ما بعد قرض الصندوق.. - محمد مكى - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 11:58 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما بعد قرض الصندوق..

نشر فى : السبت 27 يوليه 2019 - 8:20 م | آخر تحديث : السبت 27 يوليه 2019 - 8:20 م

ارتضينا كمصريين أن نتجرع الدواء، وصدَّق الكثير منا أن العلاج والتوصيف مصريان خالصان، والصندوق ساعد فى الضبط والمساندة، وأنه لا طريق آخر سوى هذا التسهيل الائتمانى، حاملا الأوجاع على أمل التعافى، وأن الدولة تعى ما تحمَّله المصريون من متاعب، ربما كان ممكنا أن توزع على أجيال، لكن الأمر وقع، وحصلنا على شريحة قرض الصندوق الأخيرة، مع إفادة وشهادة من الصندوق تؤكد أننا نجحنا فى استكمال البرنامج، وحققنا الأهداف الرئيسية مع تحسن كبير فى أوضاع الاقتصاد الكلى مقارنة بعام 2016، لكن ماذا بعد ان انتهى البرنامج، وحصلنا على 12 مليار دولار أرهقت شروطها بيوت وجيوب المصريين؟!.

أعتقد أن الدولة مطالبة بعد اليوم التالى لصرف آخر شريحة بإعلان خطة واضحة للمرحلة المقبلة، خاصة مع شعور الكثيرين أن هوية الاقتصاد غير واضحة، وضعف واضح فى إدارة الملف مع خلافات بين أعضائه وعدم التناغم، وأن ما حدث فى السنوات الثلاث مجرد إصلاح نقدى ومالى لم ينعكس بشكل كافٍ على ماهية الاقتصاد، فهناك ثلاثة مليارات دولار سنويا كانت تأتى من قرض الصندوق، فما البديل لها مع تراجع الاستثمار الاجنبى المباشر، وتراجع فى التحويلات بنحو مليار دولار فى العام المالى المنتهى قبل نحو شهر، وتعافٍ فى السياحة لن يسد العجز، وتصدير كانت الصيحات تتعالى إبَّان تحرير سعر الصرف بأنه مستفيد كبير من القرار، لكن البنك الدولى أكد فى تقرير له منتصف الشهر الجارى أن القرار لم يكن كافيًا لضمان حدوث وتحسن ملحوظ فى أداء الصادرات.

وحتى لا تحدث انتكاسة مماثلة لما كنا عليه قبل الاتفاق مع الصندوق، يجب العمل على خلق ايرادات تغطى الاحتياجات، وتحقق فائضا من خلال اقتصاد متنوع، يعتمد على الميزة التنافسية فى عدد من الانشطة مثل السياحة والتصدير والطاقة التى قطعنا فيها شوطا من النجاح، وإعطاء فرصة للقطاع الخاص لتعظيم الإيراد والاستثمار، واصلاح ضريبى يوفر سهولة ويجذب الشركات، ومن ثم يساعد فى زيادة الإيراد، مع سد ثغرات ما قبل الاتفاق مع الصندوق، عدم تجاهل توصيات ظهرت أثناء مراحل تنفيذ الاتفاق. مع توجيه الحكومة تدفقات رءوس اﻷموال إلى قطاعات أكثر إنتاجية على حساب قطاع العقارات المفرط فيه السنوات الاخيرة، ولا ننسى اننا ما زالنا نقبع فى منطقة متأخرة فى سهولة الاعمال، ما يستلزم تحسين المناخ المؤدى إلى ذلك.

لو سلمنا بما قاله الصندوق ومن يدير الملف فى مصر بأن البرنامج نجح فى تصحيح الاختلالات الداخلية والخارجية الكبيرة، وتحقيق الاستقرار الاقتصادى الكلى، وتحقيق تعاف فى النمو والتوظيف، ووضع الدين العام على مسار تنازلى واضح، فهل نتغافل أننا اعتمدنا على الاقتراض من الخارج أكثر من اعتمادنا على الاستثمارات اﻷجنبية المباشرة قاطرة التوظيف والإنتاج، وهو ما له تأثير سلبى على قدرة اقتصادنا على النمو على المدى الطويل، فقد زادت نسبة الدين الخارجى لمصر، إلى إجمالى الدخل القومى، بأكثر من الضعف، من 17% فى 2010 إلى 36% فى 2017. وخلال الفترة نفسها، زادت نسبة الدين إلى إجمالى الصادرات من 75% إلى 190%. وهو ما يجب ان تعمل الإدارة الحالية على تعديل هذا المسلك اليوم قبل غد، مع الاخذ فى الاعتبار الضغوطات الكبيرة فى سداد الالتزامات الخارجية وخدمة الدين.

السرب الذى كان يرى حتمية الاتفاق مع صندوق النقد لانتشال الاقتصاد مما كان عليه يجب ألا يغض الطرف عن ما قاله الصندوق من توصيات منها عدم تدخل الحكومة من خلال أذرعها المصرفية للحد من ارتفاع سعر الدولار، وهو ما حدث فى أثناء موجة خروج المستثمرين الأجانب من أسواق الدين فى الاقتصادات الناشئة،، بجانب إقرار رئيس الوزراء خطة إصلاح فى ملف المشتريات الحكومية، مع اعطاء مزيد من الفرص للقطاع الخاص، فقد لاحظ الصندوق عدم كفاءة الآليات الحكومية لتشجيع القطاع الخاص للتوسع فى السوق، مع طلبه بطرح أربع شركات حكومية فى البورصة لتحويلها إلى أداة تمويل حقيقة وليس مجرد وعاء ادخارى.

نجاح العملية لا يعنى نجاة المريض المطلقة من شر الأيام، وما قاله الصندوق ــ إن كان شهادة ثقة ــ إلا أننا نحتاج إلى ثمار، فعندما تصل النتائج إلى حياة المصريين، نكون خرجنا من عنق الازمة، ونفرح حقنا بالشهادات التى غالبا تعلق على الحوائط فى أوطاننا.

التعليقات