• «صفحات من مذكراته لرجاء النقاش».. كاد يتعرض محفوظ لمشاكل جدية تحد من حريته الأدبية والشخصية معًا
• «نجيب محفوظ من البداية».. ربما تلهمك نصوص الكتاب لتكون أنت أيضًا مبدعًا فى يوم من الأيام
• العبقرية عند نجيب محفوظ خاصية مكتسبة وبجهد إرادى وبوعى موجه كان يتحقق بالتدريج
جيب محفوظ.. هو كاتب الإنسانية. تحل اليوم ذكرى رحيله. كثيرة الكتب التى تتحدث عن الأديب العالمى نجيب محفوظ.. تستمد من أدبه أو من شخصه بل من إنسانيته مادة للكتاب، فيمكن الرجوع إليها فى ذكرى رحيله، والاستمتاع بقراءتها بجانب أعماله البديعة والمبدعة..
أختار هنا بعض هذه الكتب: «صفحات من مذكرات نجيب محفوظ» لرجاء النقاش، «نجيب محفوظ من البداية» لهديل غنيم، «نجيب محفوظ.. المحطة الأخيرة» لمحمد سلماوى، و«نجيب محفوظ وفن صناعة العبقرية» لمصرى حنورة.
وهناك أسباب عديدة لاختيار تلك الكتب الأربعة، فالكتاب الأول هو من أهم وأمتع وأفضل كتاب صدر كمذكرات إذ رفض محفوظ بإصرار أن يكتب سيرته الذاتية، لكن نجح الناقد الكبير «رجاء النقاش» فى إقناعه بأن يحكيها له بدلًا من كتابتها. وعلى مرّ 18 شهرًا من أغسطس 1991 روى محفوظ سيرة حياته للنقّاش مسلّطًا الضوء على جوانب عديدة من شخصيته كان أغلبها بمثابة مفاجآت لقرائه ومحبيه.
والكتاب الثانى جاء اختياره بسبب جملة ملهمة وهى «ربما تلهمك نصوص الكتاب لتكون أنت أيضًا مبدعًا فى يوم من الأيام». أما كتاب محمد سلماوى؛ لأنه يركز على اليوميات لتقديم صورة رجل لم يكن كمثله أحد، وأخيرًا كتاب مصرى حنورة؛ لأنه قدم مصطلح صناعة العبقرية عند نجيب محفوظ، وهو مصطلح واضح تجلياته عند نجيب محفوظ.
• صفحات من مذكرات نجيب محفوظ
فى هذا الكتاب «مذكرات نجيب محفوظ»، الصادر عن «دار الشروق»، يدلى الكاتب الكبير نجيب محفوظ برأيه فى كل صغيرة وكبيرة عن الأدب والسينما والسياسة فى مصر، فيصف لرجاء النقاش مراحل طفولته وتجارب شبابه، ثم يتناول رواياته التى أثارت أزمات صحفية وسياسية، كما يدلى بآراء صريحة فى زعماء مصر منذ سعد زغلول إلى الآن، وكذا قصته مع جائزة نوبل وأثرها فى حياته.
لكن قبل الدخول فى الكتاب نفسه نسأل لماذا رجاء النقاش يعد واحدًا من أبرز الأسماء الصحفية والنقدية فى مصر والعالم؟ الإجابة عن السؤال ربما تكون مغلفة بحب كبير للأستاذ رجاء النقاش. لكنها إجابة توضح إلى أى مدى نفتقد أمثاله فى وقتنا الراهن الخالى من المعلمين الكبار.
من يقرأ كتاب «صفحات من مذكرات نجيب محفوظ»، الصادر عن «دار الشروق» عليه أن يلمح دور النقاش نفسه فى إتاحة أعمال الأستاذ نجيب محفوظ التى كانت تواجه رقابة كبيرة.
يؤكد محفوظ فى الكتاب أنه أحيانًا كان يتعرض لمعاناة فى نشر رواياته بالأهرام فيلجأ إلى الأستاذ رجاء النقاش لنشرها فى مكان آخر، ولنقرأ فى فصله عن متاعب الرقابة: «كل تلك المتاعب لا تذكر بجانب تلك التى حدثت بعد النكسة، ولم تكن خاصة بى وحدى بل قاسى منها كل أدباء مصر، ورواية «الكرنك» فقد كانت أكثر الروايات التى عانيت فى نشرها».
محفوظ أكد للنقاش، خلال فصول الكتاب المهم والذى يعد مرجعًا لسيرة محفوظ الذاتية، أنه فى مرات كثيرة كاد يتعرض لمشاكل جدية تحد من حريته الأدبية والشخصية معًا. أولى هذه المرات كانت بسبب قصة قصيرة نشرها محفوظ فى الأهرام بعنوان «سائق القطار»، وبعد النشر سرى همس فى أوساط المثقفين، بأنه كان يقصد عبدالناصر، والقصة تدور حول سائق قطار يفقد صوابه، ويتسبب فى حادث تصادم مروع، وكان التفسير السائد أن محفوظ يشير إلى أن عبدالناصر يقود مصر إلى كارثة. لكن أنقذه من ورطة الاعتقال مقال كتبه محمد فريد أبوحديد، رئيس تحرير مجلة الثقافة، ولم يكن بينه وبين محفوظ سابق معرفة، توصل فيه إلى أن القصة ترمز للصراع بين الشرق والغرب.

• المحطة الأخيرة
يقول الأستاذ محمد سلماوى فى تقديمه لهذا الكتاب: هذا الكتاب ليس مجرد يوميات الفترة الأخيرة من حياة الأستاذ «نجيب محفوظ» من لحظة دخوله المستشفى يوم الأحد 16 يوليو 2006 إلى أن ورى التراب يوم الخميس 31 أغسطس 2006، بقدر ما هو محاولة من خلال هذه اليوميات لتقديم صورة رجل لم يكن كمثله أحد، لا فى أخلاقه السامية، ولا فى شخصيته الفريدة، ولا فى إنجازه الأدبى غير المسبوق هو محاولة لتقديم رؤية صادقة للرجل من خلال علاقة ممتدة جمعتنى به منذ قابلته أول مرة فى السبعينيات، وحتى حملت نعشه على كتفى بعد ذلك بأكثر من ثلاثة عقود.
فى أحد الحوارات مع الأستاذ محمد سلماوى قال: «كتبت عن نجيب محفوظ كتبًا كثيرة فى مصر وخارجها، كل كتاب كانت له بالطبع أجواؤه الخاصة، كتاب «فى حضرة نجيب محفوظ» وضعت فيه كل لقاءاته مع الشخصيات الكبيرة التى التقى بها وتحاور معها سواء شخصيات عربية أو دولية من باولو كويلو لأحمد زويل لمحمد حسنين هيكل لكاتبة نوبل نادين جورديمر لآرثر ميللر وغيرهم».
وكتبت عنه أيضًا «المحطة الأخيرة» والذى صدر عن «دار الشروق»، وقصدت من خلال هذا الكتاب تأريخ الـ45 يومًا الأخيرة فى حياة نجيب محفوظ من يوم دخوله المستشفى إلى يوم رحيله عن عالمنا، ومن خلال الـ45 يومًا أرخت لحياته كلها عبر استدعاء بعض الأحداث، فالكتاب نوع من التأريخ لحياته الخاصة والعامة والأدبية والشخصية.
ويوميات نجيب الأخيرة قمت بكتابتها بشكل أدبى يكاد يكون روائيًا؛ لأن فيها مشاعر كثيرة، توقفت فيها كثيرًا عند المشاعر المتأججة فى هذه الظروف سواء بالنسبة لى أو أسرته أو رغبته هو شخصيًا فى الخروج من المستشفى.

• نجيب محفوظ من البداية
«نجيب محفوظ من البداية» تأليف هديل غنيم ورسومات وليد طاهر هو كتاب أرشحه بقوة إلى أصدقائى من القراء اليافعين والأطفال.
الكتاب يحكى قصة حياة نجيب محفوظ من البداية، منذ ولادته وطفولته، مرورًا بفترة صباه وشبابه فى حى العباسية، وعبر المحطات الأدبية المختلفة فى حياته روائيًا وسيناريست، وحتى وصوله للشهرة العالمية، وجوانب غير مطروقة من حياة أديب نوبل، مثل حبه للكرة وإجادته لعزف الآلة الموسيقية، ويضم الكتاب مقتطفات من خطبته عند استلام جائزة نوبل وأشهر أقواله.
نستطيع أن نعاين معالجة أدبية مختلفة عن نجيب محفوظ بدأت بمشهد ولادته على يد الدكتور نجيب محفوظ طبيب التوليد المشهور فى ذلك الوقت بعدما نجح فى إخراج المولود سالمًا من عملية ولادة صعبة فاستبشر الأبوان وأسميا وليدهما نجيب محفوظ.
وكذلك الحديث عن البيت المطل على ميدان بيت القاضى الذى نشأ فيه نجيب محفوظ وسط أقدم وأعرق أحياء القاهرة، حيث نجد أن الرسمة الأولى لوليد طاهر هى مشهد بانورامى لما كان يراه الطفل نجيب محفوظ من أعلى سطح منزله المكون من ثلاثة طوابق ترى مأذنة جامع الحسين، والمشربيات التى كانت تغطى شبابيك البيوت القديمة التى كان يراها أهالى الجمالية.
استطاع كتاب «نجيب محفوظ من البداية» تحقيق معادلة طرفيها الصورة والنص للحفاظ على جذب أعين القراء وتحديدا من أصحاب الأعمار السنية اليافعة للتعرف على مراحل الطفولة الأولى لنجيب محفوظ، مرورًا بفترة صباه وشبابه فى حى العباسية، وحتى وصوله للشهرة العالمية.
يقدم الكتاب، حسب وصف سابق للزميلة أسماء سعد، وجبة فنية وأدبية متكاملة ترصد العديد من التفاصيل الشائقة لقارئ ربما لم يكن قد تعرف على نجيب محفوظ سوى أنه الأديب الكبير أو قرأ له رواية أو شاهد فيلمًا عابرًا مقتبسًا من أحد أعماله، ليجد بين يديه تفاصيل غنية عن مراحل التكوين المختلفة عند نجيب محفوظ عبر لغة سهلة وأسلوب سلس مدعوم برسومات بديعة.
«ربما تلهمك نصوص الكتاب لتكون أنت أيضًا مبدعًا فى يوم من الأيام».. هى نص رسالة واضحة وصريحة من المؤلفة هديل غنيم لقراء الكتاب حيث أجادت فى رصد العديد من اللحظات الإنسانية والأبعاد البسيطة للغاية فى شخصية نجيب محفوظ الذى كان هناك دور بارز لوالدته التى قالت عنها المؤلفة إنه رغم كونها لا تعرف القراءة ولا الكتابة فإنه تأثر كثيرًا بالأصالة التلقائية فى ثقافة والدته.
«التلميذ النجيب لاعب كرة» تسرد لنا تحت المؤلفة تحت هذا العنوان مزيدًا من التفاصيل الشيقة عن محفوظ فى سن مبكرة، حيث تقول: «نجيب محفوظ أحب التعليم فعلًا ووجد فى القراءة الحرة متعة جديدة وهواية إلى جانب هواياته الأخرى كلعب الكرة فى الشارع مع أصحابه وسماع أسطوانات الأغانى».
وتتابع: «نعم كان نجيب محفوظ لاعب كرة قدم «حريفًا» وظل يلعبها لمدة 10 سنوات فى أثناء دراسته الابتدائية والثانوية فقد كان يحب أن يتقن أى شىء يعمله ويحب أن يسمع كلمات التشجيع.

• فن صناعة العبقرية
مصطلح صناعة العبقرية قد يبدو أنه مصطلح متناقض، ولكن المؤلف الدكتور مصرى حنورة يقصده، لأن هناك من يتصور أن العبقرية خاصية ممنوحة أو أنها هبة غير مكتسبة. ويؤكد المؤلف أنها وعند «نجيب محفوظ» بالذات خاصية مكتسبة وبجهد إرادى وبوعى موجه كان يتحقق بالتدريج، وبذلك وصل «نجيب» ومن البداية، إلى التكاملية الإبداعية من خلال الوعى، والإرادة، والحركة فى اتجاه المستقبل، وقد جاء هذا الكتاب ليصف فى مجمل أبوابه وفصوله مسيرة هذا المبدع العبقرى. لقد نما هذا الكتاب أيضًا إلى أن وصل إلى الشكل الحالى بعد مروره بعدة مراجعات وإضافات على مدى أكثر من خمسة عشر عامًا بدءًا من سنة 1988 حتى الآن، وفى كل طور من أطوار نموه كانت تتكشف للمؤلف تجليات جديدة فى عبقرية «نجيب محفوظ»، وهو ما يعبر عنه هذا الكتاب الذى نقدمه للقارئ بعد تلك الرحلة الممتدة فى رحاب حياة وشخصية وإبداع. «نجيب محفوظ».
يكمن سر عبقرية نجيب محفوظ فى سلوكياته وعطاءاته وممارساته التى شكلت فى تراكماتها صناعته لعبقريته، قضى عمره باحثًا عن شىء تصور أنه يمثل رسالته الإنسانية فى الحياة ألا وهو تقديم المثال للباحثين عنه، والمثال الذى كان يرسمه المؤلف كان دائمًا مثالًا إنسانيًا، إنه يعرى هذا الإنسان المغترب، ويحاول أن يقترب ما أمكن مما بداخله، وفى خضم هذا الجهد الإبداعى كان نجيب محفوظ يصنع عبقريته الخاصة، ولا يستطيع أحد الجزم بأن المبدع الكبير كان يخطط من بداية عمره، لأن يكون كاتب قصة أو رواية.
