البحث عن الأثر العربي في صقلية - صحافة عربية - بوابة الشروق
الأربعاء 11 سبتمبر 2024 3:32 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

البحث عن الأثر العربي في صقلية

نشر فى : الثلاثاء 30 يوليه 2024 - 7:10 م | آخر تحديث : الثلاثاء 30 يوليه 2024 - 7:10 م


عندما أخبرت السيدة ديانا سيجانتينى، والتى هى من لوجانو ــ الكانتون السويسرى الإيطالى ــ بأنى سأسافر مع زوجتى إلى باليرمو فى صقلية، اقترحت أن نلتقى بصديقتها السيدة مونيكا سايتا، فهى من أهل باليرمو، وسنتعرف على ما قد لا يعرفه السائح. وفعلا تواصلت معها، واتفقنا أن نلتقى فى مقهى أرسلت لى إحداثياته.
وقد جئت إلى صقلية ومعلوماتى عنها متواضعة، فكنت أعرف عن ملكها فريدريك الثانى، وهو من أصول ألمانية، حكمها فى القرن الثالث عشر، وكان متسامحًا مع العرب والمسلمين، حتى إنه دخل إلى القدس من دون قتال، بل من خلال تفاهم مع المسلمين، وكنت أعرف أن الجغرافى العربى محمد الإدريسى ــ صاحب كتاب «نزهة المشتاق فى اختراق الآفاق» ــ قد عاش فيها، لكن لم أعرف فى أى فترة. لذا طرحت على السيدة سايتا: من أين أتى أهالى صقلية إليها؟ فأجابت: نحن مزيج من النورمان والإيطاليين والعرب. وأضافت: انظر إلى أنفى، فهو عربى، لكن بشرتى نورمانية. والنورمان هم أصلاً من الدول الاسكندنافية، الذين هاجروا منها إلى النورماندى شمال فرنسا. وسألتها عن الملك فريدريك الثانى، فأجابت: هو أهم ملوكنا، وهو مدفون فى الكاتدرائية الرئيسية فى باليرمو، والتى اقترحت أن أزورها لأهميتها المعمارية، خاصة أن عمارتها متأثرة بالعمارة الإسلامية.
وهناك ملخص تاريخى عن ملوك النورمان، الذين حكموا صقلية منذ بداية القرن الحادى عشر، على لوحات كتب فيها تاريخ الملوك. ولاحظت أن هناك تشابهًا بين أسباب تمكنهم من حكم صقلية، وأسباب تمكن العرب المسلمين من حكم هذه الجزيرة. ففى بداية القرن التاسع، استعان قائد رومانى بالعرب من تونس، عندما تمرد على الملك الرومانى آنذاك. فعندما انتصر هذا القائد بمساعدة من العرب، قام العرب بتهميشه، وحكموا كل صقلية، بما فى ذلك باليرمو، لمدة تصل إلى حوالى المائتى عام. وعندما قام الإيطاليون بالاستعانة بالنورمان فى حروبهم ضد العرب، وبعد أن هزم العرب فى بداية القرن الحادى عشر، همّش النورمان الإيطاليين. ويذكرنا هذا بكيف تمكّن الفرس والأتراك من السيطرة على الخلفاء العباسيين، بعد أن استدعوا لنصرة طرف على آخر من الأسرة العباسية.
وفى مقال نشره جون فنسنت John Vincent فى مايو الماضى فى italysegreta.com، بعنوان «هوية صقلية العربية»، يقول فيه: «لمعرفة صقلية على الوجه الكامل، لا بد من كشف هويتها العربية». ويضيف فنسنت «أن العرب توسعوا فى صقلية فى زراعة النخيل وقصب السكر والبرتقال». كما أدخل العرب على صقلية زراعة الأرز والزعفران فى القرن العاشر الميلادى. ويسمى فنسنت مدينة شيفالو Cefalu، والتى تقع على بعد 77 كم شرق باليرمو، بالداخل العربى. وفعلاً فقد زرتها وزرت كاتدرائيتها التى أنشئت عام 1131، والتى تبدو من الخارج وكأنها مسجد على الطراز المغربى. ويعزز منظرها كمسجد أشجار النخيل الباسقة أمام الكاتدرائية. والحقيقة أنك تحتاج إلى أن تدخل داخلها لتتأكد أنها كنيسة وليست بمسجد. وفى مقاله «هوية صقلية العربية»، وخلال جولته فى أكثر من مدينة فى صقلية، عثر جون فنسينت على كثير من المفردات العربية المتداخلة مع اللهجة الصقلية، بما فى ذلك السلام عليكم.
هذا وخلال جولتى فى مطار باليرمو، وفى مدينة شيفالو Cefalu، كنت أشاهد صورًا لشخصيتين مدنيتين، وكأنها صورة التقطت لهما وهما يتحدثان مع بعض، فأخذت صورة لهما كى أستفسر عنهما. والحقيقة أنى كنت أظن أنهما محافظان لمدن فى صقلية. لكن السيدة مونيكا سايتا، وعندما التقيتها على العشاء، وبرفقة زوجتى، فاجأتنى بأنهما القاضيان جيوفانى فالكونى وباولو بورسلين، اللذان اغتالتهما المافيا فى يناير وأغسطس من عام 1992. لكن هذين القاضيين كانا قبل ذلك قد أودعا أكثر من أربعمائة رجل من رجال المافيا فى السجن. وكلاهما من مواليد باليرمو، وقد أطلق اسميهما على مطار باليرمو.
كان أحد الأصدقاء محقًا، عندما أوصانى بأن أجرب الفاكهة فى صقلية، وفعلاً فإن المشمش والخوخ والعنب تتفوق على أنواع أعرفها، ويأخذنا هذا إلى أزمة الزراعة فى صقلية، أو بالأحرى أزمة الجفاف التى تعانى منها الجزيرة منذ أكثر من سنة. ولم أعلم عنها لو لم يرسل لى صديق خبرًا، نشرته النيويورك تايمز بتاريخ 24 يوليو، بعنوان: «صقلية تخاف أن تفقد سواحلها بعد أن جفت مياهها». والحقيقة أن السائح لا يشعر بأزمة المياه، مع أنه يستهلك خمسة أضعاف ما يستهلكه المواطن العادى. ومن مظاهر الجفاف، خاصة فى المناطق الجنوبية المقابلة لتونس، أن مربى الماشية أخذوا يرسلونها إلى المسالخ لنقص المياه والعلف.
وأود أن أذكر أن العرب أدخلوا على صقلية أنظمة سقى تحافظ على استهلاك المياه. لكن الأحوال قد تغيرت، ولن يسعفهم من يحتاج المياه أكثر منهم.

حامد الحمود
جريدة القبس الكويتية
النص الأصلى
https://rb.gy/i61ahj

التعليقات