناعة منذ عام 2010 تتقلص وتتلاشى تدريجيا، بسبب ارتفاع التكاليف والفرق السعرى العالى بين تشييد هذه الصناعة وصناعات الطاقات المستدامة الأخرى.
أولت الحكومات المعنية أهمية كبرى بهذه الصناعة عند نشوئها قبل عقدين؛ نظرا لانخفاض الانبعاثات منها ولموجة التفاؤل التى سادت إمكاناتها ومستقبلها. وقد استمر هذا الاهتمام طوال العقد الماضى حتى أوائل العقد الجارى.
تشير دراسة «ماكنزى» المعنونة «طاقة الرياح البحرية: استراتيجيات لأوقات صعبة»، والمنشورة فى 12 يوليو الجارى، إلى أن صناعة طاقة الرياح تقع حاليا فى موقع مختلف عن سنوات انطلاقها الأولى فى بداية العقد السابق.
يكمن السبب فى النجاح عندئذ إلى إمكانية صناعة طاقة الرياح البحرية توليد الكهرباء بأسعار تنافسية وبانبعاثات منخفضة، مما ساعد الدول التى تستعملها على تحقيق هدف تصفير الانبعاثات المطلوب بحلول منتصف القرن.
لكن، تضيف دراسة «ماكنزى»، أخذت الأوضاع الاقتصادية الراهنة تضغط على هذه الصناعة، مما أخذ يؤثر سلبا على سرعة توسعها وأرباحها. وقد شهدت مؤخرا اجتماعات مساهمى الشركات المعنية ضغوطا وتساؤلات حول مستقبل الصناعة والشركات المعنية على ضوء زيادة تكاليف المشاريع نحو 40-60 فى المائة عن التقديرات الأولية لمشاريع بداية هذا العقد.
حصلت صناعة طاقة الرياح البحرية العالمية فى عام 2023 على عقود لتشييد محطات لتغذية 400 ميجاوات من الكهرباء بحلول عام 2030.
من الجدير بالذكر، أن إمكانات طاقات الرياح العالمية التى دخلت مرحلة التشغيل قد ارتفعت من 3 ميجاوات فى عام 2010 إلى 66 ميجاوات فى عام 2023 (وهذه الطاقة كافية لتلبية الطلب على الكهرباء فى إسبانيا، مثلا). ومما ساعد الصناعة فى بادئ الأمر، المنافسة العالية بين الشركات، وانخفاض أسعار الفائدة، والتقنية المتوفرة.
والسؤال الآن، بحسب «ماكنزى»: هل ستستطيع صناعة طاقة الرياح البحرية استعادة تجربة نموها الواسع والسريع الذى حققته خلال العقد الأول من انطلاقها؟ وهل سيكون من الممكن تقليص تكاليف تشييد المشاريع الجديدة لكى تستطيع منافسة أسعار بقية الطاقات المستدامة؟
وليد خدورى
خبير اقتصادى من العراق
الشرق الأوسط اللندنية