من دفتر حكايات الأمومة.. لماذا تلاحق مشاعر التقصير النساء بعد الولادة؟ - بوابة الشروق
الجمعة 18 يوليه 2025 9:09 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

ما هي توقعاتك لمصير وسام أبو علي في المرحلة المقبلة؟

من دفتر حكايات الأمومة.. لماذا تلاحق مشاعر التقصير النساء بعد الولادة؟

الشيماء أحمد فاروق
نشر في: الجمعة 18 يوليه 2025 - 6:20 م | آخر تحديث: الجمعة 18 يوليه 2025 - 6:20 م

رغم اختلاف ثقافاتهن وتجاربهن، تجمع عشرات الآلاف من الأمهات الجدد على نقطة واحدة: شعور دائم بالتقصير، وغصة صامتة من الذنب. منصات التواصل، وخاصة مجموعات فيسبوك المغلقة، باتت متنفسًا للأمهات للبوح بمخاوفهن وأحمالهن النفسية الثقيلة، التي كثيرًا ما تخفى وراء صور رقيقة للأمومة.

- الأمومة وسؤال الكفاية: كيف تبدأ دوامة الشعور بالذنب؟

في كتابها "كيف تلتئم: عن الأمومة وأشباحها"، تصف الكاتبة إيمان مرسال شعور الذنب باعتباره "الشعور الذي يوحّد الأمهات على اختلافهن"، مضيفة: "أن تكوني أمًا هو أن تعيشي مع الأشباح". تلك الأشباح هي خليط من مشاعر العجز، واللوم، والضغط الاجتماعي، الذي يعيد تشكيل علاقة الأم بنفسها وبالعالم.

ومع كل ولادة، لا يُولد طفل فقط، بل تولد أم جديدة، تعيش مرحلة "ما بعد الولادة" بكل ارتباكها وضغوطها النفسية، التي قد تتفاقم في غياب الدعم أو التقدير.

- حكايات من أرض الواقع: أمومة مشروخة بالوحدة والغضب

(ي.م): تعنيف، عزلة وشعور بالفشل

تحكي (ي.م) عن معاناتها مع العنف الزوجي قبل الولادة، ثم العزلة المفروضة بعدها، حيث منعها زوجها من التواصل مع عائلتها. مع صعوبات الرضاعة وعدم وجود دعم نفسي أو عملي، ترسخ لديها شعور بالفشل كأم، استمر لأشهر حتى استعادت علاقتها بأهلها. أما جسدها، فقد تعرض لتعليقات سلبية من زوجها زادت شعورها بالدونية، فباتت الأمومة عبئًا على نفسيتها وجسدها في آن.

(ه.ج): الأمومة سحقتني كامرأة

"لا أستطيع شرب كوب ماء دون خطة"، بهذه العبارة تختصر (ه.ج) شعورها بعد الولادة، حيث اختفى وقتها الشخصي تمامًا، وصار جسدها مِلكًا لطفلها، في حين أنها باتت تعتمد على الآخرين في أبسط احتياجاتها. رغم أن زوجها لم يكن عدوانيًا، فإن مجرد قدرته على ممارسة حياته بشكل طبيعي أثار داخلها غضبًا حادًا، لأنه احتفظ برفاهيته النفسية بينما هي غُمرت بالتضحية.

- "كلنا أمهات مقصرات": المجموعات الإلكترونية مرآة لليأس المشترك

في مجموعات "تجارب وخبرات الماميز" وغيرها، يتكرر السيناريو ذاته: أم تشكو قلة النوم، أو انهيار الجسد، أو إهمال الزوج، لتقابلها تعليقات تارةً متعاطفة، وتارةً لائمة. في إحدى التدوينات كتبت أم: "نفسي أنام وأرتاح، وجوزي بيقولي كل الستات خلفت، تعبت ومحدش حاسس بيا".

ومن بين آلاف المنشورات، يتكرر طلب النصائح لتخسيس الجسد، أو تبييض البشرة، أو استعادة "الشكل المقبول"، خوفًا من تعليقات أزواج لم يدركوا بعد أن الجسد الذي أنجب لا يُقارن بما قبله، بل يستحق التقدير لا النقد.

- الطب النفسي يشرح: ما الذي يدور في نفس الأم بعد الولادة؟

الدكتورة نهال زين العابدين، أخصائية الطب النفسي، توضح أن نحو 80% من النساء يمررن بما يسمى "الحزن العابر بعد الولادة"، وهو حالة طبيعية لا ترقى إلى مستوى الاكتئاب. لكن في غياب الدعم، قد يتطور الأمر إلى اكتئاب ما بعد الولادة، خاصة لدى من لديهن استعداد وراثي أو تاريخ نفسي سابق.

تشرح زين العابدين أن مشاعر الذنب والفشل ليست انفعالات طارئة، بل نتيجة تصادم داخلي بين:

الرغبة في أن تكون الأم مثالية

واحتياجاتها الطبيعية كإنسانة مرهقة

تقول: "الأمهات بحاجة لتقبل أنهن بشر، لا يمكنهن تقديم كل شيء في كل وقت. لكن ثقافتنا المجتمعية تضغط على المرأة لتكون أمًا مثالية فقط، وتتجاهل أنها إنسانة تحتاج الدعم والرعاية أيضًا".

- سُم المقارنة وصورة الأم الخارقة: الوجه الآخر لمنصات التواصل

تحذر زين العابدين من أثر المقارنة، خاصة في عصر السوشيال ميديا، حيث تظهر صور الأمهات "المثليات" دون تعب، بأجساد مثالية بعد الولادة، وأطفال مبتسمين دومًا. وتضيف:
"الأم تقارن نفسها بنساء لا تراهن إلا لثوانٍ على الشاشة، بينما تتغافل عن أن جسدها في طور التعافي، وأن مشاعرها المرتبكة أمر طبيعي وليس خللاً."

الزوج في هذه المعادلة ليس مشاهدًا، بل فاعل رئيسي، تقول الطبيبة:
"دور الزوج محوري في تخفيف الضغط، لكن التحديات الجديدة قد تُبعده نفسيًا، ما يزيد من فقدان الأم ثقتها بنفسها وصورتها أمامه."

- هل يمكن كسر دائرة الذنب؟

إن فهم المجتمع لطبيعة التحولات الجذرية التي تمر بها الأم بعد الولادة، نفسيًا وجسديًا، هو الخطوة الأولى نحو كسر دائرة الذنب. فالأم ليست فقط مصدر رعاية، بل كائن يحتاج هو الآخر للرعاية. وإعادة الاعتبار لصوتها، لاحتياجاتها، ولمساحتها الخاصة، هو ما يصنع "أمًا جيدة" بمعناها الحقيقي: إنسانة بخير.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك