ما بعد الرئاسية - زياد بهاء الدين - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:17 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما بعد الرئاسية

نشر فى : الثلاثاء 26 يونيو 2012 - 8:45 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 26 يونيو 2012 - 8:45 ص

فاز مرسى وخسر شفيق. ولكن الأهم أن مصر تخرج من تجربة الانتخابات الرئاسية، منتصرة بإصرار شعبها على استكمال المسار الديمقراطى، ولكن مثخنة بجراح عميقة لن تلتئم بسهولة.

 

فاز مرسى برغم ضعف جاذبيته الشخصية وبرغم دخوله المنافسة الانتخابية فى اللحظة الأخيرة بديلا عن مرشح آخر، لأن الذى فاز هو تنظيم الاخوان المسلمين وقدرته على الحشد وعلى تجميع كل فصائل التيار الاسلامى وجانب من القوى الثورية. وخسر شفيق برغم التمويل وبرغم تأييد قطاعات واسعة فى المجتمع له، لأن الغالبية فضلت فى النهاية ألا تصوت لمرشح يمثل النظام القديم.

 

ولكن برغم انتهاء معركة الرئاسة بسلام، إلا أن الواقع أن الغالبية من المصريين وجدت نفسها فى الجولة الثانية بين بديلين لم تختر أيا منهما فى الجولة الأولى، وأن المجتمع المصرى خرج من الانتخابات الرئاسية مثخنا بجراح عميقة بعد أن بلغ الانقسام والتوتر فى الشارع المصرى حدا لم يعرفه من قبل، وبعد أن أوشك الناس أن يفقدوا ثقتهم فى مصداقية العملية الانتخابية كلها، وبعد أن وصلنا إلى حد الحديث عن الاستعداد لمواجهات فى الشوارع بين مؤيدى كل طرف. لذلك فإن الأولوية يجب أن تكون للخروج من حالة التنافر والتوتر اللذين سادا الشارع المصرى فى الأسابيع الأخيرة، ولبدء التعامل مع خريطة سياسية جديدة، ولتجاوز حالة الاستقطاب الدينى/المدنى التى قسمت الشارع المصرى إلى معسكرين متصارعين واختزلت مشاكل وقضايا المجتمع كلها فى هذا المنظور وحده.

 

هناك مبدئيا حاجة ماسة لإعادة بناء وتشكيل القوى السياسية والحزبية على الساحة لكى تعبر عن اتجاهات فكرية واجتماعية أكثر تنوعا. لقد أظهرت نتائج الانتخابات أن الغالبية من المصريين لم يكونوا فى الجولة الأولى لا من مؤيدى مرسى ولا من أنصار شفيق، وأن أكثرهم فضل البقاء فى منازلهم. أما فى الجولة الثانية فقد حصد كل مرشح أكثر من ضعف ما حققه فى الجولة الأولى، وفى هذا تعبير عما يسمى بالتصويت السلبى، أى الرغبة فى التصويت ضد المرشح الآخر (الذين اختاروا شفيق خوفا من حكم الاخوان المسلمين، والذين اختاروا مرسى حرصا على ألا يفوز مرشح النظام القديم). وهذا كله طبيعى ولا ينتقص من قيمة الانتخابات ولا من مصداقيتها، ولكنه يؤكد أن هناك مساحة واسعة خالية على الساحة السياسية لم تصل إليها الأحزاب القائمة بعد، ولذلك فمن الضرورى أن نستغل جميعا الفرصة المتاحة بعد الانتخابات من أجل إعادة تشكيل وبناء الخريطة الحزبية على أسس تتجاوز الاستقطاب الدينى/المدنى، وتستند إلى برامج ومبادئ ومواقف اجتماعية واقتصادية من مختلف القضايا الأخرى. لا أنكر أن الصراع على هوية الوطن وعلى موقع الشريعة فى القانون، وعلى مدنية الدولة، سيظل مهما ومسيطرا على جانب من الجدل السياسى، ولكن لا شك أيضا أن الخروج من حالة الاستقطاب التى سيطرت على الحوار السياسى وعلى الخطاب الإعلامى سيكون مفيدا لإثراء الجدل السياسى والحزبى.

