أسرار السنوات الأخيرة للخبراء الألمان فى مصر
مصر كانت دائمًا مهمة فى نظر الألمان.. وفى عز قوتها زار جوبلز وزير دعاية هتلر القاهرة
«من فاروق إلى السادات».. كيف استمر التعاون مع خبراء تصنيع الأسلحة الألمان؟
25 ألف ألمانى تحولوا إلى الإسلام وانتشروا فى البلاد العربية لإضعاف النفوذ البريطانى الفرنسى
رسالة من الإسكندرية إلى واشنطن تُنهى حكم فاروق وتغيّر تاريخ الشرق الأوسط
تلقى ناصر أثناء حرب ٥٦ خطابا من محمد نجيب يطلب التطوع فى الجيش المصرى كمحارب
هل أعطى روزفلت الضوء الأخضر للضباط الأحرار؟
فون ليرس أحد كبار منظمى الدعاية فى ألمانيا النازية ساعد فى نشر أفكار عبد الناصر
هل اشترك الألمان فى قيادة وحدات مصرية عام 1954 و1956؟
مشروع ناصر لتصنيع الأسلحة كان قابلا للنجاح لو تم تحديد أولوياته بوضوح
هذا كتاب يحمل أسرارًا وأحداثًا غريبة ومجهولة عند الأغلبية.
الكتاب يتحدث عن خبراء تصنيع أسلحة وصواريخ ومعدات حربية وفنون الحرب والدعاية الألمان الذين كانوا جزءًا من جيش ألمانيا النازية الذى انفرط عقده بعد انتهاء الحرب.
الكتاب يحكى قصتهم فى مصر فى السنوات الأخيرة من عصر الملك فاروق وسنوات حكم محمد نجيب وعبد الناصر.
يتحدث الكاتب عن القاهرة وتاريخها القديم والحديث فى أجزاء مختلفة من الكتاب، ويتكلم بالتفصيل عن بناء مصر الجديدة والمعادى حيث عاش الخبراء الألمان.

ويتحدث عن حلوان وشرق القاهرة حيث كانت المصانع الحربية وكانت التدريبات الحربية تدور. الكتاب يتحدث عن تاريخ مصر الحديث والاحتلال البريطانى وعن القيادات المصرية الهامة فى ذلك الوقت بداية من الملك فاروق.
تكتشف أثناء القراءة سهولة اختراق هؤلاء الخبراء بأكثر من جاسوس إسرائيلى محترف حصلوا على كل ما يريدون بسهولة ويسر. ويكتب عن النفوذ الهائل للمخابرات الأمريكية المركزية وكمية المعلومات التى كانت تصل إليها وبدقة شديدة. وفى النهاية يشرح أسباب فشل هذا المشروع الواعد بخبراء ذوى قدرات عالمية وكيف خسرنا سباق صناعة تكنولوجيا السلاح.
يتناول الكتاب الشخصيات المؤثرة التى كان لها دور مهم من الألمان العسكريين الذين توافدوا على مصر عام ١٩٤٩: العميد أرثر شميت من قيادات الحرب فى العلمين وكان مستشارًا للملك فاروق من ١٩٤٩ إلى ١٩٥٠، ووليام فوسن مستشار التخطيط فى وزارة الحربية المصرية عام ١٩٥١، والعميد أوسكار مونزل قائد مدرسة المدرعات عام ١٩٥٢، وثيودور فيشر مستشار البحرية عام ١٩٥٢ وأوتو سكورينى مشرف القوات الخاصة عام ١٩٥١، والعميد أوتو ريمر مدرب الصاعقة فى منطقة قناة السويس عام ١٩٥٣ والعقيد جيرهارد ميرتينز مدرب المظلات.
ومن علماء الصواريخ: د. رولف انجل رئيس منظمة الصواريخ المصرية، د. بول جورك قائد الإلكترونيات ١٩٥٢ ولو فاجنج بيلز مصمم برامج الصواريخ ١٩٥٦، فون لير قائد فريق الدعاية المصرى، د. جواشيم دنملنج، ليو بولد جليم وعلى النشار لبناء نظام الأمن الداخلى (بعد أن أعلن إسلامه وغيّر اسمه).
