كُتابّ يتحدثون عن بهاء طاهر بمحبة: أدبه يصل إلى القلب سريعا - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 6:34 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كُتابّ يتحدثون عن بهاء طاهر بمحبة: أدبه يصل إلى القلب سريعا

شيماء شناوي
نشر في: الجمعة 14 يناير 2022 - 7:35 م | آخر تحديث: الجمعة 14 يناير 2022 - 7:35 م

«كتابات بهاء طاهر من هذه الكتابات الهامسة التى تنساب إليك فى هدوء آسر بليغ، وتربِّت على مشاعرك فى نعومة ورقة مهما بلغت حدتها الدرامية وعمقها الدلالى. إنه قصاص شاعر متصوف تفيض شاعريته وصوفيته برؤية إنسانية حارة تُغريك برومانسيتها الظاهرة عما وراءها من حكمة وعقلانية وإحساس عميق بالمسئولية والالتزام». هذا ما قاله الكاتب الكبير محمود أمين العالم عن بهاء طاهر الأديب الكبير الذى تحل هذه الأيام ذكرى ميلاده الـ87.
لم يتنازل الكاتب والقاص والروائى بهاء طاهر فى حياته يومًا عن دوره كمثقف، ظل متمسكًا بالقلم كسلاح وحيد لفارس رأى وسمع وخبر من الزمان ما يمكّنه من إبداء الرأى بكثير من الحكمة والتروى إزاء أغلب القضايا المجتمعية، وصنع بمنجزه الإبداعى الذى أسهم فى إغناء الثقافة العربية فى خلق جيل عربى غنى بالثقافة وبالمعرفة يسيرون على دربه مسترشدين بما أعطاهم من قيم ومبادئ ومعايير غرسها فيهم بقلبه وعقله وإبداعه الذى جعلهم مجتمعين على محبته.
فى السطور التالية رسائل خطتها آيادى روائيين وروائيات ممن تأثروا فى رحلتهم الإبداعية بقلم بهاء طاهر البديع ونصوصه الفريدة.
نورا ناجى: «أوقعنى فى عشق فن غزل الروايات»
فيما ترى الروائية نورا ناجى أنها وقعت فى غرام فن الرواية منذ قرأت مؤلفات بهاء طاهر، ومن هذا الغرام بدأت فى غزل مؤلفاتها متأثرة بطريقته فى السرد وحب شخصياته الرمادية، وعن ذلك تحكى «فى عام 2007، قرأت رواية واحة الغروب للأستاذ بهاء طاهر، واندهشت ربما من الطريقة التى بدت لى وقتها متجددة، مليئة بالحيوية، الانتقال فى الفصول بين الشخصيات، تركيب شخصية الضابط محمود، طريقة تعرفه على زوجته الأجنبية ثم سفرهما إلى الواحة وتقاطع المصائر والارتباكات التى تؤدى فى النهاية لمحمود بمصير لا يمكن أن يتغيّر. وقتها وقعت فى عشق فن غزل الروايات.
تذكرت أننى قرأت رواية قصيرة كانت قد صدرت ضمن مكتبة الأسرة بعنوان «خالتى صفية والدير»، وأنها لنفس المؤلف. فى صغرى لم أكن أهتم باسم المؤلف كثيرا قدر اهتمامى بابتلاع أكبر كم ممكن من الكتب التى يجلبها لى أبى كل يوم، وكانت خالتى صفية والدير عنوانا مألوفا، بعد عرض المسلسل المأخوذ عنها فى التلفزيون المصرى. والتفاف أسرتى حوله كل يوم للمتابعة بدهشة بالغة، والتساؤل: كيف يتحول الحب إلى هذا النوع من الكراهية الغريبة والفاتنة.
علاقات الحب ــ الكره، والشخصيات الناقصة الرمادية هى ما يميز أعمال بهاء طاهر. وربما ما يجعلها أيضا أقرب للقارئ، لأن الكاتب لا بد أن يوصّل إحساسه بالهشاشة الإنسانية، وأن يحمل أيضا بعضا منها داخله، وينثرها فى شخصياته.
تخطط صفية لقتل حربى طوال الرواية، تكرهه كراهية واضحة، وتسعى للانتقام بدعوى قتله لزوجها (خاله) عسران، لكنها فى حقيقة الأمر تنتقم لحبها المهدور، لا تُظهر حقيقة مشاعرها أبدا، ولا يكتبها بهاء طاهر بوضوح، يكتفى بهذا الشعور المنبعث بين السطور على طول الرواية، نكتشف أن الكراهية تخفى وراءها حبا جارفا ويائسا وغير معقول. لأنها وحين يموت حربى، تموت أيضا. ببساطة تنتهى حياتها لأنها فى الواقع ماتت منذ أن انقطع حبه لها، وحبها له.
هكذا يتوقف الفنان عند المشاعر المعقدة، هكذا يبرزها ويفككها قطعة قطعة، لنتمكن من رؤية أنفسنا أمام مرآته. بهاء طاهر منحنى فى بداية حياتى، وحتى قبل أن أعرف بأننى ذات يوم سأحترف الكتابة، هذا الحس الرهيف والشفاف الأقرب لجهاز أشعة يجعلنى قادرة على رؤية ما بداخل الإنسان، أفكاره المنسابة، مخاوفه ورغباته وخيره وشره، وربما أيضا ما زرع بداخلى التعاطف، لأننا فى النهاية لا نكره كرها خالصا، قدر ما نحب حد الموت.
ــ عمر العادلى: «كتاباته تحمل قيمة إنسانية عالية»
الروائى عمرو العادلى أكد أن عالم بهاء طاهر الروائى لا يشبه مشاريع أخرى لأبناء جيله، وأنه تعلم منه هدوء النفس فى الكتابة وعدم التعجل فى النشر، وأن كل ما له قيمة لابد ستظهره الأيام، مشيرًا إلى أن تأثير كتابات بهاء طاهر ممتد إلى أجيال وأجيال لاحقة وأن ملحمته «خالتى صفية والدير» كفيلة إذا دُرست ضمن المقررات المدرسية أن تجعل روح الود تسود بين الأديان أكثر من ألف خطبة عصماء.
ويضيف «العادلى»: أعتز بالحديث عن بهاء طاهر فى أى وقت، هذا الرجل الذى أحبه وأتعلم منه الكثير، وما زلتُ. أعتبر أن تأثير بهاء طاهر نابع من نبله ومواقفه أكثر من أدبه، وهذا لا ينفى بالطبع أن له باعا أدبيا كبيرا وأن كتابته تحمل قيمة إنسانية عالية، لكن مواقف بهاء طاهر تصل إلى القلب سريعًا، يكفى موقفه من جائزة مبارك التى ردها ورد قيمتها المالية بعد ثورة يناير.
أما بالنسبة إلى أدبه فقد أثرت فىَّ روايات الحب فى المنفى ونقطة النور، ورواية خالتى صفية والدير هى التى عرفتنى على عالم بهاء طاهر الثرى، فالقصة غريبة وتشبه الأساطير، وقدرة بهاء طاهر على معالجة الحدث جعلت منها رواية عالمية، وروح بهاء طاهر التى أنتجت هذا العمل الفريد هى روح ملحمية فى الأساس، وأتصور أن تدريس هذه الرواية فى المدارس سيجعل روح الود تسود بين الأديان أكثر من ألف خطبة عصماء لا معنى لها.
وقد كنت من الذين استقبلوا فوز روايته واحة الغروب بأول بوكر عربية بالترحاب الشديد، فقد كانت بداية طيبة لجائزة ما زالت مهمة وحاضرة فى المشهد الثقافى العربى.
أعتبر أن عالم بهاء طاهر لا يشبه مشاريع أخرى لجيله، فقد كان مشروعا متفردا فى كثير من الأمور، أهمها بالنسبة لى أنه يعبر عن رؤية العالم عند الكاتب فى فترة الستينيات والسبعينيات، تلك الفترة التى كانت تموج بالأحداث الجسيمة على مستوى مصر والعالم العربى والعالم، وقد حاول بهاء طاهر فهم، ومن ثم إفهامنا نحن القراء، ما كانت تسير عليه الأمور.
تعلمت من بهاء طاهر هدوء النفس فى الكتابة وعدم التعجل فى النشر، وأن كل ما له قيمة لابد ستظهره الأيام، وليس بالضرورة أن يغنى الكاتب على نغمة جيله نفسها، فأن نشبه بعضنا بعض ذلك لا إبداع فيه، أما التنوع فى موضوعات الكتابة وحتى مصادرها هو الغنى الحقيقى للكاتب وقرائه. لا يمكن الحديث عن بهاء طاهر فى عجالة، ولكننى أحب هذا الرجل دمث الخلق حثيث الكلمة، ولا أتذكر أننى قابلته ذات مرة إلا وقابلنى بالترحاب والود والابتسام.
