الشيطان يكمن في التفاصيل - أيمن الصياد - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 6:10 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الشيطان يكمن في التفاصيل

نشر فى : الأحد 30 سبتمبر 2018 - 12:00 ص | آخر تحديث : الأحد 30 سبتمبر 2018 - 10:18 ص

صحيحٌ أننا لا نملك، حتى اللحظة نسخة «رسمية» لبنود «الصفقة». ولكننا نعرف (بحكم ما بات واضحا ومعلنا) أن بنودها الرئيسية لن تخرج عن أن تكون «تقنينا» أو بالأحرى «شرعنة» لما حرص الطرفان (نتنياهو ــ ترامب) على أن يجعلا منه «أمرا واقعا»، استباقا لأي صفقة / تسوية «نهائية».

ـــــــــــــــــــــــــ

الذين يعرفون ترامب، ويعرفون ضيفه، ويعرفون الأبعاد «الحقيقية» لما سبق تصريحه «الدعائي» من قرارات، وقوانين، وإجراءات على الأرض يدركون جيدا أن الشيطان يكمن في التفاصيل

وسط تصريحاته المثيرة بتأييده غير المشروط لمرشحه للمحكمة العليا المتهم بمحاولة «الاغتصاب»، وبعد حديثه في الأمم المتحدة عن إنجازاته «غير المسبوقة» الذي أضحك الحضور، وعلى هامش لقائه بالرئيسين؛ المصري، ثم الإسرائيلي، خرج علينا السيد ترامب فيما يشبه المؤتمر الصحفي ليعلن بطريقته المسرحية المعهودة أنه «يحب» حل الدولتين:

I like twoــstate solution… I think twoــstate solution works best.

البعض رحب وكأنه تفاجأ بكلامه. أما الذين يعرفون الرجل، ويعرفون ضيفه «الإسرائيلي» الذي كان بجواره في المؤتمر الصحفي، ويعرفون الأبعاد «الحقيقية» لما سبق تصريحه «الدعائي» من قرارات. فيدركون جيدا أن الشيطان يكمن في التفاصيل.

سيعلن تفاصيل «صفقته» عما قريب. هكذا قال الرجل بعد أن عرفنا أنه «يحب حل الدولتين».

كأي «سمسار» كان حديث الرجل عن صفقته:

We have some brilliant ideas. Ideas that have never been thought of before. Ideas that are good for both parties.

لا غرابة في الأمر. فطبيعي أن نسمع من السماسرة «كلاما جميلا»، ولكن طبيعي أيضا أن نحذر الشيطان الذي قد يكمن، كعادته في حديث «السماسرة».

صحيحٌ أننا لا نملك، حتى اللحظة نسخة «رسمية» لبنود «الصفقة». ولكننا نعرف (بحكم ما بات واضحا ومعلنا) أن بنودها الرئيسية لن تخرج عن أن تكون «تقنينا» أو بالأحرى «شرعنة» لما حرص الطرفان (نتنياهو ــ ترامب) على أن يجعلا منه «أمرا واقعا»، استباقا لأي صفقة / تسوية «نهائية».

١ـ ففيما نعرف أن دونالد ترامب اتخذ قراره «الاستباقي» قبل حوالي العام بجعل القدس «الموحدة» عاصمة رسمية وأبدية لإسرائيل معتبرا أن ذلك would open the door to a deal

٢ـ وفيما نعرف أن دونالد ترامب اتخذ قراره «الاستباقي» بمحاولة القضاء على وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئى فلسطين UNRWA في محاولة لشطب قضية اللاجئين (أو عودتهم) من بنود التسوية النهائية.

٣ـ وفيما نعرف أن الإسرائيليين اتخذوا قرارهم «الاستباقي» بإقرار قانون «يهودية الدولة» الذي يجعل من تلك الأرض «وطنا قوميا لليهود دون غيرهم» مما يشطب واقعيا قضية «عودة اللاجئين»، والتى من المفترض أنها كانت إحدى قضايا التفاوض حول «الحل النهائي» حسب ما تقضي به تفاهمات أوسلو.