الجنرال ريمر مدرب الفدائيين المصريين في القنال
مصر كانت دائمًا مهمة فى نظر الألمان، ففى الوقت الذى كانت ألمانيا فى أعظم قوتها زار وزير دعاية هتلر الشهير جوبلز القاهرة. يذكر الكتاب أنه فى يوم ٦ إبريل ١٩٣٩ وقبل بدء الحرب العالمية الثانية هبطت طائرة ألمانية فى مطار ألماظة وعليها جوبلز شخصيًا فى زيارة خاصة لم يقابل مسئولًا مصريًا ولا بريطانيا ولا وقع فى دفتر تشريفات الملك وإنما التقى فى فيلا فى المعادى مع أهم ثلاثة ألمان يقيمون فى القاهرة وهم مدير بنك دريسدن ورئيس الغرفة التجارية الألمانية، ومدير شركة سيمنز فى مصر، والثالث كان القنصل الألمانى فى القاهرة، وتم الاجتماع فى فيلا أحدهم فى المعادى ونشرت فى هذا اليوم صحيفة مصرية تطبع بالفرنسية أن ٢٥ ألف ألمانى تحولوا إلى الإسلام وانتشروا فى البلاد العربية لإضعاف النفوذ البريطانى الفرنسى.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية فى ١٩٤٥ ومحاكمة كبار النازيين من مساعدى هتلر، كان هناك عدد كبير من العسكريين الألمان الخبراء فى علوم الحرب بدون عمل وسعت إليهم بعض الدول للمساندة فى بناء جيوشهم. كان الملك فاروق ووزير حربيته حيدر باشا مهتمين بهذا الأمر واستطاعا التعاقد مع قيادات ألمانية هامة.
وبعد ٢٣ يوليو ١٩٥٢ استمر محمد نجيب ثم عبد الناصر فى نفس الطريق وفى الكتاب قائمة كاملة بأسماء ورتب ووظائف الضباط الألمان والمصريين الذين تعامل معهم الملك فاروق وحيدر باشا وعبد الناصر والسادات وزكريا محيى الدين وعبد القادر حاتم.
وقد اعتمد المؤلف على الوثائق الأجنبية من مختلف الدول ولكنه قال إن من المستحيل الحصول على الوثائق المصرية بخصوص هذا الحدث.
الرئيس محمد نجيب وحاخام اليهود المصريين عام ١٩٥٢
وبدأ تأثير المدربين الألمان على تكتيك الأعمال الفدائية وفنون حرب العصابات يظهر بسرعة كبيرة. وهو ما حقق إصابات ووفيات ضخمة بين الجنود الإنجليز، وكذلك المنشآت البريطانية فى منطقة القناة منذ عام ١٩٥١ وحتى اتفاقية الجلاء ١٩٥٤.
والكتاب يشرح تأثير الخبراء الألمان على النظام الناصرى فى الخمسينيات. وشرح الكاتب هذا التأثير على الجيش والبحرية وأجهزة الأمن المختلفة ووزارة الإرشاد القومى ووزارة الداخلية والخارجية ودورهم فى وضع الخطط الحكومية وهل اشترك الألمان فى قيادة وحدات مصرية عام ١٩٥٤ وعام 1956.
وقد أخبر الجنرال أوسكار مونزل قائد المجموعة الألمانية عبد الناصر أن تدخل بعض الألمان فى قيادة وحدات المقاومة أزعج المخابرات البريطانية بشدة. ويعتقد المؤلف أن مشروع ناصر فى التصنيع للأسلحة المتقدمة بمساعدة الخبراء الألمان ثم إنتاج الصواريخ الموجهة والطيارات النفاثة كان من الممكن أن ينجح لو تم التركيز على أجزاء معينة فيه وترتيب مراحل له، وبالرغم من إنشاء مصانع أسلحة بخطط وأفكار ألمانية إلا أن الظروف الاقتصادية المحلية والعالمية لم تسمح بتطور هذه المصانع إلى أسلحة متقدمة تكنولوجية.
جمال عبد الناصر بعد حرب السويس عام ١٩٥٦
حركة الضباط الأحرار فى ٢٣ يوليو ١٩٥٢
فى يوم ٢٦ يوليو ١٩٥٢ تلقى سير كريسول الدبلوماسى البريطانى فى الإسكندرية اتصالًا من السفير الأمريكى كافرى طالبًا منه إرسال رسالة عن طريق لندن لأنه يجد صعوبة فى إرسالها إلى واشنطن مباشرة التى تقول إن الملك اتصل به وقال إنه قد طُلب منه التنحى عن العرش لصالح ابنه والرحيل من البلاد قبل السادسة مساءً. وقد غيرت هذه اللحظة تاريخ مصر والشرق الأوسط لعقود طويلة.
يقول المؤلف إنه لا يوجد دليل على أن الأمريكان كانوا على علم بميعاد الانقلاب العسكرى، ولكن الموثق أن كيم روزفلت قابل ممثلين للضباط الأحرار ثلاث مرات فى مارس ١٩٥٢ وربما كان فيها إعطاء للضوء الأخضر. وفى يوم ٢٨ يوليو أعلن إيدن وزير الخارجية فى البرلمان البريطانى أن ما حدث فعل داخلى ولن نتدخل ونحن على ثقة أن الأجانب وأملاكهم فى أمان.
وبعد أن أعلن تشرشل الذى كان يشعر بأن الأمريكان كانوا يعرفون شيئًا بأن بريطانيا وأمريكا يجب أن يتحدا سويًا فى اتخاذ موقف موحد من مصر يحفظ قواتها فى السويس، وقد عاد السفير البريطانى من إجازته إلى القاهرة فورًا وقابل محمد نجيب وأنور السادات اللذين طمأناه بأن لا تغيير سيحدث. وبعام ١٩٥٤ أصبح نجيب محدد الإقامة فى بيت حرم النحاس باشا فى المرج خارج القاهرة، وناصر هو الرئيس الفعلى، وأثناء حرب ٥٦ تلقى ناصر خطابا من محمد نجيب يطلب التطوع فى الجيش المصرى كمحارب. ومرفق صورة الخطاب بخط اليد.
رسالة الرئيس محمد نجيب إلى الرئيس جمال عبد الناصر أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام ١٩٥٦
يتحدث الكتاب عن الفخامة والفساد اللذين كان يعيش فيهما فاروق ثم عن اهتمامه بتقوية الجيش المصرى وتسليحه وبدأ فى عام ١٩٤٩ بالاتصالات فى أوروبا لتسليح الجيش وإعادة بناء مصانع أسلحة وبناء طائرات نفاثة وكذلك الصواريخ وبدأ البحث عن ضباط سابقين وعلماء وفنيين وجنود من الجيش الألمانى السابق، وكان الضباط الأحرار على علم بخطة الملك فاروق وقد أكملوا هذه الخطة بنشاط أكبر بعد ٢٣ يوليو ١٩٥٢.
وفى شهر مايو ١٩٥٠ كان هناك عدد من الضباط والخبراء الألمان من الجيش الألمانى السابق فى مصر.
فى ٢٦ يناير ١٩٥٣ أرسل أيدن إلى تشرشل رسالة أنه تم القبض على ٧ ضباط ألمان نازيين سابقين فى مصر ويجب أن نمنع أى تعاون بين الألمان ومصر. وعن طريق شبكة تجسس أمريكية فى أمريكا الجنوبية كانت تبحث عن النازيين الهاربين هناك قد وصلت إلى أعداد كبيرة من العسكريين الألمان السابقين يعملون فى الحكومة المصرية، وكثيرون منهم قد غيروا أسماءهم وبعضهم اتخذ اسمًا مسلمًا. ومن ضمنهم رئيس قوة الدفع السريع فى أوكرانيا ورئيس الجستابو فى بولندا الذى ساعد فى تنظيم أجهزة الأمن المصرية.
ومنذ ١٩٥٦ عاش ثون ليرس أحد كبار منظمى الدعاية فى ألمانيا النازية فى القاهرة. يقول المؤلف إنه ساعد فى نشر أفكار عبدالناصر فى العالم العربى والعالم الثالث، وفكرة الحياد الإيجابى وعدم الانحياز، واستطاع أن يجذب عددًا كبيرًا من الضباط الألمان للعمل كمساعدين ومخططين للجيش المصرى. وحقيقة الأمر أنه بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ذهب عدد من الخبراء العسكريين الألمان إلى مصر والأرجنتين، ولكن الأغلبية ذهبت إلى أمريكا وطورت المشروعات الحديثة فى الولايات المتحدة التى انتهت بالصعود للقمر، وذهب البعض أيضًا إلى روسيا وإسرائيل. وفى مصر قام الألمانى براندنز بالاشتراك مع ويللى شميت بصنع طائرة مصرية فى مشروع سرى. هؤلاء الآلاف من العلماء صنعوا فى ١٢ عاما من حكم هتلر دولة عظمى بجيش تكنولوجى عظيم وانتشروا فى الأرض بعد انهيار النازى.
يعتقد الكاتب أن قدوم هذه الأعداد من الألمان إلى مصر كان بمجهود الملك فاروق والرئيسين نجيب وعبد الناصر. ويعتقد أن هناك مؤسسة فى ميونخ بقيادة الكولنيل بيرتهولد كانت تجند الجنود السابقين للعمل فى الشرق الأوسط، وكانت هناك مؤسسة أخرى فى بيروت تحت رعاية كونت ادمون فون، وكان وصول آسى جوهان مع زوجته وابنته إلى القاهرة خطوة مهمة فى بناء المجموعة الألمانية.

الملك فاروق الأول والملك عبد العزيز آل سعود، وفي الصورة حيدر باشا وزير الحربية المصري يتفقدون الجيش المصري عام ١٩٤٦
قال تشرشل فى مذكراته يوم ٢٦ أغسطس ١٩٥٢، أنا أحب برنامج محمد نجيب ورئيس الوزراء على ماهر وأرجو أن يتحول الحكم إلى نظام دستورى، وهو ما لم يتحقق.
العالم كله كان يبحث عن أوتو سكورزينى أحد رجال هتلر الذين اختطفوا موسلينى من سجنه فى قمة الجبل. تحرك فى كل مكان وانتهى به الأمر فى مصر ليقوم بتنظيم العسكريين الألمان فى مصر وتنظيم بناء الصناعات العسكرية.
سافر سكورزينى من إسبانيا لمصر عدة مرات وكان واحدا من تسعة تجار أسلحة مهمين لتوريد السلاح وكان يقوم بتدريب الفدائيين وقوات الصاعقة وقابل الرئيس نجيب أثناء زيارته من ١٣ إلى ٢٩ يناير ١٩٥٣.
اعتذر سكورزينى عن بناء والإشراف على الكلية الحربية والكلية الجوية ولكن استمر يعمل مستشارًا، وزار منطقة قناة السويس لتدريب الصاعقة وقام بالاشتراك مع آخرين بتدريب ألف مقاتل فى الهايكستب وكذلك ألف عضو من الإخوان المسلمين، وذهبوا إلى الإسماعيلية يرتدون الجلاليب حتى لا يتعرف عليهم أحد.
حضور جولدشتين
حضر جولدشتين إلى مصر بدعوة من الجامعة العربية والملك فاروق، وكان ضابطًا أثناء الحرب العالمية مع الجيش الألمانى بقيادة روميل ثم انتقل إلى جنوب إفريقيا وسجن ودعته مصر ليقوم بدراسة حالة الجيش المصرى وقدم تقريرًا عن الضعف الشديد للجيش وعدم تدريبه وتجهيزه ولكن كبار الضباط لم يرغبوا فى التغيير بالرغم من رغبة الملك فى ذلك، فاستقال عام ١٩٥٠ بعد أن قضى عامًا قدم فيه دراسة كاملة عن وضع الجيش المصرى وقال إنه يحارب بطريقة القرن التاسع عشر. والغريب أن اسمى إبراهيم عبد الهادى رئيس الوزراء عام ١٩٤٩ ثم مصطفى النحاس رئيس الوزراء من ١٩٥٠ إلى ١٩٥٢ لم يذكرا، ويبدو أن القرارات الهامة الخاصة بالجيش كانت تصدر من الملك وليس من الوزارة.
وأصبح فوس وميرتتر وسكورزينى المسئولين فى الشبكة المركزية الألمانية عن تدريب المصريين، وبالطبع معظمهم كان له علاقة بالمخابرات المركزية الأمريكية. وفى عام ١٩٦٤ استقطب الموساد سكورزينى ليطلعهم على شبكة العلماء العاملين فى تطوير الصواريخ مقابل حصوله على جواز سفر نمساوى وحصل الإسرائيليون على ما أرادوا. وبالتالى بعد وفاة سكورزينى بسرطان الرئة فى إسبانيا كان واضحًا أنه كان عميلًا للمخابرات الأمريكية والمصرية والإسرائيلية.

سكورزيني الذي اختطف موسوليني من محبسه في قمة الجبل بأوامر هتلر وعمل مع الجيش المصري من ١٩٥٠ حتي ١٩٥٥
دكتور فوس يتولى المسئولية
شعر الملك فاروق بصدمة عام ١٩٥٠ عند انسحاب شميدت من مسئولية تدريب وتسليح الجيش المصرى. والحقيقة أن حيدر باشا وكبار الضباط رفضوا الإصلاحات التى اقترحها.
وكان الملك يخطط لصناعة طائرات حربية نفاثة وصواريخ، واتفق مع شركة فرنسية هى سيرفا بدأت العمل فى مطار ألماظة.
وفى أغسطس ١٩٥٢ بعد تولى الضباط الأحرار أنشئت هيئة إعادة تسليح وتدريب الجيش وأسند ذلك للدكتور فوس القائد الألمانى فى الحرب، وكان مطلوبًا منه أن يبنى مصانع الأسلحة والطائرات ويكون على علاقة بالبحث العلمى والتصنيع وضغط تشرشل على المستشار الألمانى أديناور ليحاول سحب ما يقدر بحوالى٨٠ ألمانيا يعملون فى الصناعة الحربية المصرية، وأبلغت بريطانيا عام ١٩٥٥ أن هناك محاولة لصناعة الصواريخ بواسطة د. انجل ود. هانيش والبروفيسور رومر والخبير أندريا والخبير فارين وكلهم يعملون فى الصناعات الحربية المصرية.
فوس رئيسهم كان حادًا ولذا أصبحت علاقته سيئة بعبد الناصر ولكنه كان شديد الكفاءة واستطاع دعوة كثيرين للعمل فى مصر منهم ديمولنج الذى عمل مع زكريا محيى الدين فى تأسيس جهاز الأمن القومى والتحق به فى مصر زوجته وبناته الثلاث.
وكان هناك قلق من بعض الألمان أن يكونوا جواسيس للاتحاد السوفيتى. وقد تدهورت الأحوال بين عبد الناصر وفوس حتى قال ناصر إنه كاذب وقولوا له ذلك.
الجنرال فيلهيم فاهرمبشر المسؤول عن تدريب الجيش المصري عام ١٩٥٢
وحضر الجنرال فيلهلم فاهر مباخر لينظم قدرات المشاة وكان مساعدًا لرومل فى العلمين ووصل القاهرة فى ديسمبر ١٩٥٢ وقابل الجاسوس الإسرائيلى سيد نسوج فى مكتبه فى مقر القيادة وأمامه جميع الخرائط الحربية وقال له الجنرال إن الجيش المصرى يحتاج لتدريب وعمل جاد وعظيم وأنه بصدد تكوين ١٥ كتيبة مصرية على النظام الألمانى وأن مصر تحتاج إلى سبع أو ثمانى سنوات حتى تستطيع أن تخوض حربًا بكفاءة.
وفى عام ١٩٥٠ كان الأسطول المصرى شديد الضعف وقال اليهود نحن نعتبره غير موجود. وحضر البارون بشتولشيم لتدريب البحرية فى مارس ١٩٥٣.
وقد أثار وجود الضباط الألمان القلق عند الجيش البريطانى المرابط فى القناة وتوقعوا تدريبًا على أعمال الفدائيين. كانت أول صدمة تلقاها المصريون عام ١٩٥٠ من الجنرال أرثر سميث الذى انتقد بوضوح خطط وتكتيكات حيدر باشا قائد القوات المسلحة وقال له إنه هو وضباطه يعيشون فى القرن التاسع عشر.
واختلف القائد ريمر مع عبدالناصر عام ١٩٥٤ حول سياسة التسليح والتدريب التى لم يتفق عليها عبد الناصر واعتبر ذلك تدخلًا أكثر مما يجب للخبراء.
قائد مصنع الصواريخ أنجل العالم الكبير عطلت مهمته غياب الأموال اللازمة لاستكمال المشروع. واختلف رئيس المجموعة الألمانية دكتور فوس مع عبد الناصر عام ١٩٥٥ حول خطة العمل.
الألمان كانوا يريدون التوسع فى تصنيع السلاح وليس استيراده.
شاخت خبير هتلر الاقتصادي مع زوجته وأصبح خبير عبد الناصر الاقتصادي
الحياة فى القاهرة
يقول أحمد ناجى فى رواية له: ليس هناك ما هو أكثر صعوبة من اتخاذ قرار فى القاهرة لأن القاهرة سوف تتخذ القرارات لك. عندما وصل أول خبير عسكرى ألمانى إلى القاهرة فى عام ١٩٤٩ كان سكان القاهرة ٢ مليون ونصف نسمة وكانت مرحلة تغيير من مدينة اختلطت فيها كافة الثقافات والمبانى والتراث من عصور قديمة وحديثة وبها جزء أوروبى إلى مدينة تتحول تدريجيًا إلى مدينة يغلب عليها الوجه الإسلامى وبعد ٢٣ يوليو ١٩٥٢ بعد خروج الجاليات الأوروبية واليهود وهو ما سارع بتغيير وجه القاهرة.
وجد الألمان أنفسهم فى مدينة فى فترة انتقالية يغلب عليها الطابع الوطنى القومى كرد فعل لهزيمة ١٩٤٨، وأن عملهم يعاق بسبب ضعف البنية التحتية والبيروقراطية وضعف الاقتصاد ووسائل الاتصال، وكذلك ضعف المستوى المهنى لمن يتعامل معهم. بعض الألمان عرفوا العرب أثناء الحرب فى ليبيا وتونس، والبعض لم يسبق له التعامل معهم.
وكان عليهم أن يعيشوا فى مدينة عريقة بها آثار فرعونية ومساجد وكنائس عتيقة بالإضافة لحرارة الجو والتراب، ولأنهم كانوا يتقاضون مرتبات ضخمة ويعيشون فى الأحياء الأوروبية فلم يشعروا بصعوبة الحياة ولكنهم كانوا طوال الوقت تحت حماية الشرطة والجيش خوفًا من عملاء الموساد.
وعاش خبراء الصواريخ وصناعة الأسلحة وخبراء المفرقعات وخبراء الدعاية فى بيوت راقية فى بعضها حدائق أنيقة فى حياة هادئة مع عائلاتهم. وكانت هناك مطاعم يمكن أن يتناولوا فيها الأكل الألمانى وكانت الحياة مماثلة لحياتهم فى القاهرة الكوزموبوليتانية. كان قائد المدفعية الجنرال فاهرمباشر بطل معركة لورينت فى أوروبا يسكن فى فيلا فى هليوبوليس ومكتبه كان فى مدرسة المدفعية فى شرق القاهرة.
وكان رولف أنجل رئيس برنامج الصواريخ السرى يسكن فى فيلا شديدة الحراسة فى جاردن سيتى وفى ربيع ١٩٥٤ زاره فيها ثم فى مصنع الصواريخ الجاسوس الإسرائيلى بول فرانك.
وسكن فى المعادى فى فيلا ٢١ شارع ٨٣ خبير الدعاية الأشهر جوهان لير، وكان يتقاضى مرتبه من الجامعة العربية وهو ما وثقته المخابرات الأمريكية.
واستضاف الطبيب الألمانى أيسيل الذى كان مطلوبًا للعدالة بسبب قتله أعدادًا من أسرى الحرب بحقن مخدرة. ويذكر الجاسوس الإسرائيلى الآخر لوتز الحفلات التى دُعى إليها فى بيت لير وكانوا ينشدون نشيد النازى.
وكان ليرز على علاقة مع محمود صالح المصرى رئيس المنظمة المضادة للصهيونية، وكان يسكن فى المعادى.
وبجوارهم كان البروفيسور رومر الخبير العالمى فى صناعة المتفجرات وكان يخطط لبناء مصنع كبير للمتفجرات وقد قدمت المخابرات البريطانية للمخابرات الأمريكية قائمة بأسماء وعناوين جميع الخبراء العسكريين الألمان فى القاهرة.
مقابر الألمان في القاهرة القديمة، ودفن فيها عالم الصواريخ هانز ايزيل قبل نقل رفاته إلى ألمانيا