ــ رشا سمير: بهاء طاهر إنسان يتناسب قلبه مع قلمه
الكاتبة والروائية رشا سمير ذهبت إلى أن بهاء طاهر فارس الصعيد الذى امتطى صهوة جواد الإبداع لينغمس فى معارك إنسانية وضعته فى قلب التاريخ الثقافى لمصر، وأنه دفع ثمنا فادحا لشجاعة مواقفه لكنه لم يتغير ولم يتراجع، مؤكدة أنه روائى له مذاق مختلف لم يقتفِ أثر أحد ممن سبقوه ولم يتسلل إلى عباءة أحد، وعن ذلك تقول: «لم يكن أستاذنا وقدوتنا الروائى المتفرد بهاء طاهر مجرد قلم يبحث عن أمجاد زائفة ولا أديبا يحلم بأوسمة من ذهب.. بل هو فارس من الصعيد امتطى صهوة جواد الإبداع لينغمس فى معارك إنسانية وقدرية وضعته أولا فى قلوب قرائه، وثانيا فى قلب التاريخ الثقافى لمصر.
بهاء طاهر، خمس وثمانون عاما من الإبداع، والعطاء الأدبى المختلف، صاحب مكانة متميزة بين كتاب الرواية والقصة فى العالم العربى.
له رصيد أدبى قد لا يمتاز بالكم ولكنه دون شك يتميز بالكيف، كتب خلال رحلته الأدبية ست روايات، وخمس مجموعات قصصية، وترجمت أعماله إلى العديد من اللغات.
أراه روائيا له مذاق مختلف، لم يقتف أثر أحد ممن سبقوه ولم يتسلل إلى عباءة أحد، بل ظل طول الوقت حريصا على أن يكون مستقلا ومختلفا فى إبداعاته ومعبرا عن قناعاته الشخصية.
أقرأ له منذ أن وعيت على القراءة، لأجده متمكنا من تقنيات السرد وحرفية القص وبساطة الأسلوب، فهو يصاحب القارئ فى رحلة بديعة بين سطور رواياته، لا يمل فيها أبدا.
منذ صدور روايته الأولى «شرق النخيل» عام 1983، وحتى صدور آخر روياته «واحة الغروب» 2006 يكتب لنا رواية كل خمس سنوات تقريبا.. وبقدر ما يوحشنا غيابه إلا أنه دون شك باق برصيده من الأعمال السابقة فى قلوبنا فى محطة انتظار الجديد.
لأنه آت من أقصى الصعيد (محافظة الأقصر) حيث الرجولة والشهامة هى عنوان الرجال، فهو لم يكتفِ بكونه روائيا أو قاصا من الطراز الأول، بل كانت له دائما على الأصعدة السياسية والإنسانية مواقف دفع ثمنها من حياته وغربته، فكان دوما مثالا يحتذى به، فما قام به فى عام ٢٠١٣ حين تبرع بقطعة أرض يمتلكها بالأقصر للدولة من أجل إقامة قصر ثقافة عليها يخدم المثقفين وقضاياهم، وبالفعل تم إطلاق اسمه عليه ليظل عنوانا لإبداعه.. كما لم ينتظر مثل الآخرين رحيل النظام حتى يستطيع أن يقول كلمته، بل قالها فى وجه الأنظمة بكل شجاعة، مما أدى إلى منعه من الكتابة فى عهد الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، واضطر إلى مغادرة البلاد، حيث سافر إلى أفريقيا وآسيا للعمل كمترجم، فكان هذا ثمنا فادحا لشجاعة مواقفه، لكنه لم يتغير ولم يتراجع. كانت مواقفه دائما دافعا لى ولغيرى للتشبث بقول الحق مهما كان الثمن.
كان لى شرف لقائه منذ أعوام طويلة فى إحدى الندوات وهرعت إليه لأنتهل من دماثة خلقه وحديثه الشيق، فقابلنى بكل تواضع وابتسامة لم تفارق شفتيه طوال الحديث بيننا.
هناك اشخاص نقرأ لهم وحين نلقاهم نتوقف عن متابعة أعمالهم لأننا نكتشف زيف معدنهم، العكس صحيح تماما فيما حدث لى مع الاستاذ بهاء، فقد تركنى يوم قابلته فى حالة من الانبهار وانطباع أن أجرى لأقتنى باقى أعماله لأتعرف عليه أكثر وأكثر، فهو إنسان يتناسب قلبه مع قلمه.
أستطيع بكل فخر أن أقول إن الاستاذ بهاء طاهر كان واحدا ممن أثروا فى مشوارى الأدبى وكان طوال الوقت قامة ثقافية يشرفنى الاقتداء بها. لا أجد خيرا من كلماته لأختتم بها رسالتى إليه فى عشق قلمه.
«لا أفهم معنى للموت، لكن ما دام محتما فلنفعل شيئا يبرر حياتنا، فلنترك بصمة على هذه الأرض قبل أن نغادرها».



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك