العرب بين حلم المواطنة وكابوس الطائفية - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 1:39 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العرب بين حلم المواطنة وكابوس الطائفية

الجامعة العربية
الجامعة العربية
كتبت ــ دينا عزت:
نشر في: الجمعة 8 يناير 2016 - 9:31 ص | آخر تحديث: الجمعة 8 يناير 2016 - 9:31 ص

• الباحثة مها يحيى: الأنظمة المستبدة بعد مرحلة التحرر من الاستعمار وراء التفكك الحالى للمجتمعات العربية
• أقليات المجتمعات العربية تدفع ثمن فشل أنظمة الحكم سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا
• دبلوماسى عربى: دول الخليج تسعى إلى إنتاج «صدام حسين» جديد لمواجهة الخطر الإيرانى
• الباحثة نوران سيد أحمد: الدستور الإيرانى لا يعترف بوجود الأقلية السنية فى إيران

قبل أيام قليلة دخلت المنطقة العربية والشرق الأوسط بشكل عام مرحلة أشد خطورة من التشاحن المذهبى على خلفية تصاعد المواجهة بين السعودية وإيران.

فقد سبق هذه الخطوة إعلان السعودية إنشاء تحالف عسكرى يضم الدول الإسلامية ذات الأغلبية السنية منها دول أعضاء فى الجامعة العربية وأخرى أعضاء فى منظمة التعاون الإسلامى. ويستهدف هذا التحالف تحقيق هدفين أحدهما معلن وهو توفير الواجهة «الإسلامية» المقبولة للحرب الغربية على تنظيم الدولة الإسلامية، والثانى هو ضمنى تقريبا وشبه معلن وهو مواجهة محاولات التمدد الإيرانى فى المنطقة من خلال الأقليات الشيعية فى الدول العربية، فى إحياء لتصريحات كان الرئيس الأسبق حسنى مبارك والعاهل الأردنى الملك عبدالله قد أدليا بها قبل نحو عقد من التحذير من قيام طهران٫ التى لم تكن خرجت بعد من تحت وطأة العقوبات الاقتصادية، بإقامة الهلال الشيعى الذى يمتد من إيران إلى سوريا.
«التحالف الإسلامى» أعاد بحسب الكثير من المعلقين فى الصحف العربية إعادة فتح الملف المسكوت عنه حول الهوية والأقليات فى المنطقة العربية. وقد استضافت العاصمة اللبنانية بيروت مؤتمرا لعدد من المنظمات الأهلية فى العالم العربى لمناقشة ملف «المواطنة والتنوع المجتمع فى العالم العربى».
ومن حديث عن أحوال الأكراد فى العراق وأحوال الأقليات العربية فى إيران أو الأقباط فى مصر والأمازيغ فى شمال إفريقيا تناول المجتمعون أوضاع الدول العربية التى تقف فى عين العاصفة بسبب الكثير من الحراك السياسى الذى لا تبدو له مسارات واضحة ــ خصوصا ما يتعلق بالمواطنة والتنوع المجتمعى.

وفى ورقتها المقدمة للمؤتمر قالت مها يحيى، الباحثة فى مركز كارنيجى للشرق الأوسط، إنه من الصعب حصر الأسباب وراء توترات الدول العربى خصوصا تلك التى تشهد «نزاعات ضارية» مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا.
وبحسب يحيى فإن أى سعى جاد نحو هندسة حلول سياسية فى هذه البلدان أو غيرها من التى تعانى توترات سياسية لا تصل بالضرورة إلى مواجهات مسلحة يتطلب قراءة عن قرب للتعدديات المجتمعية فى هذه الدول على أساس «المجتمعات العربية ليست عبارة عن كتل غير متجانسة من الطوائف والعرقيات» وإنما بكونها «نسيج مجتمع» تشكل عبر مراحل تاريخية متتالية بهذه الكتل من الطوائف والعرقيات والقبائل، على الرغم من أن البعض يروج لفكرة أن جوهر المشكلة فى اليمن والعراق وسوريا مثلا هو أنها كتل غير متجانسة من الطوائف والعرقيات.
وتلفت يحيى إلى أنه على عكس الموعود من الحكومات التى وصلت لسدة الحكم فى أعقاب التحرر من الاستعمار الغربى فى العقود الأولى من القرن العشرين وحتى منتصفه فى بعض الأحيان، فإن إقامة دول تحترم عقد اجتماعى يقوم على المساواة بين المواطنين فى إطار التنوع عجزت أو نكصت عن تحقيق هذه الوعود وتحولت لدول سلطوية تعمل على تأسيس سلطتها المستبدة فى كل حال من خلال تكريس التمييز بين مواطنيها على أسس عرقية ودينية بل وحتى أيديولوجية وهو ما قاد إلى التصارع المستمر بين الإسلاميين والليبراليية على سبيل المثال فى العديد من الدول، وايضا إلى التمييز ضد الأكراد فى العراق وسوريا لصالح القومية العربية، وأيضا على حساب الايزيدين والتركمان والسوريان فى العراق.
أشكال التمييز التى رصدها الباحثون المشاركون فى المؤتمر كما تقول يحيى تنوعت ما بين طرد قاطنى بعض المناطق الجغرافية من الدول المعنية أو حرمانهم من المناصب الحساسة فى دول أخرى أو من المشاركة السياسية فى دول ثالثة وصولا للصورة الأكثر وحشية التى تتعلق بالتهجير القسرى والقتل.
وتلفت يحيى إلى أن التوقعات التى صاحبت الإرهاصات الأولى للربيع العربى بانصهار مواطنى كل دولة من الدول فى بوتقة المطالبة بالديمقراطية المشتملة ضمنا على أساسيات المواطنة، سرعان ما تلاشت مع سعى بعض الدول للتركيز على الاستفادة من ورقة التشاحن الطائفى لاستبقاء الحكم ووأد مطالب الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية بدعوى أنها دعوات للقلاقل.

وتصر يحيى على أن تجاوز التحزبات العرقية والطائفية هى السبيل الأوحد لتجاوز التشاحنات بين مكونات المجتمع الواحد فى إطار التعددية ــ مجتمعية كانت أو سياسية أو غيرها.
أما عباس المرشد ــ الكاتب والباحث البحرينى الذى شارك فى مؤتمر بيروت بورقة عن تعقيدات اندماج المواطنين الشيعة فى البلدان الخليجية ــ فقال إن الحديث عن المواطنة فى مقابل الأقليات هو حديث بالغ التعقيد لأن الشيعة فى بعض بلدان الخليج قد يمثلون أكثرية عددية لكنهم يقعون تحت خانة الأقلية.
مساهمة المرشد تلفت إلى أن ما يصفه بـ«الحالة الشيعية» لم تكن قبل العام ١٩٧٩ تمثل إشكالية ضمن إشكاليات المواطنة والتنمية فى مجتمعات الخليج العربى حيث كان الشيعة اجمالا يعيشون دون جلبة كبيرة.
نقطة التحول فى الحالة الخليجية تحديدا جاءت بحسب ما تتفق الكثير من الآراء، بما فى ذلك الرأى المقدم من المرشد، بعيد انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية التى أسست لنمط حكم دينى أثار قلق الدول الخليجية، خصوصا مع تبنى نظام الحكم الجديد فى طهران لمفهوم تصدير الثورة إلى دول الجوار.
وبحسب دبلوماسيون غربيون فى منطقة الشرق الأوسط فإن العداء السعودى للدولة الإسلامية فى إيران ومن والته فى الدول العربية من تجمعات بما فى ذلك حزب الله فى لبنان والحوثيين فى اليمن وحكومة نورى المالكى فى العراق هو عنصر أساسى من العناصر التى رفعت درجة القلق ليس فقط فى الرياض ولكن فى كل الممالك الخليجية ــ باستثناء سلطنة عمان التى ترتبط

بعلاقات وثيقة مع إيران لأسباب سياسية وأخرى اقتصادية وكذلك مجتمعية. وهو ما دفع السعودية إلى السعى لتشكيل محور سنى يتصدى لمحاولات الهيمنة الإيرانية بحسب الدبلوماسيين.
ويقول المرشد إن نشأة الدولة الإسلامية فى إيران التى يتغلب فيها المذهب الشيعى غلقت الأبواب التى لم تكن مشرعة لحد كبير فى المقام الأول لإنجاز المواطنة والشرعية أمام أهل بلدان الخليج من أتباع المذهب الشيعى.
ويرى المرشد أن أحد أسباب المخاوف الخليجية من الأقليات الشيعية فى المنطقة كان يعبر عن إدراك بأن هذه الأقلية لم تكن تحظى بالفعل بحقوق المواطنة الكاملة فى أفضل الأحوال.
التحسب من الصعود الشيعى المرتبط ذهنيا بالصعود الإيرانى كما يلفت المرشد، لم يكن فقط شأنا لأه الحكم، بل شمل ايضا قطاعات مجتمعية دفعت ــ وبالتأكيد بدعم من أهل الحكم ــ فى اتجاه تنشيط وتعديد التجمعات السلفية السنية بوصف تلك هى جوابا مضادا حاسما فى وجه الصعود الشيعى
النتيجة أن مواطنى هذه الدول من أتباع المذهب الشيعى وجدوا انفسهم فى قلب صراع سياسى ومذهبى شديد التعقيد من دون إرادة مباشرة منهم وربما فى بعض الحالات على غير رغبة منهم على الاطلاق٫ كما يقول دبلوماسى عربى متقاعد.
ويقول المرشد إن ما زاد من ارتباك الموقف وتعقيده هو أن الدول الخليجية المعنية لم يكن لديها فى حينه ما يكفى من الأطر الدستورية والصياغات القانونية التى يمكن أن توفر آليات التفاعل السليم مع هذه الإشكالية وهو ما كان يعنى بالضرورة أن أهل هذه الدول من أتباع المذهب الشيعى سيرتفع لديهم الإدراك الطائفى شاءوا أم أبوا.
ويذكر المرشد أن «المجتمعات» الشيعية فى دول الخليج العربى ليست كلا واحدا فهى مساحات بها ما لا ينكر من تنوع، كما أنها ليست كلا مقهورا حيث إن هناك عائلات ثرية وأخرى تدير تجارات رابحة عبر منطقة الخليج بما فى ذلك مع إيران.
وفى سياق مواز لحال الشيعة فى الخليج كانت مشاركة الباحثة المصرية نوران سيد أحمد عن الأقليات غير الشيعية من أهل إيران التى نص دستورها فى مادته الثانية عشر بعد الثورة الإسلامية على أن الدين الرسمى للدولة هو الإسلام والمذهب هو المذهب الشيعى «وهذه المادة تبقى للأبد غير قابلة للتغيير».
وتقول الباحثة أحمد إن الدستور الإيرانى بالنص يعرف الأقليات من أهل إيران بأنهم «الزرادشت واليهود والمسيحيون» وهو ما يعنى ان النظام القومى ــ الدينى الإيرانى لا يصنف كتابة أن الأذربيجانيين المتمركزين فى شمال غرب ايران، والعرب، المتمركزين فى جنوب غرب ايران من السنة، هم فعليا من ضمن الأقليات ــ غير أن واقع الأمر يؤكد إلى حراك حقوقى لدى الكتلتين التى ترفع مطالب بعضها له طبيعة ثقافية، يتعلق على وجه التحديد بحق التعلم باللغتين العربية والتركية داخل أماكن تمركزها، وأيضا يتعلق بالأسماء الخاصة بأماكن التمركز والتى تحولت بحسب العرب والأذربيجانيين من العربية والتركية إلى الفارسية، إضافة لمطالب سياسية تتعلق باختيار الحكام الممثلين للسطلة التنفيذية والمطالب الاقتصادية والتنموية.
وتلفت الباحثة المصرية إلى أن قضية الأهواز الخاصة بالعرب من الإيرانيين و«الانتهاكات الجسيمة» التى تعرض لها أهل الأهواز هى هاجس مستمر فى الملف الحقوقى فى ايران.

ويذكر الدبلوماسى العربى المتقاعد أن السعودية ودول الخليج التى كانت تخشى المد الإيرانى هى من دعمت بل وشجعت الحرب العراقية الإيرانية وهى التى وصفت قائدها صدام حسين بأنه حارس البوابة الشرقية للعالم العربى، «قبل أن ينقلب السحر على الساحر ويتحول صدام من محاولة إنهاك الجمهورية الإسلامية الإيرانية لصالح الدول الخليجية إلى احتلال الكويت وتهديد الدول الخليجية الاخرى وهو ما ادى إلى نكبة كبرى للعالم العربى بدأت مع دخول الجيش العراقى المنهك بالأساس إلى الكويت ثم استدعاء الجيوش الغربية لتحرير الكويت واستبقاء هذه الجيوش فى صورة قواعد عسكرية منتشرة».
ويقول: «وها نحن اليوم نعود لنرى دول الخليج وهى تسعى للبحث عن صدام آخر مع جيش عربى آخر ولكن هذه المرة فإن السعى الخليجى لا يريد أن يكون الـ«صدام» الجديد مستقلا بل تحت إمرة الخليج نفسه حتى لا يأتى يوما وينقلب على من دعمه».
وقد تعرض المشاركون فى مؤتمر «المواطنة والمكونات الاجتماعية فى المنطقة العربية» ايضا لعنصر الهوية فى صراع ما بعد اقصاء الربيع العربى للدكتاتوريات فى بعض الدول، وخصوصا النموذج الليبى، حيث أشار وليد حدوق، الكاتب والباحث التونسى المتخصص فى الشأن الليبى إلى أن «ليبيا من حيث الواقع المجتمعى السياسى هى مجموعة من الأقليات ولا يمكن الجزم فى السياق الليبى بأغلبية واضحة المعالم تحمل نفس التصور السياسى وترتبط بينها بحد أدنى تنظيمى أو إدارى» وبالتالى فإن «الانقسام» الليبى بدا واضحا وعتيا غداة سقوط نظام القذافى.
الملفات الكردية والأمازيغية وأوضاع النساء ومجمل أوضاع مسيحيى الشرق كانت أيضا حاضرة فى المؤتمر الذى خلص بحسب الأوراق المقدمة من المشاركين فيه إلى استحالة إبقاء الغطاء المحكم التى سعت الأنظمة العربية لوضعه فوق ملف الأقليات بعد أن تأكد الجميع من أن حالة التفكك والتشرذم التى تعرضت لها دول المنطقة لم تكن إلا بسبب هذه السياسة التى اختارت ترك النار تحت الرماد.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك