فرامنجهام.. تجربة مستمرة تبوح بأسرار الحياة - بوابة الشروق
الخميس 8 مايو 2025 3:45 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

فرامنجهام.. تجربة مستمرة تبوح بأسرار الحياة


نشر في: السبت 5 نوفمبر 2016 - 12:02 م | آخر تحديث: السبت 5 نوفمبر 2016 - 12:02 م

ليست المرة الأولى التى أكتب فيها عن فرامنجهام فأنا فى الواقع مفتونة بتلك البلدة الصغيرة التى تقع على بعد 20 ميلا فى اتجاه الغرب من مدينة بوسطن العريقة بولاية ماساتشوستس الأمريكية. قد يبهرك جمال الطبيعة فيها خاصة الآن فى أوان الخريف، حيث تتنافس الألوان بكل درجات الأحمر القانى والأصفر والبرتقالى والأسود والأخضر فى تلوين أشجارها الضخمة السامقة لكن هذا الجمال قد يتوارى إذا ما عرفت أنها أهم موقع على خريطة المعرفة الطبية فى عصر العالم الحديث.

على أرض فرامنجهام بدأت وما زالت مستمرة أهم تجربة علمية فى التاريخ فى طب أمراض القلب والشرايين ومنها خرجت معلومات حقيقية عن أخطر ما يواجه الإنسان من عوامل خطر تهدد سلامته بل كان لها الفضل أيضا فى أن ترفع الغموض عن علاقة أمراض القلب والشرايين بأمراض أخرى كالسكر وارتفاع ضغط الدم والسمنة. وأن تفتح الباب على مصراعيه على حقائق علمية مذهلة قلبت موازين الأمور فى اتجاه معرفة حقيقية علمية خالصة.

تبدأ فصول قصة دراسة فرامنجهام الطبية فى بداية الأربعينيات حينما بدأت تتردد فى المجتمعات العلمية والطبية الأمريكية أنباء ازدياد معدلات الإصابة بجلطات القلب والوفاة نتيجة مفاجأتها للأطباء والمرضى بلا مقدمات تتيح مقاومتها أو أسباب معروفة يمكن تفاديها.

قبل أطباء جامعة بوسطن التحدى فتبادلوا الرأى مع الهيئات الصحية الحكومية ليبدأ أول عمل علمى على نطاق واسع فوقع الاختيار على مدينة فرامنجهام التى قبل أهلها جميعا أن يخضعوا للكشف الطبى الكامل الذى أعد مفرداته أطباء وعلماء وباحثو جامعة بوسطن، فقد ضم فريق البحث أطباء من كل التخصصات وعلماء لوظائف الأعضاء والأمراض وباحثين اجتماعيين وعلماء فى الإحصاء والاقتصاد وبدأ العمل فى الدراسة عام 1948 ولم يتوقف إلى يومنا هذا.

العام الثانى بعد الستين وثلاثة أجيال متعاقبة من البشر يتم فحصهم بانتظام ويخضعون لتدوين ملاحظاتهم عن أنفسهم: ماذا يأكلون، كيف يواجهون ضغوط الحياة، أى أعراض يعانون حتى البسيط منها هم فقط يخضعون للفحص الطبى جسديا ونفسيا ويسجلون ملاحظاتهم دون التدخل على وجه الإطلاق ولا حتى بالتوجيه الشفوى حتى تبدو الفرصة كاملة لرصد هذا المجتمع بكل ظروفه البيئية والسلوكية والاقتصادية والغذائية والصحية فى آن واحد فى جميع الأعمار، الجدود والأبوان والأطفال وما يستجد من أجيال.

بدأت تلك الدراسة عام 1948 بعد استكمال الخطوات العلمية للتأكد من جدية المتابعة وتطبيق كل المعايير الأخلاقية والقانونية اللازمة لإجراء تلك الدراسة وبدعم مباشر من حكومة الولايات المتحدة. ثم الإعلان عنها فى الصحف لإتاحة متابعتها من كل مواطنى البلاد أما المقابل الذى تعهد به أصحاب الدراسة فقد كان إجراء هذا الفحص الدورى سنويا بانتظام وعلاج كل من يتعرض لأى مرض مادامت الدراسة قائمة ومستمرة.

