تستعد مصر لاستقبال حدث عظيم في تاريخها المعاصر، وهو افتتاح العاصمة الإدارية الجديدة، بعد الانتهاء من تشييدها بالكامل.
وكان عمرو خطاب، المتحدث باسم وزارة الإسكان، نشر صورة من أول إضاءة لواجهات الأبراج الإدارية بالمنطقة المركزية للأعمال CBD بالعاصمة.
كما صرح خالد عباس، نائب وزير الإسكان، في لقاء على إحدى القنوات الفضائية، بأنه جار تسليم الوزارات، مبانيها في العاصمة الإدارية الجديدة، مؤكدا بدء العمل هناك مطلع يونيو 2022، مع إعلان مصادر حكومية عن بدء خطة لنقل الموظفين إلى العاصمة الإدارية الجديدة، بين شهري أكتوبر وديسمبر 2021.
وشهدت عاصمة مصر الكثير من الأحداث، وتبدلت أماكن الحكم لأكثر من مدينة، بداية من عصر الفراعنة في الدولة القديمة، مرورا بالحكم الروماني واليوناني، ووصولا للفتح الإسلامي والدولة الإسلامية، والدولة الحديثة عهد أسرة محمد علي، إلى الملكية والجمهورية، وحتى الآن.
وفي السطور التالية، ترصد "الشروق" مراكز حكم العاصمة المصرية من الدولة القديمة وحتى الآن، وفق عدد من المصادر التاريخية، أبرزها "حضارة مصر في العصر الطولوني" لحسن أحمد محمود، و"موسوعة مصر القديمة" ج14 لسليم حسن، و"الإسكندر الأكبر وبداية عهد البطالمة في مصر" لأحمد محروس، و"الفسطاط.. النشأة.. الازدهار" لخالد عز، و"الدولة الفاطمية منذ نشأتها وحتى سقوطها" ليمنى رضوان، و"تاريخ مصر الحديث والمعاصر" لعبدالمنعم إبراهيم.
• "طيبة" عاصمة مصر القديمة
كانت مدينة طيبة مركز الحكم في العصر الفرعوني، ثم تغيرت لينتقل المقر إلى مدينة منف، التي أسسها الملك نارمر، وتقع حاليا بالقرب من منطقة سقارة جنوب القاهرة، وأصبحت العاصمة، كما تقع مدينة طيبة على طول نهر النيل جنوب البحر الأبيض المتوسط، وتوجد أطلالها داخل مدينة الأقصر.
• "الفسطاط" عاصمة مصر الإسلامية
أدت التطورات التي صاحبت حركة الفتوحات الإسلامية في عهد عمر بن الخطاب إلى تأسيس عدد من المدن، كان منها مدينة الفسطاط التي تم بناءها في 21 / 642 م.
بدأ في بناءها عمر بن العاص بعدما أتم فتح مصر ليتخذها عاصمة له ومركزا للحكم ومقرا للجند، وشيد بها الجامع العتيق أو جامع عمرو بن العاص، كما أقام دار الإمارة التي كانت بمثابة مركزا للحكم في سرق الجامع، وسميت باسم "دار عمرو الكبرى"، وتقع الفسطاط في أقصى جنوب الضفة الشرقية للقاهرة شمال مدينة بابليون.
• القطائع "مركز حكم الطولونيين"
بعدما استقل أحمد ابن طولون عن الخلافة العباسية، شرع في القيام بأعمال عمرانية تُعبِّرُ عن مدى اهتمامه الشديد بمصر، وتعكس تطلعاته إلى إقامة إمارته الخاصة، فأسس ضاحية للفسطاط هي "القطائع"، اتخذها عاصمة لإمارته، وبنى فيها مسجده المشهور، وقوَّى الجبهة الدَّاخليَّة من خلال تنمية موارد الثروة، ومضاعفة الدخل في ميادين الإنتاج، وأصلح أقنية الري، والسدود الخربة.
ودام حكم الدولة الطولونية قرابة 37 عاما، إلا أن العباسيين استطاعوا إعادة مصر إلى كنف الدولة العبَّاسيَّة، وتقع مدينة القطائع شمال شرق الفسطاط، وجميعها توجد حاليا بالقاهرة بعدما تم دمجها داخل العاصمة.
• مصر العثمانية
بعد أن تم للسلطان سليم حكم مصر، وضع لإدارتها نظاما يكفُل بقاء خضوعها وعدم استقلال أحد فيها بأمرها، فأودع مقاليد حكمها 3 سلطات، له من تنافس رجالها أكبر كفيل ببغيته: السلطة الأولى الوالي، والسلطة الثانية جيش الحامية، والسلطة الثالثة المماليك.
ولما انقضى حكم السلطان سليم، وخلفه السلطان سليمان القانوني، أنشأ مجلسين آخرَين يُعرفان بالديوان الأكبر والأصغر، يجتمع أولهما عند التحدث في الشؤون الخطيرة، ويجتمع الثاني كل يوم، وأعضاء الأول من رجال الجيش والعلماء معا، وليس بالثاني أحد من العلماء ونحوهم، وأضاف سليمان أيضًا فرقة سابعة إلى الجيش ضم إليها عتقى المماليك، فبلغ بذلك جيش الحامية نحو 200 ألف جندي.