٤ـ وفيما نعرف أن شبكة المستوطنات (المستعمرات) الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية (المحتلة) توحشت وتمددت سرطانيا بشكل يحول واقعيا (واستباقا لأي حل نهائي) دون قيام دولة فلسطينية «قابلة للحياة»، وهو التعبير الدبلوماسي الآثير الذي سمعناه مائة مرة على مدى ربع قرن من عمر أوسلو. يقول تقرير «لمركز المعلومات الإسرائيلى لحقوق الإنسان في الأراضى المحتلة B’TSELEM» والذي تحاول الحكومة الإسرائيلية عرقلة نشاطه أن عدد المستوطنات / المستعمرات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة (أو تلك التي ضمتها إسرائيل بالمخالفة للقانون الدولي) تزيد عن المائتين (التقرير صادر قبل عام كامل). وأن عدد المستوطنين يقارب الـ ٦٠٠ ألف

٥ـ وفيما نعرف أن إخلاء تلك المستوطنات ليس موضوعا للتفاوض (حسب كل التصريحات الإسرائيلية والأمريكية ذات الصلة). فبأي دولة فلسطينية إذن يعدنا السيد ترامب.

٦ـ وفيما نعرف أيضا أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي «لا حدود رسمية لها» حتى تاريخه. في فبراير ٢٠١٧ طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي من الولايات المتحدة رسميا أن تعترف «بالسيادة الإسرائيلية» على مرتفعات الجولان «السورية»، وفي ديسمبر من العام نفسه لم يتردد حزب الأغلبية الإسرائيلي «الليكود» في التصويت رسميا على قرار بضم الضفة الغربية «المحتلة».

٧ـ ثم أننا نعرف أن إسرائيل التي تطالب «بترتيبات أمنية» تضمن لها الأمن، (كما يقولون) أو «السيادة الأمنية»، كما يقول الواقع هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تملك «سلاحا نوويا».

***

هل هناك من وضع العربة قبل الحصان فاتخذ خطوات «عملية» في ملف «التعاون مع الجيران الآخرين» دون أن يتم «الاتفاق» على حل «عادل» للقضايا الخمس الأخرى العالقة؟

بعد تأكيد بنيامين نتنياهو على أن علاقات إسرائيل بدول عربية كبرى صارت «أفضل مما كان يحلم به»، يؤكد ترامب في تصريحه المتفائل (I like two-state solution) بأن الفلسطينيين سيعودون إلى طاولة المفاوضات للتفاوض على صيغة «الحل النهائي»، أو ما يسميه هو وأصدقاؤه «صفقة القرن». فأي شيء ترك ليتفاوض عليه الفلسطينيون؟

في وثائق الأمم المتحدة (التي انتهك الإسرائيليون ٣٢ من قراراتها حسب إحصاء عام ٢٠٠٢) ثلاث رسائل مؤرخة ٨ تشرين الأول / أكتوبر ١٩٩٣ وموجهة للأمين العام من كل من مادلين ألبرايت، ويولي فورونتسوف، وجاد يعقوبي، وناصر القدوة الممثلة الدائمين للولايات المتحدة، والاتحاد الروسي، وإسرائيل، والمراقب الدائم لفلسطين في المنظمة الدولية. تتضمن صورة من «إعلان المبادئ» المتعلق بترتيبات الحكم الذاتى المؤقت، الموقع في واشنطن العاصمة في ١٣ أيلول / سبتمبر ١٩٩٣ في إطار عملية السلام التي بدأت في مدريد في تشرين الأول / أكتوبر ١٩٩١.

تعدد الفقرة الثالثة من المادة الخامسة من إعلان المبادئ هذا (والذي يمثل جوهر اتفاقية أوسلو) قضايا «مفاوضات الوضع النهائي»، والتي كان من المفترض، لو صدقت النوايا أن تكون قد انتهت إلى حل نهائي عادل في غضون خمس سنوات من توقيع الاتفاق (أي قبل ١٩٩٨). ويقول نص تلك الفقرة: « من المفهوم أن هذه المفاوضات تشمل القضايا المتبقية، بما في ذلك: القدس، واللاجئون، والمستوطنات، والترتيبات الأمنية، والحدود، والعلاقات والتعاون مع الجيران الآخرين، والقضايا الأخرى التي تهم الجانبين».

القدس إذن، واللاجئون، والمستوطنات، والترتيبات الأمنية، والحدود.. ثم علاقات التعاون مع الجيران الآخرين.

هل هناك من وضع العربة قبل الحصان، فاتخذ خطوات «عملية» في ملف «التعاون مع الجيران الآخرين»، دون أن يتم «الاتفاق» على حل «عادل» للقضايا الخمس الأخرى العالقة؟

إجابة السؤال باتت معروفة.

وهل ترك ترامب ونتنياهو شيئا للتفاوض عليه، بعد كل ما جرى على الأرض، وكل ما اتخذ من قرارات بشأن القدس، والمستوطنات، واللاجئين، والحدود؟

إجابة السؤال أيضا باتت معروفة.

عن أي «صفقة» إذن يتحدث ترامب؟

الشيطان يكمن في التفاصيل. وربما أيضا في أدمغة بعض صانعي القرار حول الرئيس الأمريكي الجديد.

هل تعرفون جون بولتون John R. Bolton مستشار دونالد ترامب للأمن القومي؟ هذا الرجل ذو الشارب الكث، الذي يتحدث قليلا، ولكنه يقف كثيرا خلف الرئيس الأمريكي؟

في يناير ٢٠٠٩ (أى قبل عقد كامل)، وقبل أن ينقشع دخان «الرصاص المصبوب»؛ إحدى الحروب الإسرائيلية المدمرة على غزة، والتي لا تستهدف غير كسر إرادة المقاومة، كتب جون بولتون، الذي أصبح مسشارا استراتيجيا لترامب مقالا «مهما» في الواشنطن بوست بعنوان لافت: The Three State Option يدعو فيه بوضوح إلى إغلاق ملفّ الدولة الفلسطينية المستقلّـة، عبر «ضمّ غزة إلى مصر وإلحاق الضفّـة الغربية بالأردن». يقول الدبلوماسي البارز نصا في مقاله الذي قد لا يتذكره البعض:

we should look to a “threeــstate” approach, where Gaza is returned to Egyptian control and the West Bank in some configuration reverts to Jordanian sovereignty.

ولأنه يدرك أن المصريين والأردنيين لن يرحبوا بذلك which have long sought to wash their hands of the Palestinian problem، فبعض الإغراءات الاقتصادية لابد وأن تكون على الطاولة.

روبرت كاجان الكاتب الأمريكي «الجمهوري» البارز كان أيامها (وفى هذا الوقت المبكر قبل عقد كامل) أكثر وضوحا حين استحضر التاريخ القديم ليكتب عن «الخيار الأردني» معتبرا الأردن الوطن الطبيعي لملايين الفلسطينيين من سكانه، ولأنه يمثل الحلّ العملي لقضية اللاجئين الذين سيكون عليهم الاختيار بين التوطين الدائم، وبين الاستيطان في الأراضى الفلسطينية شرق نهر الأردن.

الأكثر إثارة ربما من كتابات بولتون وكاجان أيامها هو مراجعة تصريحات إسرائيلية «مبكرة جدا» (أشرت إليها في مقال كتبته فى «وجهات نظر» في يونيو ٢٠٠٩) تعمل على ترويج مفهوم وحدة «الخطر المشترك» لتنامي السلام الراديكالي متمثلا في إيران وحماس وحزب الله. وإلى ضرورة وقوف تل أبيب مع العرب المعتدلين في خندق واحد ضد هذا الخطر (لاحظ أن هذا الكلام يعود إلى عقد كامل من الزمان).

لا شيء جديد إذن، فالشيطان هو الشيطان، والتفاصيل ذاتها.

***

هل ترك ترامب ونتنياهو شيئا للتفاوض عليه.. بعد كل ما اتخذ من قرارات بشأن القدس والمستوطنات واللاجئين والحدود؟

بنيامين نتنياهو الذي طالما تنكر لشعار «الأرض مقابل السلام»، والذي لم يعلق بتصريحات (أو تغريدات) على تصريح ترامب عن الدولتين، دعا بوضوح في برنامجه الانتخابي (أيامها) إلى استبدال شعار «السّلام للنّهوض بالاقتصاد» في الشرق الأوسط ليحل محله شعار «الاقتصاد للنّهوض بالسلام»، وهو يعني بذلك ضرورة التوقّـف عن البحث عن اتفاقات سياسية لإقامة «دولة فلسطينية»، والعمل بدلا من ذلك على تحويل فلسطينيي الضفّـة إلى مستهلكين اقتصاديين. كيف؟ عبر إقامة مناطق صناعية في بعض مناطق الضفّة المحاذية لإسرائيل، تستوعب اليد العاملة الفلسطينية، بإشراف مالي وتكنولوجي إسرائيلي.

هل فيما يجري الترويج له الآن، والاحتفاء به (إسرائيليا وعربيا)، من «خيارات بديلة»، ومشروعات «اقتصادية» واعدة ظلال من مفاهيم نتنياهو القديمة تلك التي أعلنها (وكتبنا عنها) قبل أعوام؟

ثم هل تذكرون مشروع نتنياهو القديم لضمّ أجزاء من الضفة إلى الأردن؟ وهل تذكرون «وثيقة عوض الله ــ عريقات» والتي ربما لم تكن موجودة أبدا، ولكن جرى تسريبها عمدا كبالون اختبار يطرح فكرة «الاتحاد الكونفيدرالي» الذي يفترض أن يتكوّن من شرق الأردن وأجزاء من الضفة الغربية ويقوم بتوطين، ليس فقط لاجئي الضفة، بل أيضا اللاجئين الفلسطينيين في الشتات؟

قد يبدو «حل الدولتين» الذي بشرنا الرئيس ترامب بأنه بات «يحبه» شعارا دبلوماسيا أنيقًا. ولكن «الشيطان يكمن في التفاصيل».

شيمون بيريز (رفيق السلام) كتب هو أيضا، حين كان رئيسا لدولة إسرائيل، مقالا في الواشنطن بوست (١٠ فبراير ٢٠٠٩) يؤكد فيه على «خيار الدولتين» معربا عن أسفه حيال الحديث المتصاعد في دوائر فكرية أمريكية عدة عن «حل الدولة الديموقراطية ثنائية القومية» معتبرا أن هذا من شأنه أن «يقوض شرعية إسرائيل وحقها المعترف به عالميا في الوجود كدولة يهودية مهيمنة في أرض أجدادي». ولكن شيمون بيريز هذا نفسه هو الذي رأيناه اعتمد في برنامجه الانتخابى سنوات ١٩٧٤، ١٩٧٧، ١٩٨١، ١٩٨٤، ١٩٨٧ على «خطة آلون» لطرد السكان العرب من فلسطين، والتي صاغت واقعيا سياسات إسرائيل الاستيطانية بعد ١٩٦٧.

هل كان شيمون بيريز (رجل الدولة)، ببرامجه الانتخابية تلك يريد سلاما «حقيقيا / عادلا»، أم كان يريد «استقرارا» توفره سطوة إسرائيلية على الأرض، والنفوذ .. والقوة.

***

وبعد..

فبلغة رجل الأعمال المتعجرف، وبمنطق «قضى الأمر الذي فيه تستفيان»، لم يتردد ترامب في أن يكرر اعتقاده بأن خطوته بإهداء القدس (المختلف عليها) لأحد طرفي النزاع ستفتح الباب الموصد نحو الحل.

نظريا (وبقوانين السوق التي اعتاد السمسار عليها) فالرجل متسق مع ذاته، ومع خبرته وقوانينه. ففي الطريق إلى الصفقة، يعمل أى سمسار على الإنهاء «الواقعي» للقضايا ذات الصِّلة التي كانت طوال الوقت عقبة كئود على طريق الاتفاق.

هو لا يخفى إذن أنه فعل ذلك. يبقى أن ندرك (نحن) أنه يحاول أن يجعل هذا الإنهاء (أبديا) وفي صالح إسرائيل. وبشكل يضمن لها السيادة الإقليمية، فضلا عن تحقيق «كل» طموحاتها الصهيونية؛ التاريخية، والأسطورية، والسياسية «الهرتزيلية».

ولكن متى نجح «الترامبيون» في كسر إرادة المقاومة؟ اسألوا التاريخ. واسألوا الشهداء الذين يتساقطون أسبوعيا على حدود غزة في مسيرات العودة رغم أن هناك سبعة عقود كاملة مضت.

ـــــــــــــــــــــــــ

لمتابعة الكاتب:

twitter: @a_sayyad

Facebook: AymanAlSayyad.Page

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

روابط ذات صلة:

-  في الطريق .. إلى «أوسلو» (٢٣ سبتمبر ٢٠١٨)

-  ٢٠١٧: عام «الصفقة».. «والصفعة»٠(٣١ ديسمبر ٢٠١٧)

-  ذهب «إبراهيم»، وجاءت «عهد».. صورتان (٢٤ ديسمبر ٢٠١٧)

-  الإسرائيليون يدخلون القدس (١٠ ديسمبر ٢٠١٧)

-  السمسار.. في الشرق الأوسط «الجديد» (٢٨ مايو ٢٠١٧)

-  هل هي حقًا «آخر الحروب»؟ (٦ أكتوبر ٢٠١٦)

-  إسرائيل «والإرهاب».. ما بين القانون، والسياسة.. والواقع (٢٨ أغسطس ٢٠١٦)

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

الرسوم والصور:

١- الرسم للفنان الفلسطيني: محمد سباعنة

٢- تطور أعداد المستوطنين ؟ المستعمرين في الأرض الفلسطينية المحتلة

٣- جون بولتون مستشار ترامب للأمن القومي

٤- شيمون بيريز الزعيم الإسرائيلي الراحل

أيمن الصياد  كاتب صحفى
التعليقات