كيف كانت البدايات؟

لم يأت اختيار مدينة فرامنجهام من فراغ فسكانها فى هذا الوقت كانوا 30 ألف نسمة (يقتربون من السبعين الآن) مجتمع يضم الإناث والذكور السود والبيض وأصحاب الأصول الآسيوية متفاوتين فى مستواهم المادى والثقافى والتعليمى والصحى. مثال للاختلاف الحقيقى فى المجتمعات الأمريكية. وافق فى البداية منهم خمسة آلاف ومائتا شخص لا يعانون من أى أعراض لها علاقة بأمراض القلب والشرايين ولا مرت بهم أزمات قلبية أو سكتة دماغية. هم الآن يتخطون الثمانية عشر ألف شخص ويرسمون خريطة واقعية لأمراض القلب والشرايين وكل ما يمت لهم بصلة فى العالم كله.

نتائج باهرة للتجربة

توالت النتائج الباهرة لتلك الدراسة الحية المستمرة فكان أن عرف العالم للمرة الأولى عوامل الخطر التى تعد مقدمة لأمراض القلب والشرايين وارتفاع ضغط الدم، ارتفاع نسبة الكولستيرول ودور كل من الجيد والردىء منه، تدنى مستوى النشاط والحركة، التدخين، مرض السكر والسمنة تطورت المدارك واتسعت حدود المعرفة وزدادت وسائل التشخيص دقة فظهرت تقنيات حديثة تم استخدامها فى متابعة الدراسة الفريدة: التصوير بالصدى الصوتى، التصوير بالرنين المغناطيسى للقلب والمخ، التصوير الطبقى للقلب والمخ، ثم قياس نسبة كثافة العظام خاصة لدى السيدات ومازالت الدراسة تضيف أبعادا جديدة للمعرفة الطبية من خلال رصد ومتابعة أمراض لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بأمراض القلب والشرايين. مثل حالات أمراض المخ والسكتة الدماغية، ألزهايمر أو خرف الشيخوخة، هشاشة العظام والتهاب المفاصل، أمراض التغذية وأمراض العيون ومرض السكر واضطرابات السمع وعلاقة كل تلك الأمراض بميراث الصفات على الجينوم البشرى.

أهم ما حققته تلك الدراسة الفريدة هو تدعيم نظرية ضرورة استشراف الخطر والتشخيص المبكر للأمراض فيما يعرف «باستراتيجيات الوقاية الأولية والوقاية المتقدمة».

تواريخ مهمة على مدى دراسة فرامنجهام الطبية:

 

- عام 1960: تأكدت العلاقة القوية بين التدخين والإصابة بأمراض القلب والشرايين.
- عام 1961: ارتفاع معدلات الكولستيرول، قياس ضغط الدم، وجود تغييرات فى رسم القلب كلها عوامل تشير إلى احتمال الإصابة بأمراض القلب والشرايين.
- عام 1967: للرياضة علاقة قوية بإمكانية الوقاية من أمراض القلب والشرايين بينما ترفع السمنة احتمالات الإصابة بها.
- عام 1976: سن اليأس عند المرأة يضاعف من خطورة إصابتها بأمراض شرايين القلب.
- عام 1988: ارتفاع نسبة الكولستيرول الحميد عامل يقلل احتمالات الوفاة.
- عام 1999: بعد الأربعين احتمالات الإصابة لدى الرجل 1:2 بينما هى 1:3 عند النساء.
- عام 2001: ارتفاع ضغط الدم إلى أعلى حد طبيعى يمثل خطرا قادما لذا يجب علاجه.
- عام 2002: السمنة عامل قد يقدم لهبوط القلب.
- عام 2005: احتمالات إصابة الإنسان بزيادة الوزن فى مرحلة ما من عمر الإنسان هى ٧٠٪ بينما احتمالات السمنة 50%.
- عام 2006: الإعلان عن بداية دراسة علاقة أمراض القلب والشرايين بالجينات وملفات علم الوراثة.

ما زالت فرامنجهام مدينة شجاعة لا تخفى كل ما بقلبها حتى توفر لقلوب كل البشر فى العالم الحماية. اسمعوا ما حكت فرامنجهام فإنه الصدق ولا أظنكم إلا واعين للدراسة حافظين لها. ولنا إن شاء الله حديث مقبل عما أفصحت عنه فرامنجهام من أسرار قلبها خلال العشر سنوات التى تلت.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك