تحيا المستشفى.. تحيا المستشفى ! - حسام السكرى - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 8:43 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تحيا المستشفى.. تحيا المستشفى !

نشر فى : الأحد 27 سبتمبر 2015 - 9:35 ص | آخر تحديث : الأحد 27 سبتمبر 2015 - 9:35 ص

كان كبير الأطباء، أو «الحكيم» كما كانوا يطلقون عليه، قلقا على المستشفى من قطاع الطرق واللصوص المنتشرين فى المنطقة. وعندما اختير ليكون مسئولا عن الإدارة، جمع العاملين وطمأنهم إلى أنه سيبدأ مشروعا ضخما لحماية المستشفى وتأمينه.

أنفق الحكيم الكثير لبناء سور كبير، وضاعف عدد الحراس أكثر من مرة، كما أغدق عليهم المال ليضمن ولاءهم.

لحسن الحظ لم يستمع أحد لصغار الأطباء الذين أبدوا قلقهم من توقف صيانة الأجهزة، ومن تجاهل احتياجات المعامل، والعيادات، إضافة للنقص الحاد فى أدوية الصيدلية، فيما أبدى العاملون فى المستشفى سعادتهم بحكمة الحكيم، خصوصا بعدما أطلعهم على تقارير المخاطر المحتملة، وما رصدته عن نشاط العصابات المجاورة، إضافة إلى احتمالات مرعبة أخرى تتضمن إمكان تدمير المستشفى بزعزعة الأساسات، واستخدام الأشعة الكهروكروموماجنوباليستية لمحو بيانات المرضى، وإتلاف الأجهزة عن بعد، والتحكم فى أدوات الجراحة، وإمكان توجيه السيول، وتحريك الصخور من جبل المقطم المجاور، وإسقاط النيازك، وتوجيه أسراب البعوض الحامل للملاريا.

كان من الطبيعى أن يشترى الحكيم جميع وسائل الحماية التى وفرتها له، لحسن الحظ، الشركة ذاتها التى استقدمت لرصد المخاطر وكتابة التقارير الأمنية.

فحصن أبواب غرف المرضى والإدارة والمطعم بدعامات من سبائك تقاوم الإشعاع، والتفجيرات، ونظم الدخول والخروج بكلمة السر والبصمة الرباعية: الإبهام والصوت وقرنية العين مع بصمة الشفاه. أما جدار المستشفى الضخم فبنى حوله سورا مكهربا، تصدر عن أطرافه الحادة دفقات من الليزر الحارق يمكنها أن تسقط أى جسم طائر يحوم فوق المستشفى. وضعت كاميرات المراقبة على المداخل والمخارج والنوافذ وفى غرف المرضى والأطباء والردهات والشرفات، كما تم استيراد أجهزة كمبيوتر متطورة لتحليل البيانات ومكالمات الهاتف ورسائل الإنترنت وحوارات الدردشة وتعليقات الفيسبوك وتويتر لرصد أى شبهة تعاون بين اللصوص وبين المتعاونين أو المغرر بهم من داخل المستشفى.

ببراعة شديدة حصل الحكيم على قروض خارجية ضخمة، مكنته من تغطية جميع جوانب الإنفاق الحيوية، وسط تفهم من الجميع لضرورة تأجيل عمليات الصيانة، وتجديد العيادات، وتحديث الأجهزة وإصلاحها، وتدريب الأطباء، والمشاركة فى المؤتمرات، والإطلاع على تطورات الطب والجراحة. شعر الجميع بالأمان رغم تخفيض المرتبات، ووقف العلاوات وزيادة رسوم العلاج، وحتى رغم استمرار السرقات التى لم تكن ذات أهمية كبيرة، قياسا على حجم المخاطر المحدقة بالمستشفى ولأنه لم يكن قد بقى الشىء الكثير على أية حال.

ساءت أحوال المرضى وتوفى أغلب المترددين على وحدات الرعاية المركزة وغرف العمليات، وسط شعور بالفخر لأنهم ماتوا فى مستشفاهم وعلى سرائرهم وليس فى أى مكان آخر.

غرس الحكيم فى نفوس الأطباء والممرضين والعاملين إحساسا نادرا بالانتماء للمستشفى ككيان خاص ونادر، كقيمة تتجاوز المفاهيم التقليدية الساذجة للطب والعلاج. صار المستشفى مرادفا للهوية والوجود، دونما حاجة لعيادات، أو أجهزة، أو أسرة، أو أدوية. بل وحتى دون الحاجة لأطباء أو مرضى أو ممرضين. ساد بين من بقوا على قيد الحياة شعور بالحب والتضامن، ضمهم جميعا فى حضن المستشفى الدافئ الكبير. وهو المعنى الذى جسده الحكيم بوضوح فى شعار رفعه على سور المستشفى المكهرب بعد احتفال باذخ:
«مهما حدث، سنظل بالحب، أفضل من مستشفيات شبرا والوراق..
تحيا المستشفى.. تحيا المستشفى.. تحيا المستشفى».

التعليقات