مرضى السرطان وحلم الأبوة.. الحفاظ على النسل بين يدى «بنوك التبريد» - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 12:45 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مرضى السرطان وحلم الأبوة.. الحفاظ على النسل بين يدى «بنوك التبريد»

نادية سلامة:
نشر في: السبت 23 أكتوبر 2021 - 7:46 م | آخر تحديث: السبت 23 أكتوبر 2021 - 7:46 م

سيد يفقد حلم الأبوة بسبب 200 جنيه رسومًا.. والمصادفة والحقن المجهرى ينقذان لطفى
غريب يستقل قطار الصعيد لساعات للعلاج بقصر العينى: لم تتبقَ معى أموال لحفظ العينة
طبيب بوحدة الإخصاب المجهرى: لا إعدام للعينات قبل إخبار المريض وتوقيعه على التخلى عنها
استشارى أورام يوصى بإيداع العينات قبل التداوى: العلاج الكيميائى والإشعاعى يؤثر على الخصوبة
عميد معهد الأورام: نقدم خدمات توعية وليس سحب عينات.. ونوجه لسحبها فى أماكن خارجية بينها قصر العينى
المدير التنفيذى لمستشفيات قصر العينى: إعدام العينات تلقائيًا بعد عام من حفظها.. ولا يجوز تسليمها للأقارب
الأبوة حلم مشروع للجميع، لكن التفكير فيه قد يكون صداعا مؤلما فى رءوس البعض، خاصة مرضى السرطان، الذين يهدد العلاج الكيميائى بإتلاف حيواناتهم المنوية أو بويضاتهم، حال عدم حفظها فى بنوك التبريد قبل بدء رحلة العلاج، فيما يتركها البعض لإعدامها لاحقا، إما بسبب عدم قدرته على سداد رسوم الحفظ، وإما لنسيانها بعد فترة العلاج، بينما يقف الحظ بجانب آخرين ينتقلون بعيناتهم من حفظ العينة إلى مرحلة التلقيح والإنجاب فيما بعد.
كغيره من الشباب، يحلم حامد سيد بحياة زوجية وأطفال، حتى أصابه «المرض اللعين»، ذلك الشاب العشرينى الذى تبدد التفاؤل بداخله وتحول إلى حياة أخرى متخمة بالقلق والتوتر من المستقبل الغامض، على أعتاب المعهد القومى للأورام بدأ فى ترتيب أوراقه وتجهيز التقارير الطبية المطالب بتسليمها ليبدأ رحلة العلاج.. يفكر فى مصيره المجهول، حلم الأبوة الذى يتخوف من فقدانه، بفعل تأثير العلاج الكيميائى على القدرة الإنجابية لمريض السرطان.
«حتى نسلى هينقطع».. عبارة تتبادر إلى ذهن مريض السرطان بعد سؤاله عن حالته الاجتماعية، وإذا لم يكن متزوجا ولديه أطفال، يطلب منه سحب عينة سائل منوى، التى يتم حفظها فى بنوك التبريد المعدة لهذا الغرض مقابل رسوم شهرية يسددها بانتظام لضمان رجوع العينة إليه بعد تماثله للشفاء، وإذا لم ينتظم المريض يضطر المستشفى لإخراجها وتبديدها بما يعنى «قطع نسل» المريض إلى الأبد.
هذا ما حدث مع ذلك الشاب العشرينى، الذى تخرج فى كلية الهندسة بجامعة بنى سويف عام ٢٠١٤، وبينما كان يخطط لحياته العملية، فوجئ بإصابته بسرطان الغدة الدرقية، بعد إجرائه الفحوصات الطبية.
يقول سيد لـ«الشروق»: «توجهت إلى معهد الأورام بالقاهرة، وفى أثناء إجراء الفحوصات فوجئت بتحويلى إلى مركز فحوص بمستشفى قصر العينى، وكان من بين العينات المطلوبة منى، عينة السائل المنوى، لم يشرح لى الأطباء الغرض منها، والممرضة التى أعطتنى كوب العينة طلبت منى الدخول إلى الحجرة، وعندما سألتها ماذا أفعل، قالت عايزين عينة سائل منوى يا أستاذ».
وأضاف: «قضيت ٩ أشهر فى العلاج الكيماوى، ثم ٦ أشهر فى العلاج الإشعاعى لتنتهى رحلة العلاج، لتبدأ الحياة من جديد وأنا مفعم بالحيوية والنشاط والرغبة فى الانطلاق نحو مستقبل جديد، لكن قبل الانتهاء من فترة علاجى كانت إدارة المستشفى تطلب منى سداد اشتراك قيمته 200 جنيه مقابل حفظ عينة السائل المنوى، ولأننى لم أكن مهتما إلا بإنهاء أوراقى والحصول على جرعات الكيماوى لم أتذكر تسديد هذه الرسوم».
لحظات صمت، يستطرد بعدها خريج الهندسة، حديثه قائلا: «فكرت فى الزواج، وبدأت فى البحث عن شريكة حياتى، وفى تلك الأثناء جمعتنى الظروف بطبيب من العائلة، تبادل معى الحديث عن فترة العلاج ومدى صعوبتها، وتطرق الحديث لعينة السائل المنوى والموقف الذى تعرضت له مع الممرضة، فأخبرنى أن تلك العينة أهم من العلاج ذاته، نظرا لأن العلاج الكيميائى والإشعاع يؤدى فى بعض الأحيان إلى العقم، وأن تلك العينة يتم حفظها للمريض ليتمكن من الإنجاب فيما بعد، عن طريق عمليات الحقن المجهرى أو التلقيح داخل رحم زوجته».
وتابع: «هنا توقفت الحياة أمامى من جديد، ولم أفكر وقتها إلا فى العينة، وفى اليوم التالى توجهت بأول قطار من المنيا إلى القاهرة، تبددت أحلامى الوردية، حينما وصلت إلى مكان بنك التبريد المخصص لحفظ تلك العينات بمستشفى قصر العينى، واكتشفت من واقع الملفات الطبية للمرضى أن العينة تم اتلافها لعدم تسديد قيمة الاشتراك، 200 جنيه تسببوا فى انقطاع نسلى».
واقعة أخرى، لشاب كانت المصادفة وحدها هى ما ساعده فى حفظ عينة من السائل المنوى وتسديد الاشتراك لدى المسئولين فى قصر العينى، ويدعى أحمد لطفى الذى جاء من محافظة المنوفية ليبدأ رحلة العلاج الكيميائى، وكانت خطيبته هى الداعم الوحيد له فى معركته ضد السرطان الذى كاد يعصف بحياته».
لطفى، البالغ من العمر 31 عاما، اكتشف إصابته بالسرطان ليتوجه بعدها إلى المعهد القومى للأورام، وفى مشوار الانتهاء من الأوراق المطلوبة، قدم عينة السائل المنوى، وعلم وقتها من الطبيب المعالج أن العلاجات التى يحصل عليها مريض السرطان تؤدى للإصابة بالعقم، وهو ما دفعه لمصارحة خطيبته التى رفضت الانفصال عنه، وشجعته على استكمال مراحل العلاج، مؤكدة إمكانية إجراء عملية حقن مجهرى أو اللجوء إلى أطفال الأنابيب، فى حال حدوث عقم نتيجة العلاج».
ويروى لطفى، تفاصيل ما جرى بعد سحب العينة، قائلا: «علمت أن يتم نقلها إلى مستشفى قصر العينى، ولم أعلم وقتها أن شقيقى الأكبر سدد رسوم حفظها، وبعد انتهاء العلاج وتماثلى للشفاء التام، حددنا موعد الزفاف، وبسبب الظروف التى مررت بها، نسيت تماما العينة التى سحبت منى فى بداية العلاج، كنت متخوفا من إنجاب طفل مصاب بالسرطان، خاصة أننى كنت فى فترة النقاهة، لكن زوجتى ذكرتنى بالعينة المحفوظة فى بنك التبريد، ومن خلال رقم الملف استطعنا الحصول على العينة، وأجرينا حقنا مجهريان ورزقنا بطفل وطفلة توءمين».
عادل غريب، الذى جاء من صعيد مصر للعلاج من السرطان فى معهد الأورام، يقول: «علمت بطبيعة مرضى فى وقت متأخر، بعدما انتشر داخل جسدى، كنت أشعر بالتعب والوهن اللذين أنهكا عضلاتى، وأرجعته إلى عملى فى الحقل، الذى كان يحتاج للعمل الشاق، ولأننى أكبر إخوتى، وأسرتى مكونة من 11 شخصا، كان على ألا أشكو من هذا الوهن والتعب، لتحمل مسئولية الأسرة».
يوضح: «لم يكن مرضى الذى تمكن من الخصية أولى بأن أشكوه لطبيب خصوبة، ففى محافظة قنا من العيب أن يشكو شاب عن مشكلة فى أعضائه التناسلية، كنت دائم الشعور بالألم فى منطقة الخصية واحتقانها، مع وجود تورم فى الفخد، حتى أن القدرة على الانتصاب كانت بطيئة للغاية، ولأنى لم أتزوج كنت متخوفا من هذا الأمر».
استقل غريب قطار الصعيد فى طريقه إلى القاهرة للعرض على طبيب خصوبة، وبعد فحصه طلب الطبيب عددا من التحاليل، ليتبين وجود خلايا غير مرغوب بها، نصحنى بالتوجه إلى معهد الأورام لأبدأ رحلة العلاج لعشرات الساعات كل مرة عبر القطار ذاهبا وعائدا إلى بلدته.
اشترط المركز بمستشفى قصر العينى على الشاب الصعيدى دفع مبلغ اشتراك قدره ٥٠٠ جنيه، لحفظ سائله المنوى، لم يتحمل دفع المبلغ، فقد أنهى التحاليل والفحوصات التى أجريت بعيدا عن المستشفيات الحكومية بكل ما تبقى داخل محفظة نقوده، الأمر الذى دفعه لعدم حفظ العينة.
يحكى عماد حمدى، أحد المرضى، الذين عانوا من «سرطان الغدة»، أن مشقة مرض السرطان ليست فى ألمه أو آثاره فقط، بل فى نفقاته العلاج أيضا، فبعض الفحوصات لا تتم داخل معهد الأورام، ومعظم الذين يلجأون للمركز من المحتاجين الذين لا يملكون نقودا، وكثير منهم لا يجرى فحوصات ولا يحتفظ بعيناته لسبب التكاليف.
ويكشف محمود ترك، طبيب بوحدة الإخصاب المجهرى بمستشفى قصر العينى، أن المريض يدفع 500 جنيه رسوما فى المرة الأولى، بعدها يدفع ٣٠٠ جنيه اشتراكا سنويا، بإيصال يتسلمه الطبيب، لافتا إلى أن مهمة المركز هى الحفاظ على سلامة العيانات بتزويد الحافظات بقوالب الثلج يوميا، ومد فترة صلاحية الحيوانات المنوية حتى شفاء المريض، عبر رقم الملف الذى يعطى للمريض منذ المرة الأولى.
ويضيف: «نخبر المريض بمواعيد سداد الاشتراك عبر رقم الهاتف الذى يرفق بأوراقه، وعلى المريض الذى يغير هاتفه إخبار المراجعين عند دفع الاشتراك، حتى نتمكن من الوصول إليه، ولا يتم إعدام العينات إلا بعد إخبار المريض، وتحريره محضرا يفيد بتخليه عنها».
الدكتور حمدى عبدالعظيم، استشارى الأورام وسرطان الثدى بالقصر العينى، أوضح أن إصابة المريض بسرطان الخصية من عوامل قتل الحيوانات المنوية، حيث يضعف المرض الخصية المسئولة عن إنتاج الحيوانات المنوية، ويضعف السائل الحامل للحيوان المنوى، ما يؤدى إلى موته، وفى بعض الحالات المرضية، يؤثر التداوى لفترات كبيرة بالعلاج الكيميائى والإشعاعى لضعف الحيوانات المنوية، ويكون المريض أضعف ما يكون بعد الشفاء، لذا ينصح المريض بإيداع عينة قبل التداوى بفترة كافية، حتى يتم فحصها بالمركز والوقوف على سلامتها وقدرتها لتخصيب البويضات فيما بعد.
فى المقابل، أوضح عميد معهد الأورام، الدكتور حاتم أبو القاسم، أن المعهد لا يقدم خدمات طبية متعلقة بسحب عينات حيوانات منوية أو بويضات، وإنما توعية المريض بخطورة العلاج الكيميائى أو الإشعاعى عليها، ومن ثم التأثير على الإنجاب وتوجيهه لسحبها فى أماكن خارج المعهد، من بينها مستشفى قصر العينى.
وقال المدير التنفيذى لمستشفيات قصر العينى بجامعة القاهرة، الدكتور حسام صلاح، إن الوحدة الاقتصادية بمستشفى النساء والتوليد تساعد الأسر على الإنجاب بصورة سليمة وليست لحفظ البويضات أو الحيوانات المنوية.
وأوضح صلاح، فى تصريحات لـ«الشروق» أنه هناك ضوابط مشددة لعملية حفظ البويضة وسحب الحيوانات المنوية، حيث يمكن أن تخزن العينات لمدة عام لحين إجراء التلقيح، حيث يتم إعدامها تلقائيا بعد هذه الفترة، نظرا لأنه لا يجوز حفظها أكثر من عام.
وذكر أنه لا يجوز تسليم البويضة أو الحيوانات المنوية من المستشفى لأحد الأقارب حتى ولو كان الأخ أو الأخت، مؤكدا وجود تنسيق بين قسم النساء والتوليد وقسم أمراض الذكورة لبدء حفظ الحيوانات المنوية للرجال الذين يتعرضون لمشكلات صحية أو مضطرين للحصول على علاجات قد تدمر حيواناتهم المنوية.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك