تتعرض مصر لحالة شديدة من شح المياه، ومن ثم فإن الحاجة للبحث عن بدائل أمر مهم فى هذه القضية التى تهدد الأمن القومى لمصر فى الصميم، وهى كارثة ناتجة عن عومل كثيرة، أهمها ارتفاع معدلات الزيادة السكانية.
فوفقا لبيانات الجهاز المركزى للإحصاء، فإن متوسط نصيب الفرد من استهلاك المياه انخفض مع زيادة عدد السكان من عام1897 إلى عام1937 من 5000م3 سنويا إلى 3500م3. عام 1995 وصلت مصر إلى حد الفقر المائى المقدر بـ 1000 متر سنويا للفرد عام 1995، وذلك بوصول عدد السكان إلى 63 مليون نسمة، اليوم مع المزيد من الزيادة السكانية وصل نصيب الفرد سنويا إلى 570م3.
والمعروف أن نهر النيل يمد مصر بـ 55,5 مليار م3 سنويا، وتقول بيانات وزارة الرى أن تلك الكمية تقدر بنحو 94% من جملة الموارد المائية العذبة لمصر والبالغ 59,25 مليار م3، وأن الزراعة تستهلك 76,82% من جملة الموارد المتاحة سواء من النيل أو غيره. أما النسبة الباقية فتُستهلك عبر كل من مياه الشرب 13,33% والصناعة 6,72%. وبمقارنة الرقم 59,25 مليارم3 الخاص بإجمالى الموارد العذبة، وبالرقم 80.25 مليارم3 والخاص بالاستخدامات الفعلية وفقا لبيانات وزارة الرى عام 2017، يتبين أن الفجوة المائية بين الوارد والمستهلك تقدر بنحو 21 مليار م3، أى ما يقرب من نصف ما يرد لمصر من النيل.
كل ما سبق من مخاطر يجعل مصر تبحث وبشكل ملح عن موارد بديلة للتخفيف من غلواء الفقر المائى. أن مصر تحتاج اليوم بعدد سكانها الضخم حاليا إلى 100 مليارم3 من المياه سنويا حتى يصل نصيب الفرد من الاستهلاك لعتبة الـ1000م3 سنويا، وهو حد الفقر المائى كما ذكر أنفا.
لا شك أن أى بحث لوجود حلول لشح المياه فى مصر يجعل الباحثين يتجهون مباشرة إلى توفير مياه الزراعة، وهى المصدر الذى يستهلك ثلاثة أرباع الموارد المائية المصرية. هنا قامت مصر بتنفيذ عديد المشروعات، ورغم أن هذا التنفيذ ما زال فى طور البدء، إلا أنه يأخذ خطوات متسارعة. وفى هذا الصدد يشار على سبيل المثال لمشروعات تحلية مياه البحر، ووسائل الرى الحديثة كالرى بالرش والرى بالتنقيط، وتخزين مياه السيول والأمطار، وتدوير مياه الصرفين الصحى والزراعى، وبناء وتجديد السدود والقناطر والأهوسة، والتخفيف من الزراعات شرهة الاستهلاك المائى كالأرز والقصب.. إلخ.
كل ما سبق مع كل التقدير له يرشد المياه الموجودة، ولا يخلق بديل لها. أما فكرة البديل فهى قائمة فى نهر الكونغو، ويقصد بها مشروع توصيل نهر الكونغو الديمقراطية بالنيل. فكرة هذا المشروع بدأت عام 1902 وجاءت على لسان مهندسين مصريين عاملين بالسودان، وهدفت للاستفادة من نحو ترليون م3 من مياه نهر الكونغو تلقى فى مياه الأطلنطى سنويا بمعدل 40 ألف م3 فى الثانية الواحدة، دون أن يستفيد منها أحد، ويصل اندفاعها وتأثيرها داخل المحيط لمسافة 30 كم. والفكرة التى تتكلف نحو 10 مليارات دولار عبارة عن تأسيس قناة بطول 600 كم تصل بين نهر الكونغو وطوله 4700 كم، ويتسم بالاندفاع الشديد، وبين النيل الأبيض الذى ترد مياهه لمصر عبر دولتى السودان، وذلك لنقل المياه المهدرة بما يكفى لزراعة مساحة بمصر والسودان تقدر بنحو عشرات الملايين من الأفدنة. ويستغرق تنفيذ المشروع 24 شهرا، ويهدف إلى إقامة أربع مضخات رفع مياه عملاقة، وإنشاء توربينات لتوليد الكهرباء عند سقوط المياه صناعيا، بما يسهم فى توليد الكهرباء، وبما يجعل الكونغو أكبر منتج للكهرباء فى إفريقيا. هنا يوصى خبراء الرى المصريين ومنهم المهندس إبراهيم الفيومى رئيس مشروع تنمية إفريقيا، والدكتور نادر نور الدين أستاذ الزراعة بجامعة القاهرة، وبعض خبراء هيئة الجيولوجيا، بسرعة السعى المصرى السياسى لتنفيذ هذا المشروع، لا سيما وأنه يجعل مصر لا تفكر فى أى شح للمياه خلال النصف قرن القادم. لا سيما وأنه يسهل من تنفيذ هذا المشروع أنه لا توجد اتفاقات دولية تحكم مسار نهر الكونغو وتمنع قيام هذا التحويل، أى أن المشروع لن يخالف اتفاقات دولية قانونية قائمة، ولا يمكن أن تمانع الكونغو حال استفادتها.
ما سبق هو مقترح مشروع قومى جديد، لا يقل بل تزيد أهميته عن توسعه قناة السويس عدة مرات، بل لا نبالغ بأنه مشروع القرن، فبه تنسى مصر أى مشروعات فرعية أخرى، بما فيها مشروع قناة جونجلى بدولة جنوب السوان، ومن باب أولى أى مشروعات فرعية داخل الدولة لترشيد المياه.