تشهد محميات البحر الأحمر هذا الصيف حالة من الانتعاش البيئي والسياحي، بعدما كشفت نتائج البرنامج السنوي للرصد البيئي، برئاسة الدكتور أحمد غلاب مدير عام المحميات، عن تعافي معظم الشعاب المرجانية في محمية الجزر الشمالية وعدم تأثرها بالموجات الحرارية مقارنة بعامي 2023 و2024. حيث أكدت أعمال المسح الميداني أن المستعمرات المرجانية التي تضررت سابقًا استعادت حيويتها، في انعكاس واضح لمرونتها العالية أمام التغير المناخي، ما يجعلها ثروة طبيعية فريدة تستحق الحماية والرعاية.
قال أيمن طاهر، أخصائي السياحة البيئية والغوص، إن النتائج الإيجابية لم تقتصر على المؤشرات البيئية فحسب، بل انعكست أيضًا على حركة السياحة، مؤكدًا أن إحصائيات غرفة سياحة الغوص والأنشطة البحرية سجلت أكثر من 301 ألف رحلة بحرية بين يناير 2023 ومايو 2024، بمعدل يزيد على 70 ألف رحلة سنويًا، وهو رقم يؤكد مكانة البحر الأحمر كأحد أهم المقاصد البيئية والسياحية على المستوى العالمي.
أكد طاهر لـ«الشروق»، أن النشاط السياحي الكثيف يفرض في الوقت ذاته ضغوطًا متزايدة على النظام البيئي البحري، لاسيما نتيجة المراسي العشوائية والأسلاك الصلبة المستخدمة في تثبيت القوارب، والتي تُلحق أضرارًا مباشرة بالشعاب المرجانية الحساسة، وتزداد خطورة هذه الضغوط مع ارتفاع درجات حرارة المياه، حيث إن الحدود الآمنة لتعايش المرجان تتراوح شتاءً بين 18 و20 درجة مئوية وصيفًا بين 28 و29 درجة، بينما سُجلت في بعض الفترات ارتفاعات وصلت إلى 34 درجة مئوية، وهو ما يضاعف من حجم التحدي.
ورغم هذه المخاطر، شدد أخصائي السياحة البيئية والغوص على أن هناك جهودًا حقيقية لتعزيز مفهوم الاقتصاد الأزرق، من خلال إدخال أنظمة رسو بيئية صديقة للشعاب، وتنظيم أنشطة الغوص والسنوركلينج، وتقليل التلوث والأنشطة غير المسؤولة، معتبرًا أن هذه الخطوات تمثل أساسًا لحماية النظم البيئية ودعم استدامة السياحة البحرية على المدى الطويل.
وقال طاهر: «التحديات الراهنة تمثل في الوقت ذاته فرصة ذهبية، إذا ما استثمرناها في إدارة أفضل للرحلات البحرية وتشجيع السياحة المسؤولة وربطها بالبحث العلمي وحماية الموارد الطبيعية. البحر الأحمر ليس مجرد ثروة طبيعية لمصر، بل هو ركيزة أساسية للاقتصاد الأزرق واستثمار طويل الأمد في مستقبل السياحة البيئية المستدامة».
وتابع أنه لم تقتصر نتائج الرصد البيئي على إحصاءات الغوص والسياحة، بل أكدت أيضًا أن الشعاب المرجانية في البحر الأحمر أثبتت هذا الصيف قدرة استثنائية على مقاومة موجات الحرارة، موضحًا أن معدلات الابيضاض تراجعت بشكل ملحوظ مقارنة بالعامين السابقين، وباتت محدودة وغير مؤثرة كما كانت في الماضي. أشار إلى أن المؤشرات الإيجابية بدت واضحة في مناطق الغردقة وسفاجا ومرسى علم والقصير، وهو ما انعكس على زيادة الإقبال السياحي وتعزيز ثقة الزائرين في سلامة المقومات الطبيعية للمنطقة.
وكشف خبير البيئة البحرية أن الفرق العلمية التي أجرت أعمال الرصد لم تُسجل موجات حرارية طويلة أو حادة كما في الأعوام السابقة، وهو ما أتاح للشعاب فرصة لاستعادة نشاطها وتوازنها. وأضاف أن بعض المواقع الشهيرة مثل شعب السقالة وأبورمادة بالغردقة، وشعب مرسى مبارك بمرسى علم، أظهرت مؤشرات واضحة على التعافي الجزئي وتحسن المرونة البيئية مقارنة بالعام الماضي.
ولفت طاهر إلى أن هذه النتائج تمنح مصر فرصة ذهبية لتعزيز جهود الحماية، سواء عبر نشر الوعي البيئي بين السائحين والعاملين في الأنشطة البحرية، أو من خلال توسيع نطاق استخدام الشمندورات لحماية الشعاب من الممارسات العشوائية، إلى جانب تفعيل برامج المتابعة المستمرة.
ووجّه تحذيرًا صريحًا من أن هذه المؤشرات الإيجابية لا تعني انتهاء المخاطر، موضحًا أن «ظاهرة الابيضاض مرتبطة بشكل مباشر بالتغيرات المناخية العالمية، وأي موجات حرارية طويلة الأمد في المستقبل قد تعيد تهديد الشعاب المرجانية من جديد».
وشدد على أن الحفاظ على هذه الثروة الطبيعية يتطلب تعاونًا وثيقًا بين الجهات البيئية والمجتمع المحلي والعاملين بالأنشطة السياحية، للحد من الضغوط البشرية مثل الصيد الجائر، التلوث، أو ممارسات الغوص غير المسؤولة، مؤكدًا أن استقرار درجات حرارة المياه عند حدود آمنة هذا الصيف – لم تتجاوز 32 درجة مئوية – إلى جانب حركة التيارات والرياح التي ساعدت على تجديد المياه، كانت عوامل أساسية في تخفيف الإجهاد الحراري عن الشعاب.