• عاصمة مصر الفاطمية
أقام القائد جوهر الصقلي في مصر بعض المنشآت العمرانية التي تؤكد استتباب الأمور للفاطميين، ومنها أنه وضع أساس عاصمة جديدة في 17 شعبان سنة 358 هجري /968 م، شمال مدينة الفسطاط، وأطلق عليها اسم "المنصورية"، نسبة إلى المنصور والد الخليفة المعز، لكنه عندما قدم الخليفة المعز إلى مصر، اطلق عليها اسم القاهرة.
وأسس الصقلي القاهرة لتكون حصنا تتحصن به الأسرة الفاطمية بعد انتقالها إلى مصر، وظلت القاهرة طوال القرن الفاطمي الأول لا يسمح بدخولها لأفراد الشعب المقيمين بالفسطاط إلا بإذن خاص، لكن بمرور الوقت اتصلت القاهرة والفسطاط.
كما شيد الخليفة العزيز بالله، القصر الغربي، وكان يجلس فيه الخلفاء يومي الاثنين والخميس، وفيه كان يعقد الملك اجتماعاته.
• الإسكندرية عاصمة مصر اليونانية والرومانية
ظلت مدينة الإسكندرية التي بناها الإسكندر الأكبر المقدوني بعد دخوله مصر، عاصمة مصر طوال حكم الرومان واليونان.
وضع الإسكندر خطة بناء الإسكندرية، لكن الموت لم يمهله ليكملها، وأتم بناءها أول ملوك البطالمة، بطليموس الأول، وجعلها عروس البحر الأبيض المتوسط وزينة الدنيا من حيث المباني، كما أضحت قبلة العالم الهيلانيستي من حيث العلوم والمعارف في عصره وفي عصر أخلافه.
وكانت الإسكندرية مقر الحكم، وفيها بني القصر الملكي وشيدت فيها المعابد والمتحف والمكتبة ومعبد اليهود وربوع الحرس ومقابر البطالمة ومقبرة الإسكندر، التي تم بناءها في عهد بطليموس الثاني، بعدما أحضر جثمان الإسكندر من مدينة منف.
ومن أشهر مباني العاصمة، كانت الجمنازيوم، وكانت لصاحبه مكانة هامة في عهد البطالمة، كما كان مركز الحياة الاجتماعية للإغريقيين، حيث كان الجمنازيوم بمثابة الرئيس الاجتماعي للمواطنين، وكانت مهمته الأساسية هي تمثيل الإغريق والمطالبة بحقوقهم أمام الإمبراطور في روما، والمحافظة على الحكم الجمهوري.
• قصر عابدين "مقر حكم مصر الحديثة"
شيد قصر عابدين في عهد أسرة محمد علي باشا، وكان مقرا للحكم منذ 1872 وحتى عام 1952، وشهد القصر الكثير من الأحداث منذ العهد الملكي وحتى نشأة القاهرة الحديثة، فهو القصر الشاهد على أحداث ثورة عرابي 1983 وكذلك ثورة يوليو 1952.
ويعد قصر عابدين تحفة فنية يقصدها الكثيرون من المهتمين بالمتاحف، لمشاهدة فخامة بناء القصر، فهو من أهم وأشهر القصور التي شيدت في تاريخ مصر الحديث.
• قصر الاتحادية "تاريخ مصر الحديث والمعاصر"
يعود تاريخ إنشاؤه لعام 1908، عندما قرر الخديو عباس حلمي الثاني إنشاء فندق كبير يحمل اسم "هليوبوليس بالاس" في ضاحية هليوبوليس بمصر الجديدة، التي كانت آنذاك صحراء لم يصلها العمران، وكلف المعماري البلجيكي "أرنست جاسبار" بوضع التصميم الهندسي والمعماري للفندق، وتم افتتاحه عام 1910، ليكون فندق سياحي، وبعد سنوات عديدة تحول قصر هليوبوليس أو قصر الاتحادية إلى مقر رئاسة الجمهورية، وتم تسجيله ضمن الآثار الإسلامية والقبطية في عام 2018.
في عام 1972، وفي عهد الرئيس محمد أنور السادات، أصبح قصر الاتحادية مقرا لاتحاد الجمهوريات العربية، ثم تحول القصر إلى مقر لحكم مصر في عهد الرئيس محمد حسني مبارك وحتى الآن.
وشهد القصر العديد من الأحداث الهامة في الوقت المعاصر بداية من ثورة 25 يناير 2011، ثم مظاهرات الغضب ضد حكم الإخوان، وحصار الرئيس المعزول محمد مرسي في نوفمبر 2012، ثم ثورة 30 يونيو 2013، حتى أصبح الآن مقرا رئاسيا للرئيس عبدالفتاح السيسي.