هل نشهد ولادة نظام حرب باردة جديدة؟ - ناصيف حتى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:30 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل نشهد ولادة نظام حرب باردة جديدة؟

نشر فى : الثلاثاء 30 أكتوبر 2018 - 12:10 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 30 أكتوبر 2018 - 12:10 ص

سؤال يطرح نفسه بقوة أمام التحولات الدولية الحاصلة حيث برز مناخ من الفوضى العالمية بعد سقوط سمات وقواعد دولية استقرت مع الزمن وتبلور قواعد وسمات جديدة فى العلاقات بين الدول فى «القرية الكونية» التى نعيش فيها. هل نشهد عودة نظام حرب باردة ولكن بصيغة جديدة وقواعد مختلفة عن تلك التى كانت قائمة غداة الحرب العالمية الثانية وحتى السقوط المزدوج لجدار برلين ومعه الاتحاد السوفيتى. بالأمس كان هنالك نظام ثنائى القطبية قائم على مواجهة مقيدة وغير مباشرة بين كتلتين عقائديتين استراتيجيتين: غربية وشرقية. ثم جاءت لحظة «الأحادية الأمريكية» و«نهاية التاريخ»: لحظة التفاؤل بانتصار النموذج الغربى فى الديمقراطية الليبرالية وبداية انتشاره دوليا. لكن ذلك لم يدم مع ولادة القطب الروسى من جديد من رحم القطب السوفيتى الذى كان قد قام على أنقاضه فى الماضى وخرج القطب الصينى من حيزه الإقليمى الذى وضع نفسه فيه نحو دور عالمى بدأ بالاقتصاد ثم حمل معه السياسة والاستراتيجية تحت عنوان «حزام واحد طريق واحد»: عولمة اقتصادية وتدويل سياسى للدور الصينى الجديد.
***
تراجعت واهتزت مفاهيم وقيم التعاون الدولى المتعدد الأطراف ودور الأمم المتحدة ومنظماتها ومؤتمراتها المختلفة وانتعشت مجددا فى رد فعل أساسى على العولمة الجارفة التى انطلقت من الغرب بالأمس، مفاهيم «حماية الدولة القومية» خاصة فى الغرب من خلال خطاب وسياسات بناء الجدران الاقتصادية وغيرها وإعادة النظر بمفاهيم التعاون والالتزامات القائمة سواء على الصعيد الدولى أو الإقليمى. شجع ودفع بذلك دون شك الأزمات الاقتصادية التى شهدتها العديد من الدول الغربية المتقدمة. أزمات حملت تداعيات اجتماعية ومعها انتكاسات سياسية برزت فى خطاب الخوف والحذر من الآخر حتى لو كان الآخر من «العائلة الاستراتيجية والسياسية والثقافية ذاتها. عدنا إلى منطق الأحادية الحادة الذى تشكل سياسات الرئيس الأمريكى ترامب أبرز تجلياته ونماذجه. لم تعد نماذج ودعوات الاندماج الاقتصادى والتعاون السياسى المؤسسى على الصعيد الدولى هى السائدة أيا كانت نتائجها فى الماضى بل أخذ يحل مكانها على صعيد الخطاب الرسمى والعمل الوطنى سياسات تقوم على «لعبة القوى» التقليدية. المثير للاهتمام اليوم مفارقة قوامها أن الصين الشعبية بما تمثله من إرث عقائدى آخذ فى التغير بقوة صارت هى حاملة لواء العولمة الاقتصادية فيما الولايات المتحدة المصدر الأساسى لقيم وسياسات ودعوات العولمة صارت مناهضة أو مشاكسة أو داعية لمقاومتها عبر السياسات «الترامبية». الإحياء الهوياتى فى العالم على جميع الأصعدة الوطنية والاثنية والدينية وانعكاساته السياسية عزز لعبة إقامة الجدران بين الدول ضمن التجمعات القائمة وضمن الدول أيضا بين هويات منتعشة وخائفة، فيما واشنطن تعلن عن نية الانسحاب من معاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى فاتحة الباب لعودة سباق تسلح نووى مع روسيا الاتحادية وتعود إلى المواجهة مع الأخيرة فى أوكرانيا. الزعيم السوفيتى السابق ميخائيل جورباتشوف حذر من مخاطر انطلاق سباق تسلح نووى جديد بسبب هذا القرار الأمريكى. ويجرى التعامل بين القوتين الكبريين بمزيج من التفاهم والصدام غير المباشر كما نرى فى الشرق الأوسط. تدخل الولايات المتحدة فى حرب باردة اقتصادية تجارية مع الصين الشعبية فيما تقترب الأخيرة استراتيجيا مع الهند المنافس التقليدى التاريخى لها وهو ما سيؤثر دون شك فى صياغة مستقبل «القرن الآسيوى». إنها اختلاط الأوراق بعيدا عن لعبة التكتلات التقليدية، ففى الملف النووى الإيرانى على سبيل المثال تقف واشنطن وحيدة مقابل تلاقٍ يريد الحفاظ على الاتفاق النووى مع إيران يضم الاتحاد الأوروبى وروسيا والصين الشعبية.
***
خلاصة القول إن الديمقراطية الليبرالية تتراجع أمام التداعيات السلبية الحادة للعولمة حتى فى الدول المصدرة لهذا النموذج فيما يتراجع دور وقيم التعاون الدولى فى مفارقة شديدة الأهمية قوامها الحاجة إلى مزيد من هذا التعاون لمواجهة التحديات الجديدة والمتزايدة على صعيد العالم. ذلك كله يكرس من جهة ويعكس من جهة أخرى صراع الهويات الخائفة من الآخر والتى للمفارقة فى صراعاتها تحت عناوين وطنية وأخرى ستزيد من هذه المخاوف ومن تداعياتها المكلفة. ما يستقر حاليا هو نظام فوضى عالمية حامل لكل أنواع الصراعات والحروب الباردة الحاملة بدورها لمزيد من الأزمات المختلفة الأسباب والسمات والتداعيات.

ناصيف حتى وزير خارجية لبنان الأسبق
التعليقات