 

هناك أيضا ضرورة فى أن يحظى الملف الاقتصادى بمزيد من الاهتمام فى الحوار الدائر بين القوى السياسية، والتى نجحت حتى الآن فى تأجيل أو تجاهل إعلان مواقفها من الأزمة الاقتصادية الراهنة، ومن عجز الموازنة، ومن أولويات الانفاق، ومن كيفية توجيه موارد الدولة المحدودة، باعتبار أن المعركة الوحيدة القائمة هى معركة الهوية المصرية، بينما لو كلفت الأحزاب نفسها عناء التوجه إلى الناخبين فى القرى والمراكز والمدن المصرية لأدركت أن الشعب المصرى لا يعانى من مشكلة هوية بقدر ما يشكو من غياب الرؤية الاقتصادية والاجتماعية من كل الأطراف السياسية. والأحزاب السياسية اكتفت بترديد مقولة «اقتصاد السوق مع عدالة اجتماعية» لكى ترفع عن نفسها حرج الخوض فى برامج ومواقف وتفاصيل. ولكننا على بعد أيام من نهاية السنة المالية للدولة، والمجلس العسكرى سوف ينفرد مرة أخرى ــ بسبب حل مجلس الشعب ــ بإصدار الموازنة العامة الجديدة، ولا أحد يبدو حتى مكترثا بمناقشة الموضوع أو إعطائه أى أهمية، بينما موازنة الدولة هى الفرصة الحقيقية لترجمة شعارات العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص إلى برامج على الأرض يستفيد منها الناس.

 

ثم إننا ــ وقد انتهت الانتخابات الرئاسية بسلام ــ بحاجة إلى الالتفات إلى الوضع الدستورى المضطرب الذى نعيشه، خاصة وأن موضوع كتابة الدستور صار بيد جمعية تأسيسية اختارها مجلس لم يعد قائما بحكم المحكمة (إلى حين إشعار آخر)، ولا تعبر عن الكفاءات والتنوع المطلوب فى المجتمع، وقد انسحب منها بعض الرموز المستقلة التى كانت فيها، وصار من الضرورى العودة لتشكيل لجنة جديدة تكتب دستورا لكل المصريين بحق وتقوم بذلك على وجه السرعة حتى نبدأ فى الخروج من المسار المضطرب الذى وضعنا فيه الإعلان الدستورى الصادر فى مارس من العام الماضى. معركة الرئاسة انتهت، ولكن معركة الدستور لا تزال مستمرة ولم تحسم بعد، وهى على أى حال أكثر أهمية.

 

وأخيرا، فإن هناك حاجة ماسة لكى يعاد للقانون وللقضاء قدر من المصداقية والاحترام فى هذا البلد. الانتقائية المذهلة فى التعامل مع أحكام القضاء غير مقبولة، ولعل أبرز مظاهرها هو أن المحتفلين بالأمس بفوز مرسى بالرئاسة فى ميدان التحرير ــ وهذا حقهم ــ يعلنون ثقتهم فى القضاء المصرى الذى انتصر للديمقراطية وقدم لمصر انتخابات نزيهة وحرة، ثم يطالبون فى ذات الوقت بتجاهل حكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان بعض أحكام قانون الانتخابات البرلمانية باعتبار القضاء مخترقا ومنعدم الاستقلال وخاضعا لأهواء السلطة التنفيذية. علينا أن نقف وقفة جادة مع فكرة العدالة والقانون، ولا نترك الأحزاب والقوى السياسية تتلاعب بها وتحركها وفقا لمزاجها الخاص ولمصالحها الضيقة، وألا نقبل هذه الانتقائية فى التعامل معها. قد يكون النظام القضائى بحاجة لتطوير، وقد يكون بحاجة لمزيد من الاستقلال، وبالتأكيد من الموارد، وانتقاد الأحكام ــ على عكس ما يقال ــ ليس خطأ ولا جريمة. ولكن كل هذا شئ، ورفض فكرة القانون والعدالة أصلا شئ مختلف تماما، والمجتمع بحاجة للاتفاق على قدسية مبدأ سيادة القانون أصلا، ثم نبحث فى التفاصيل بعد ذلك.

 

فاز مرسى وطويت بذلك صفحة الانتخابات الرئاسية التى كادت تصل بالبلد إلى حد الانفجار، وهذا مكسب كبير للشعب المصرى ولقدرته على التحمل والإصرار على التوجه لصناديق الانتخاب حتى فى ظروف صعبة ومتوترة. ولكن الوقت حان لتضميد جراح الفترة الماضية وللعمل ــ سواء من موقع الحكم أم من موقع المعارضة ــ على تجاوز استقطاب العام الماضى.

زياد بهاء الدين محام وخبير قانوني، وسابقاً نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التعاون الدولي، ورئيس هيئتي الاستثمار والرقابة المالية وعضو مجلس إدارة البنك المركزي المصري.