يحتفل العالم اليوم، 18 مايو، بـ"اليوم العالمي للمتاحف"، وهو احتفال سنوي أقرّه المجلس الدولي للمتاحف منذ عام 1977، خلال اجتماع لجنته الاستشارية الذي انعقد في العاصمة الروسية موسكو.
وينظر المجلس إلى المتاحف باعتبارها كيانات تشكل جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والثقافي، تعمل على ترسيخ الهوية ونشر الوعي الحضاري، كما تسهم في دعم العملية التعليمية وتعزيز التفاهم بين الثقافات.
ولعل من اللافت أن العلاقة بين فكرة "المتحف" كمؤسسة ثقافية وبين مصر ضاربة بجذورها في عمق التاريخ. فقد وصف علماء الحملة الفرنسية التي جاءت إلى مصر في الفترة من 1798 إلى 1801 البلاد بأنها "متحف مفتوح".
ولم يكن هذا الوصف مجرد تعبير لغوي عن الانبهار بالآثار المصرية، بل كان إحساسًا حقيقيًا بالإعجاز الحضاري المتجذر في ربوع مصر شمالًا وجنوبًا، وفقًا لمحمد جمال راشد في كتابه "المتاحف المصرية: قراءة في فلسفة نشأتها وتطورها"، الصادر عن دار العين للنشر.
وبحسب الكتاب، دفع هذا الإعجاب العميق العلماء الفرنسيين إلى وضع واحد من أهم الأعمال التوثيقية عن مصر، وهو كتاب "وصف مصر"، الذي صدر لاحقًا في عشرين مجلدًا، ولا يزال حتى اليوم مصدرًا بالغ الأهمية لدراسة الحياة المصرية في تلك الحقبة، فضلًا عن قيمته في توثيق المعابد والآثار المصرية القديمة التي أثارت دهشة الفرنسيين ومن بعدهم العالم بأسره.
وكان هذا الكتاب مدخلًا مهمًا لميلاد علم المصريات، ذلك العلم الذي نشأ في الغرب، ليحتل منذ نشأته مكانة مرموقة ضمن فروع العلوم الإنسانية.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل كان وصف مصر بـ"المتحف المفتوح" مجرد وصف لحالة آنية رصدها الفرنسيون لحظة وصولهم؟ أم أنه وصف يتّسق وتاريخ هذه البلاد وحضارتها الراسخة؟
ويجيب الكتاب، عند النظر بتمعّن في تراث مصر القديمة، نجد أن الصورة التي تبرز من بين النقوش والآثار تكشف عن فكر متقدّم سبق عصره في إقامة مؤسسات أدّت نفس الدور الذي تؤديه المتاحف المعاصرة. فقد كان المصري القديم يقتني ويحفظ ويعرض أعماله الفنية والمعمارية والدينية داخل المعابد، التي لم تكن فقط أماكن للعبادة، بل مؤسسات للعرض والتوثيق والتعليم.
ولم تقتصر وظائف تلك المعابد على حفظ المقتنيات، بل تجاوزتها إلى شرح وتفسير تلك الأعمال من خلال النقوش والكتابات التي تشرح للزوار معانيها، وتُعرّفهم بأصحابها ودلالاتها. وكان هذا النظام المتكامل للعرض والتفسير بمثابة ممارسة مبكرة لوظائف المتاحف، كما نعرفها اليوم.
بل إن الفكر المصري القديم سبق مفاهيم الاستدامة الثقافية التي استغرقت قرونًا حتى يتم إدماجها في فلسفة المتاحف الحديثة؛ فقد كانت المعابد تعمل على تقديم التراث المادي واللامادي، والحفاظ على التقاليد والعادات والطقوس والشعائر بإحيائها دوريًا في احتفالات دينية ودنيوية يشارك فيها الأهالي من الآباء والأبناء لإحياء سنن الأجداد، داخل أفنية المعابد المفتوحة للجمهور.