في ذكرى رحيله.. إدجار آلان بو مؤسس أدب الرعب النفسي وسرديات التحري البوليسي وأشهر شاعر عرفته أمريكا - بوابة الشروق
الثلاثاء 7 أكتوبر 2025 5:57 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

برأيك.. هل تنجح خطة الـ21 بندًا لترامب في إنهاء حرب غزة؟

في ذكرى رحيله.. إدجار آلان بو مؤسس أدب الرعب النفسي وسرديات التحري البوليسي وأشهر شاعر عرفته أمريكا

منى غنيم:
نشر في: الثلاثاء 7 أكتوبر 2025 - 3:10 م | آخر تحديث: الثلاثاء 7 أكتوبر 2025 - 3:10 م

• جعل من الألم مادة حقيقية للإبداع الأدبي.. تعرّف على أبرز الأعمال الشعرية والقصصية لشاعر الظلال..ومآسي الفقر والاكتئاب المرضي وتجربة الحب المأساوية التي رافقته حتى وفاته في ظروف غامضة

• ترجم أعماله كبار الشعراء العرب والمصريين مثل خليل مطران وجبرا إبراهيم جبرا وصلاح عبد الصبور .. وتأثر به آرثر كونان دويل مؤلف شيرلوك هولمز وكاتب الرعب الأشهر هاورد لافكرافت

في مثل هذا اليوم قبل أكثر من قرن ونصف، رحل عن عالمنا قلم مميز لم يشبه أحدًا سواه قط في الأدب العالمي، برز من قلب العتمة ليكتب عن الرعب الإنساني، والجنون، والموت، والهاوية التي تسكن النفس البشرية، رحل الشاعر الأمريكي، إدجار آلان بو ، في ظروف غامضة، كما لو أن نهايته كانت فصلًا من إحدى قصصه الكابوسية، لكنه ترك إرثًا لا يزال يُقرأ ويُحتفى به كل عام في العالم الغربي حتى يومنا هذا.

ووُلد "بو" في بوسطن عام 1809 لأسرة من الممثلين، ولكنه فقد والدته في طفولته المبكرة، وتخلى عنه والده، فانتقل إلى كنف تاجر من ولاية فرجينيا يُدعى (جون آلان) الذي لم يتبنه رسميًا لكنه منحه اسمه، فصار إدجار آلان بو الذي لم يعرف الاستقرار في حياته أبدًا؛ وما بين فقر دائم، ونزاع مع والده بالتبني، وتجارب حب مأساوية، وتقلب مهني بين الصحافة والنقد والكتابة، تشكّلت شخصية الكاتب الذي جعل من الألم مادة حقيقية للإبداع الأدبي.

وقد التحق "بو" بجامعة فرجينيا في مقتبل شبابه، لكنه اضطر لمغادرتها بسبب أزماته المالية، ثم بعد ذلك حاول الانضمام إلى الجيش، ثم استقر على الأدب ملاذًا وحيدًا له، وكان يكتب القصيدة كما لو كانت لحنًا جنائزيًا، والقصة كما لو كانت لغزًا ميتافيزيقيًا.

وترك "بو" إرثًا غنيًا من الشعر والقصائد يعبر عن رؤيته المظلمة للجمال والحب والفناء؛ ففي قصيدته الخالدة «الغراب» بلغ ذروة نضجه الفني، إذ جمع فيها بين الإيقاع الموسيقي الآسر والرمز الفلسفي للحزن الأبدي، وهي تدور حول رجل يزوره غراب في منتصف الليل فيتحول اللقاء إلى حوار شعري عن الفقد والحزن الأبدي، حيث يرمز الغراب إلى الموت الذي لا يُفارق.

وكانت أشهر ترجمة عربية لها للشاعر اللبناني، خليل مطران ، كما ترجمها الشاعر الفلسطيني ، جبرا إبراهيم جبرا، والشاعر المصري، صلاح عبد الصبور ، بأساليب مختلفة، وتُتدرّس تلك القصيدة في أقسام الأدب الإنجليزي في الجامعات العربية.

أما قصيدة «حلم داخل حلم» فهي قصيدة فلسفية تتسائل حول طبيعة الواقع والزمن والوهم، وتُختتم بسؤاله الشهير: "هل ما نراه أو نظنه إلا حلم داخل حلم؟"، وقد أحبها القراء العرب لما فيها من طابع تأملي يشبه الشعر الصوفي، وقد نقلها للعربية الناقد والمترجم المصري، لويس عوض، والأكاديمي العراقي، عبد الواحد لؤلؤة ضمن مختاراته من الشعر الرومانسي.

وجاءت قصيدة «أولالوم» مليئة بالرموز والخيالات في تناولها للحداد والذكريات؛ حيث يسير الشاعر في ليلة خريفية لا يدرك أنه يسلك طريقًا نحو قبر حبيبته، وقد عرفها جمهور الأدب العربي من خلال الترجمات الأكاديمية، وهي أقل شهرة من «الغراب» لكنها محببة بين النقاد والدارسين.

أما قصيدة «لينور» فهي قصيدة مرثية قصيرة تتناول فكرة الجمال الميت، وهي من القصائد التي تعكس هوس "بو" بفكرة المرأة التي تموت في ريعان شبابها، رمز الجمال الذي لا يُدنسه الزمن.

بينما جاءت قصيدة «أنابيل لي» كمرثية حزينة لحب ضائع تُغني فيها روحه من وراء أستار الموت، وهي قصيدة رقيقة ومؤلمة كتبها في أواخر حياته عن حبيبته وزوجته "فيرجينيا" التي ماتت في ريعان شبابها، ولكن الحب بينهما استمر حتى بعد الموت، وتحظى هذه القصيدة بشهرة واسعة في العالم العربي لأنها تعبر عن العشق الأبدي والحزن النبيل، وقد تُرجمت بأكثر من عشر نسخ عربية، من أبرزها ترجمة الشاعر اللبناني، إلياس أبو شبكة، والناقد الأدبي، يوسف سامي اليوسف.

تلك القصائد لم تكن مجرد إبداعات جادت بها قريحة الشاعر، بل كانت أيضًا اعترافات إنسان محكوم عليه بالوحدة الأبدية، يرى في الشعر ملاذًا من قسوة الواقع، وممرًا إلى عالم الماورائيات الذي قد يجد فيه الخلاص، ولم يغب قلم "بو" أيضًا عن القصص القصيرة، فكتب قصص شهيرة؛ على غرار: «سقوط بيت آشر» و «القلب الواشي» التي أسست لما نعرفه اليوم بـ "أدب الرعب النفسي".

ولم يكن "بو" مجرّد راوٍ لقصص الرعب، بل كان مهندسًا للألم الإنساني، وكان يختبر حدود الوعي في تحليله للوعي، وفي سرده للجنون، كان يبحث عن جوهر العقل، ولهذا يرى النقاد في أعماله نبوءة مبكرة بما سيعرف لاحقًا بالتحليل النفسي، إذ كتب عن الهواجس، والهلوسات، والموت كجزء من الذات الإنسانية لا كحدث خارجي. وقد وصفه أحد النقاد ذات مرة بأنه كاتب بنى عالمه من الظلال، لكنه أضاء به الأدب الأميركي إلى الأبد.

ولم تقتصر عبقريته على الشعر والقصة، بل امتدت إلى النقد الأدبي، حيث كان من أوائل من وضعوا ملامح القصة القصيرة الحديثة، وابتكر مفهوم "وحدة الانطباع" الذي يعني أن القصة الجيدة يجب أن تُقرأ في جلسة واحدة وتترك أثرًا واحدًا متماسكًا في نفس القارئ، كما يُعتبر مؤسس أدب التحري البوليسي الحديث، فقد سبقت شخصية المحقق “أوجست دوبان” في قصته «جرائم شارع مورج» ظهور "شارلوك هولمز" بعقود.

ولكن مأساة "بو" الكبرى كانت حياته نفسها؛ حيث عاش فترات متقطعة من الفقر والعزلة، وعانى من نوبات اكتئاب حادة، وقد تناولت دراسات حديثة – منها ما نشر عبر الموقع الرسمي لمكتبة الطب الوطنية الأمريكية – تحليلًا لغويًا لكتاباته ربط بين تكرار المفردات السوداوية وبين أعراض الاضطراب الاكتئابي المزمن.

وفي أكتوبر عام 1849، عُثر عليه منهكًا ومشوّشًا في أحد شوارع بالتيمور، وهو يرتدي ملابس لا تخصه، وفد أُسعف إلى المستشفى لكنه توفي بعد أيام دون أن يفيق تمامًا، وتعددت النظريات حول سبب وفاته بين التسمم، وإدمان الكحول، وداء الكلب، والالتهاب الدماغي، وحتى التعرض للعنف. ومع ذلك، يبقى الغموض سيد الموقف، تمامًا كما أراده هو في قصصه. وقد وصف موقع مجلة "سميثسون" - وهي مجلة شهرية أمريكية - موته بأنه "واحد من أكثر النهايات غموضًا في تاريخ الأدب".

وبعد وفاته، انقسم العالم حول إرثه؛ فاعتبره البعض عبقريًا مختلًّا، وآخرون رأوا فيه أول من منح الأدب الأميركي لغته الخاصة المستقلة عن أوروبا، ولكن المؤكد أن أثره كان عالميًا، إذ تأثر به كتّاب كبار؛ مثل الشاعر الفرنسي، شارل بودلير، الذي ترجم أعماله إلى الفرنسية وقال عنه "بو هو أنا"، كما امتد تأثيره إلى الطبيب والكاتب الروائي البريطاني، آرثر كونان دويل، في أدب الجريمة، وكاتب قصص الرعب الأمريكي، هاورد لافكرافت في أدب الرعب.

واليوم، وبعد مرور أكثر من 170 عامًا على رحيله، ما زال إدجار آلان بو حاضرًا في السينما والموسيقى والأدب، رمزًا للعبقرية المأساوية التي لم تعرف السلام.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك