أوروبا تتجه يمينا! - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 5:42 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أوروبا تتجه يمينا!

نشر فى : الأربعاء 30 سبتمبر 2009 - 10:30 ص | آخر تحديث : الأربعاء 30 سبتمبر 2009 - 10:30 ص

 فى قائمة «فوربس» الشهيرة عن أهم وأقوى مائة شخصية فى العالم، تحتل أنجيلا ميركل مستشارة ألمانيا الاتحادية مكانا متقدما فى رأس القائمة، غير بعيد فى الترتيب من باراك أوباما فى مجال الصعود إلى أعلى المناصب. وطوال السنوات القليلة الماضية، احتلت صورها أغلفة المجلات العالمية الشهيرة، وبالأخص حين أظهرت فى قيادتها لبلادها أثناء الأزمة المالية الأخيرة درجة عالية من المهارة والمرونة، والقدرة على لجم رجال البنوك وترويض نفوذهم.

لا تتميز ميركل بنفس القدر من الأنوثة الذى تتميز به فى السياسة. ولم تعرف أوروبا بعد مارجريت تاتشر المرأة الحديدية رئيسة وزراء بريطانيا امرأة مثل ميركل فى نعومتها وصلابتها، وإن بدت باهتة الشخصية هادئة الطباع.. إلا أنها نجحت فى قيادة حزبها الديمقراطى المسيحى المحافظ والدخول مع الحزب المعارض الديمقراطى الاشتراكى، فى ائتلاف حكم ألمانيا طوال السنوات الأربع الأخيرة. وقد تعاملت ببرود مع غباوة بوش واندفاعات ساركوزى وخشونة براون.

ولكنها بقيت محتفظة ببساطتها كابنة قسيس، وبمظهرها العادى الذى يشبه مظهر معلمة أو ناظرة مدرسة. وهى التى نشأت فى ظل النظام الشيوعى، ودرست الفيزياء فى جامعات برلين الشرقية، دون أن تنضم إلى الحزب الشيوعى أو تتأثر بمبادئه. ولم يلمع نجمها فى الحياة السياسية إلا بعد سقوط حائط برلين وعودة الوحدة الألمانية.

فى الأسبوع الماضى أعيد انتخاب أنجيلا ميركل التى فازت فى الانتخابات العامة بأعلى نسبة من الأصوات، على رأس حزبها الديمقراطى المسيحى، بأغلبية تؤهلها لتشكيل حكومة بمشاركة الحزب الديمقراطى الحر، أحد الأحزاب الليبرالية الصغيرة التى تقف على يمين الوسط، لتؤشر بذلك إلى التوجه اليمينى الذى تتحول إليه أوروبا حاليا، وهو ما يعتبره المراقبون دليلا على تضاؤل نفوذ الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية وأحزاب اليسار فى أوروبا، وصعود الأحزاب المحافظة. وذلك على الرغم من التوقعات التى أعقبت انهيار البورصة والأزمة المالية وحالة الركود الاقتصادى فى العالم. وجعلت كثيرا من الاقتصاديين يتوقعون أياما سوداء للرأسمالية، وعودة وشيكة إلى النهج الاشتراكى وتدخل الدولة فى إدارة الاقتصاد.

لا ترجع أهمية فوز ميركل فى الانتخابات الألمانية إلى أنها أثبتت قدرة المرأة على تعاطى السياسة فى ظروف دولية صعبة، ولكنها ترجع إلى السياسات الاقتصادية والبرامج الإصلاحية التى أعلنت عزمها على تطبيقها فى أكبر وأهم اقتصاد أوروبى، بما تنطوى عليه من انتهاج سياسات اجتماعية أقل انحيازا للطبقة العاملة والإفراط فى الضمانات الاجتماعية وبدلات البطالة، وإدخال إصلاح ضرائبى لتشجيع الاستثمار وزيادة التصدير. ولا يقل أهمية عن ذلك العودة إلى التوسع فى استخدام الطاقة النووية، وهى سياسة سارت عليها الحكومات السابقة تحت ضغط أحزاب الخضر وجماعات البيئة.

من المتوقع إذن أن تقود ميركل أوروبا فى اتجاه اليمين، بعد أن تخلصت من شريكها الحزب الاشتراكى الديمقراطى بقيادة شتاينماير وزير الخارجية السابق. وأن يقوى التحالف بينها وبين ساركوزى وبيرلسكونى وغيرهما من الأحزاب الديمقراطية المسيحية، بعد أن ظلت لعدة سنوات مجبرة على التحالف مع أحزاب اشتراكية وتبنى برامجها فى الرخاء الاجتماعى والبيئة وحقوق المثليين والتخلى عن استخدام الطاقة النووية فى توليد الكهرباء. وفى ظل هذا الاتجاه الأوروبى نحو اليمين، يصبح من المتوقع أن يفقد حزب العمال البريطانى بقيادة براون أغلبيته. وعلى النقيض من ذلك فسوف يتحتم على الأحزاب الديمقراطية الاشتراكية فى أوروبا إعادة ترتيب صفوفها وتحالفاتها كما فعل الديمقراطيون فى أمريكا، حيث نجح أوباما فى لم شمل الفئات المهضومة والملونين إلى جانبه. ومع ذلك يظل الخطر الأكبر الذى يهدد الأحزاب الكبيرة هو فقدان الثقة فيها، والاتجاه نحو الأحزاب الصغيرة مثل الخضر أو اليسار أو اليمين المتطرف. وقد حازت كلها فى الانتخابات الألمانية نسبا متفاوتة من أصوات الناخبين، ولكنها تمثل قضمة كبيرة فى كعكة المجمع الانتخابى بما يسمح لها بمزاحمة الأحزاب الكبيرة، والتأثير على قدرة الأحزاب الحاكمة فى حسم المواقف واتخاذ القرارات المهمة.

غير أن أحدا لا يتوقع للحكومات اليمينية أن تتغلب على الصعوبات الاقتصادية الراهنة. فمازالت مشكلة ارتفاع نسبة البطالة وحالة الركود التى يتعرض لها كثير من المشروعات والصناعات الرئيسية تمثل عقبة كأْداء. كما ستظل مشكلة الحرب فى أفغانستان والتزام ألمانيا بإرسال أربعة آلاف جندى من أكثر ما يثير السخط العام ليس فى ألمانيا فقط بل فى سائر الشعوب الأوروبية.

وقد يكون من المتوقع مع استرداد الاقتصاد العالمى عافيته، أن تستعيد قوى اليمين سيطرتها على السياسات الأوروبية، وما يترتب على ذلك من انتهاج سياسات يمينية أكثر تعاطفا مع إسرائيل وتشددا مع إيران، وأقل استعدادا للحوار والتعاون فى التعامل مع مشكلات العالم الثالث.

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات