يستطيع رضوان علي، الشاب الثلاثيني، المقيد، سماع صوت عربة الآيس كريم، المارة أسفل نافذة غرفته، ليهرع الصبية خلفها، ولكنه لا يذكر متى آخر مرة شاهدها؛ إذ أنه لم يخرج من المنزل منذ زمن بعيد حبيسا فى أغلاله عاريا يحدق بلا توقف، بينما ثقلت حركته من ضيق غرفته وهكذا يمضي المرضى النفسيين أسوأ اللحظات بقلب الصراع اليمني دون أن ينتبه لهم أحد.
يقول عادل محيى، مدير مستشفى تعز للأمراض العقلية، لـ"الجارديان"، إن الأسر لا تتفهم المريض النفسي وتعتبر صاحبه ممسوسا من الجن ما يجعلهم يتخلصون منه بتقييده أو إرساله للمصحة الأمر الذي يعد محزنا للغاية.
وفي مستشفى تعز يبدو حال المرضى الـ143 أفضل بقليل من حال رضوان، فمعظمهم مقيدون أيضا بينما تعمل ممرضتين فقط على رعايتهم ومن بينهم شاب نحيل لم ينطق بكلمة منذ أن رأى مصرع والده بطلق ناري والآخر يرفع يده باستمرار طالبا سيجارة بعد أن أصيب باكتئاب جراء إصابته في ذراعه برصاصة وعدم مساعدة أحدا له.
يروي محيى أنهم لا يفكرون في إطلاق سراح المرضى، فالمجتمع لا يعد آمن عليهم بالمرحلة الحالية لذلك ما يستطيع تقديمه لهم هو أن يحتويهم إذ يعرف محيى أسماء مرضاه جميعا ويطوف المصحة يحدثهم ويلاطفهم تخفيفا عنهم.
وذكرت منظمة الصحة العالمية، أنها ترجح أن نسب مرضى النفسى فى مناطق الصراع تبلغ 20% بينما لا تتواجد الكثير من الدراسات باليمن إلا أن نسب الانتحار فى صنعاء وحدها قفزت إلى 40% بين عامى 2014 و2015، فيما أوضحت دراسة أخرى عام 2018، أن 80% من الأطفال يعانون من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة.
وتقول إشراق السباعى قائمة مقام وزير الصحة اليمنى، إن المرض النفسى من الأشياء المهملة فى اليمن ولم يكن من الأولويات.
ويوضح محيى أن الدعم الحكومى لمستشفاه لا يغطى 25% من حاجتها، مضيفا أن دعما من الأمم المتحدة كان يساعده إلا أنه تم سحبه مؤخرًا.
ويختم محيى أن هذه القفزة بزيادة الحالات النفسية خلال الصراع اليمنى، ليست سوى البداية، مضيفا أن الأمر سيصبح كارثيا وهو يدعو الله أن لا يكون على وجه الأرض وقتها ليشهد ما سيحدث.